IMLebanon

مَن أطلقَ الرصاصة الأولى في عبرا؟

 

AHMAD-AL-ASSIR

 

كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:

لم يخطر في بال إمام مسجد بلال بن رباح أن يَمثل كشاهد خلال انتظار افتتاح جلسته الأولى لهذا العام. فبينما كان رئيس المحكمة العسكرية العميد الطيار خليل إبراهيم يستمع لهيثم حنقير مرافق الفنّان الفارّ فضل شاكر، نادى قائلاً: «أحمد هلال الأسير الحسيني موجود؟ ليأتي ردٌّ باهت من الخلف، «نعم» قالها الأسير بعينين جاحظتين استغراباً، وهو يَهمُّ بالوقوف رافعاً يدَه اليمنى وسط حراسةٍ مشدّدة مِن حوله.كما كان متوقّعاً، ردّت رئاسة المحكمة العسكرية في الجلسة الأولى لمحاكمة أحمد الأسير أمس كلَّ الدفوع الشكلية التي قدّمها وكلاء الدفاع عنه، المحامون أنطوان نعمة، محمد صبلوح، عبد البديع عاكوم، العامَ المنصرم. ولكن ما لم يكن متوقَّعاً استدعاء الأسير كشاهد في جلسة هيثم حنقير الذي سَلّم نفسَه منذ نهاية العام المنصرم.

في التفاصيل…

بعضلاته المفتولة ولحيتِه المرسومة، وقفَ هيثم بصلابة تُضاهي شَعر رأسه المصبّر بمثبّت للشعر، يروي لرئيس المحكمة تفاصيلَ معرفته بفضل شاكر. فهيثم متّهَم بالانتماء إلى مجموعة عسكرية مسلّحة تابعة للأسير وبحَمله السلاحَ وحراسة مكان إقامة فضل شاكر.

– إبراهيم: شو بتِشتغل؟

– هيثم: بيّاع سَمك.

– إبراهيم: مرافق لفضل شاكر؟

– هيثم: باخدلو سَمك على البيت يوم إيه يوم لأ.

– إبراهيم: ساكن بالتعمير؟

– هيثم: نعم.

– إبراهيم: منذ متى تعرفه؟

– هيثم: إبن التعمير منذ 7 أشهر.

– إبراهيم: لماذا تقف حرَس؟

– هيثم: بوقَف معُو هيك ومِش مرافقة شخصية.

– إبراهيم: مين كان معَك بالحراسة؟ ثم يُعدّد له مجموعة أسماء، فيجيب هيثم، مشيراً إلى أنّهم أولاد منطقته.

– إبراهيم: مَن أعطاك الـ M16 لتطلقَ النار؟

فيروي هيثم أنّه بينما كان يحمل السمك إلى منزل شاكر في الـ 23 من نيسان 2013، أي قبل أحداث عبرا بساعتين، وافاه عبد الرحمان شمندر (ابن شقيق فضل شاكر) قائلاً له: «هدّيلي البارودة لجِبلك مصاري وإجي». وهنا سادَ الضَحك في قاعة المحكمة. وأشار هيثم إلى أنّه لم «يتسلّم ثمنَ السمك آنذاك وقيمتُه 13 ألف ليرة»، وانتظرَ أكثر من ساعتين واقفاً قبل أن يدخلَ الجامع ليؤمّ الصلاة.

– إبراهيم: ساعتين ونص واقف يعني حرَس! فيقاطعه هيثم: «لا لا، كنت لا أزال أنتظر ثمنَ السمك الذي سلّمته». فساد الضحك في القاعة.

– إبراهيم: بَس عِلقِت شو عمِلت؟ يجيب: سمعت الرصاص فتوجّهت إلى الملجأ.

– إبراهيم: هل كان من مسلّحين ملثمين؟ هيثم: لا لم أنتبه، لا علاقة لي بالرصاص.

– إبراهيم: صباح 24 ماذا حصل؟ هل جاء الشيخ الأسير وقال لكم يجب أن نخرج من المربّع الأمني؟ نفى هيثم موضحاً: «لا، خرجتُ بمفردي لأقصد منزلَ أمّي». فسأله القاضي: متى جاء فضل شاكر؟ أجاب: رأيته في الملجأ قرابة 3:30، وقال لنا كلّ واحد يدبّر راسو».

وفي سياق متصل أنكرَ هيثم أن يكون رأى الأسير، «لم أرَ الأسير بالمرّة»، مشيراً إلى أنّه دخل المخيّم بمفرده واستأجَر شقّة له ولعائلته. وسأله إبراهيم مستغرباً: «ليش كان يبعتلك فضل 200 دولار من دون ما تعطيه سمك، يعني أشبَه براتب شهري، كنت موظف عندو!».

