كتب هيثم الطبش
بسيف حزمها الذي أطلقته في اليمن عاصفة لردع المتمردين، ضربت السعودية مرة جديدة وهذه المرة على اليد الإيرانية لقطع دابر الفتنة ودفنها فيمهدها. بإعدام نمر النمر و46 إرهابياً آخرين إختارت المملكة أن تنتقل إلى الحدالجديد من رسائلها الرادعة في وجه التمادي الإيراني في المنطقة علّ نظام المرشديستجيب لأصول حسن الجوار.
“من رأى منكم منكراً فلغيره بيده، وإن لم يستطعفبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان،” ينطبق هذا الحديث علىالسياسة السعودية بالحرف، فالرياض التي صبرت طويلاً على التمدد الإيراني في المنطقة وصبرت في انتظار أن يدرك هذا النظام أن عليه الركون جانباً لم تعد تستطعالصبر أكثر، فلا الاكتفاء بالقلب حلّ المشكلبة ولا الحديث باللسان فعل فعله، إذاًهو وقت السيف.
النظر إلى المستجدات السعودية الإيرانية لا يجب أن يبقى محصوراً بما هو عليه اليوم بل الواجب وضعه فيقالبه التاريخي. فمنذ 1979 العام الذي شهد ثورة الخميني إختارت طهران معاداة العرب عموماً ودول الخليج خصوصاً والسعودية تحديداً، وفعلت لأجل ذلك كل ما يمكن. في زمنحربها مع العراق العربي استعانت إيران الخميني بإسرائيل للحصول على السلاح واختارت تمجيد قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وهذه وقائئع وشواهد سجلها التاريختماماً كما دوّنت الكتب والمراجع أن إيران استغلت الساحة اللبنانية المشتعلة سواءفي توظيف خطف الرهائن الأجانب في ابتزاز الغرب، أو في إنشاء ميليشيا حزب الله لتكون ذراع الاخطبوط.
وفي زماننا، إختارت إيران التدخل في سوريا بعكس رغبة كلالعرب، فدعمت نظام بشار الأسد مالياً وعسكرياً واستعانت بذراعها حزب الله علىالأرض، مقحمة لبنان في آتون تلك الحرب المستعرة. كان وزراء الخارجية اللبنانيون الذين يشاركون في الاجتماعات العربية يخرجون على كل إجماع وكأنهم انعكاس للرغبةالإيرانية وكأن حضورهم اختصار لحضور إيراني بالواسطة شأن لبنان في ذلك شأن “العراق الإيراني” في زمن نوري المالكي.
سعي طهران للحصول على موطئ قدم في اليمن ودعم ميليشيا الحوثيفي تكرار لتجربة حزب الله، وقبل ذلك تجربة احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، قرّب الشغبالإيراني من الدار السعودية والخليجية. وفيالبحرين شجعت إيران المعارضة على التمرد ومدّتها بالمال وبالتدريب على السلاح وتركيب العبوات الناسفة. وللنفوذ الإيراني في عراق ما بعد الرئيس صدام حسين ألفحكاية تشجيع على الفصل الطائفي وترسيم معالم التقسيم في البلاد وفرض نظام المحاصصة الطائفية وإنشاء الميليشيات المسلحة الموالية تماماً لإيران. والوثائق لا تخلو منتأكيد صلة إيران بتنظيمات إرهابية من كـ”القاعدة” و”داعش”.
أينما كنت يمكنك رصد مؤشرات التدخل الإيراني في الشؤون العربية والذي لم يكن مرة ليصب في خانة الإنماء أو التقدم بل في سبيل التخريبوالإساءة والتعطيل والتدمير، فهل يستمر الصمت؟
حاولت السعودية في عاصفة الحزم في اليمن إفهام إيران أنعليها التزام حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون العربية والخليجية والتخلي عنسياسة التخريب ودعم الميليشيات المناهضة للشرعية في كل مكان، فلم تصل الرسالة على الشكل المطلوب. ولما نفّذت المملكة حكم الاعدام بنمر النمر وسعت إيران إلى التدخلفي الشؤون السيادية السعودية جاء الرد الحازم بعاصفة دبلوماسية.
في لبننان صوت النشاز الإيراني موجود في كل ساعة وحين،وهو الذي استبدلت جماهيره شعار “الموت لأمريكا” بشعار “الموت لآل سعود”. دأب زعيم حزب الله منذ أشهر على مهاجمة السعودية متناسياً تماماًصراعه مع إسرائيل وبيّنت الأيام أن كون “إسرائيل شر مطلق” لم يخرج عن سياقالشعارات التي لا مكان لها إلا على الورق وفي حناجر المؤيدين.
وإذا كان زعيم الميليشيا قد تعهد بالانتقام لأحد قتلاهفقد رأى العالم وسمع بالأمس أن هذا الانتقام جاء من ضمن فلسفة التفجيرات والاغتيالات، لكنه لم ينجح في مزارع شبعا في صيد أي إسرائيلي، لكنه كان ينجح في حصد أرواح خيرةالسياسيين وقادة الرأي في بيروت.
اليوم لم يعد هناك داعٍ للمواربة ولا للاختباء وراءأصابعنا فنحن إما مع الحق ببعده الوطني والعربي، وإما في خانة المفسدين المفاخرينبانتمائهم لنظام الولي الفقيه الذي لا يشبهنا في شيء، فهل نكون في صف العرب الذين لم يتخلوا عن لبنان يوماً بينما استغله الإيرانيون وأتباعهم منصة لحروبهم وساحة لشعاراتهم ورصيفاً لتصدير ثورة خمينية؟ الأصدق أننا في لبنان أحوج ما نكون لعاصفةحزم لا تبقي ولا تذر.