كما في كل عام، تتكرر المعاناة التي يتحملها اللبنانيون جراء العواصف الثلجية والفيضانات. ويحار المرء في الأحداث التي سيتابعها، فالتنوع في الاضرار التي تصل الى حد خسارة مواطن لمنزله او لعمله بشكل كامل، يصطدم بغياب الدولة التي لا تجد حرجاً في اعلان عدم نيتها وضع الحلول الإستباقية.
الاكتفاء بمعالجة النتائج يمكن القبول به في حال الحديث عن دور الدفاع المدني والجمعيات والهيئات الشعبية، التي من شأنها المساعدة في لحظة وقوع الحادث، وليس وضع خطط استراتيجية تطال البنى التحتية التي تخفف أكثر من 50% من نتائج الكوارث الطبيعية. وبالتالي ليس مقبولا ما تقوم به الدولة من اصدار لبيانات تعد الناس بالتعويضات، لتدير ظهرها لاحقاً. لكن كثرة التكرار تضعنا أمام تساؤل عمّا اذا كان اللبنانيون “يتدلعون” في مثل هذا الطقس وأمام هذه النتائج، أم ان معاناتهم حقيقية؟
في الحالة الاولى، يصحّ النظر الى الثلوج والفيضانات والكوارث، على انها “غيمة ستمر”، لكن في الحالة الثانية يجب ان يستكمل النظر الى الكوارث بالنظر الى الحلول، والى دور المواطن في الضغط على الدولة. الا اذا كان المطلوب تغيير الخريطة الزراعية لتفادي الكوارث على القطاع الزراعي، او تغيير نمط البناء لمنع حدوث اضرار في الممتلكات… وما الى ذلك من اجراءات تصيب التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع اللبناني.
في بلد مثل كندا، تعتبر الثلوج أمراً طبيعياً، ويعتبر اقفال الطرقات وحصار السيارات والمنازل “تحصيلا حاصلا” لهذا الطقس. اما درجات الحرارة، فتصل الى 26 درجة تحت الصفر، كما هي الحال الاثنين في بعض المقاطعات، وفق ما تقوله ميّ طرطوسي، التي تعيش في كندا. وفي ظل هذا الوضع، “تقوم الدولة بفتح الطرقات ومساعدة الناس بطريقة طبيعية”. وتعود سهولة المعالجة بحسب ما تقوله طرطوسي لـ “المدن” الى “البنى التحتية التي تكون مجهزة قبل وقوع الكوارث”. لكن برغم هذا النموذج، “هناك انتقادات يوجهها المواطنون للدولة، ويعتبرونها مقصّرة في بعض المحطات، لكن تقصير الدولة الكندية يختلف بطبيعته ودرجته عن تقصير الدولة اللبنانية. فالدولة اللبنانية ليس لديها ابسط مقومات البنى التحتية”. اما رد الحكومة، فيكون “عبر تبريرات علمية ومنطقية، تقدّم للمواطنين أسباب الاخفاق بالارقام والمستندات، ليقبل الشعب احياناً، ويرفض التبريرات احياناً أخرى”.
يوافق رئيس جمعية المزارعين انطوان حويك، على ما تقوله طرطوسي، ويعتبر ان الدولة عليها معالجة المشاكل الناتجة عن الطقس، ولا يمكنها طلب تغيير الخريطة الزراعية لأنها عاجزة عن القيام بواجبها. ففي لبنان لا يمكننا استبدال زراعة الموز خوفا من الطقس، ولا يمكننا التوقف عن زراعة البندورة في الخيم البلاستيكية لأن الثلج يمكن ان يدمر الخيم. ويرى حويك في حديث لـ “المدن” ان الكوارث الطبيعية تصيب الدول المتطورة، ولا تتحدث الدولة عن بديل للزراعات الموجودة، بحجة الطقس. بل تقوم بوضع آلية للتعويضات واستباق الكوارث. ويضيف، ان المشكلة تزداد مع غياب الجهات الضامنة للقطاع الزراعي، فشركات الضمان تخاف من المخاطر المرتفعة لهذا القطاع، فيبقى الحل بيد الدولة، لكنها للأسف لا تقوم بدورها. ويذكر حويك بالاقتراحات الكثيرة التي قدمها المزارعون للدولة، من بينها انشاء صندوق تعويضات للمزارعين يهتم فعليا بالتعويض عن خسائر سنوية تقدّر بما بين 5 الى 10 ملايين دولار بحسب احصاءات الهيئة العليا للإغاثة.
اهل الزراعة إذن “لا يتدلعون” وفق ما يخلص اليه حويك، خاصة وان أهل القطاع يتحركون لأجل قضاياهم، فهم اوقفوا الكثير من القرارات التي تضر بمصالح القطاع الزراعي، منها ما يتعلق بمواسم التفاح والقمح على سبيل المثال. اما في ما يتعدى ايقاف القرارات الحكومية، فيرى حويك ان التركيبة السياسية للنظام، تسمح بوقف القرارات، أكثر مما تسمح بالضغط على الحكومة لتبني قرارات معينة.
في المقابل، يبقى الناس من مختلف القطاعات المهنية والطبقية، أسرى الغياب التام لخطط الدولة في ما يتعلق بمعالجة الكوارث الطبيعية. الا ان هؤلاء لا يملكون قطاعا محددا يتضرر جراء العواصف، وانما يملكون الشتائم ضد الدولة، دون التحرّك العملي للضغط عليها. وبحسب حويك، لا يمكن لهؤلاء فعل شيء، اذا ما كنا نفكّر بتحركات شعبية كتحركات المجتمع المدني ضد ازمة النفايات، لأن “الوجع ما بيوجع غير صاحبه”، فخسائر المواطنين فردية، اما خسائر القطاع الزراعي، فجماعية، لذلك نرى ان اصحاب القطاع يتكتلون لرفع الصوت معاً.
وتجدر الاشارة الى ان خسائر المواطنين الفردية، ليست بعيدة في كمّها ونوعها عن خسائر اصحاب القطاعات، حتى في القطاع السياحي الذي يعاني ايضاً في مثل هذه الظروف، حتى وان كان يتسفيد من “الموسم” بعد انحسار العواصف. فالمنازل التي تضررت، والعائلات التي اجبرت على اخلاء منازلها في شبعا وغيرها من المناطق، لا يجب وضعها خارج جدول اصحاب الخسائر، وانما هي تضع نفسها خارج جدول حق المطالبة الجماعية بتأمين خطط المعالجة الاستباقية.
إذا كان من المستحيل تغيير مشاهد حوادث السير والانزلاقات واقفال الطرقات، بسبب عدم امكانية التحكم بالطقس، الا انه يمكن تحضير البنى التحتية وخطط السيطرة على الطبيعة بقدر ما تسمح به الامكانيات. والجميع يعرف بأن الامكانيات بسيطة، تبدأ بعدم سرقة المال العام، وتمتد لتطال دور المواطن بممارسة مسؤوليته في المحاسبة. لكن طالما ان القطيع راضٍ، فلماذا يُلام الذئب؟