وأضاف: «ليش نزِل من الـ 500 دولار إلى الـ 200؟». فأجاب هيثم متلعثماً: «إيجار الشقة». وفي الاستجواب، نفى هيثم أن يكون سجّل طلبَ الانتساب لمجموعات عسكرية.

– إبراهيم: إنطلاقاً من علاقتك بفضل متى التزَم دينياً؟ فنفى هيثم أيّ عِلم له، ليقاطعَه القاضي: «معقول مرافقو وما بتعرف؟»، أجاب هيثم: «ما كِنت دايماً معو، إبن خَيّو كان يرافقو». ما دفعَ إبراهيم المعروف بتعمّقِه بالملفات إلى سحبِ مجموعة من الصوَر لهيثم يَظهر فيها إلى جانب فضل، وفي كلّ صورة يجيب هيثم: «بَس هالمرّة كِنت معو»، وسرعان ما باغتَه القاضي بصورة أخرى يَظهر فيها.

– إبراهيم: ألم تجتمع بالشيخ أحمد؟ هيثم: لا والله.

– إبراهيم: أين كنتَ تؤمّ الصلاة؟ أليس في مسجد بلال بن رباح؟ أليس الشيخ الأسير من كان يخطب؟ أسئلة كالصاعقة انهالت على رأس هيثم الذي ارتبَك وبدأ يلوذ بالصمت.

– هيثم: نعم، كان الأسير يخطب، فقاطعَه القاضي: «يعني كِنت تعرفو… هل كان يُكفّر الجيش؟». هيثم: لا.

هل دعا للتسلّح في فترات تواجُدك؟ لا. ونفى هيثم أيضاً أن يكون تَدرّبَ عسكرياً، ما أثارَ استغرابَ القاضي، فسأله: «كيف يؤمّنون لك حملَ الـ M16؟ وبعد طول نقاش أصَرَّ هيثم على أنّه «لم يشارك، لم يطلِق النار، أنا بالملجَأ كِيف بدّي شوف!».

إشتعلت المحكمة…

بدَت واضحةً مساعي هيثم إلى تلميع صورة فضل شاكر أكثر من مرّة وتبرئته، لا سيّما في حديثه عن لقاء حصَل بين فضل والعميد الحسيني قبل 20 يوماً من أحداث عبرا، في مطعم، بهدف وقفِ ملاحقةِ عدد من شبّان مجموعته كانوا قد ظهروا بصوَر حاملين سلاحاً في إحدى التحرّكات مقابل تسليم أسلحتهم.

واعتبَر هيثم أنّ إشكالاً حصَل بين الأسير وشاكر على خلفية لقاءات شاكر مع العميد، انتهى بقول الأسير لـ شاكر: «خود شبابَك وفِلّ». فقاطعَه القاضي مباغِتاً إيّاه: «إذا الأسير موجود لح نِسألو». فلم يُبدِ هيثم أيّ اعتراض أو تمنّع. فنادى القاضي الأسير مستوضحاً كشاهد.

ثوانٍ معدودة، مثُل الأسير بجسَده النحيل أمام قوس المحكمة، بعدما غادرَ المقعد الخامس الذي كان يجلس فيه محدّقاً يميناً وشمالاً، مرّةً يتثاءب ومراراً يتلمّس لحيتَه الطويلة التي كساها الشيب، وكان قد استبدلَ قلنسوتَه بقلنسوةِ صوف سوداء. علا صوتُ وكلاء الدفاع معترضين على استدعاء الأسير، إلّا أنّ القاضي لم يُعرهم أيّ اهتمام، وظلّ متمسكاً بندائه إلى أن اقتربَ الأسير من الميكروفون مجيباً على أسئلة إبراهيم.

وقد أكّد «أنّه طلبَ من شاكر المغادرة ولكنّ هذا حصَل قبل جلوسِه مع الجيش ومفاوضته، من دون أن يقول سببَ خلافه مع شاكر، مضيفاً: «قلتُ له إنّني لا أريد أيّ تصرّف يؤدّي إلى الزعزعة مع الجيش وحتى مع الجيران. وطلبتُ منه المغادرة قبل واقعةِ اجتماعه بأشخاص من الجيش اتّفق معهم على تسليم بعض السلاح مقابل توقيف مذكّرات التوقيف».

في موازاة ذلك، ردّت المحكمة الدفوع الشكلية التي تقدّمت بها جهة الدفاع، وقد استمهل الدفاع لاتّخاذ موقف من قرار ردّها ومن تقرير اللجنة الطبّية الموسعة. وقد قرّرت المحكمة فصلَ الملفّين، فأرجئ ملفّ الأسير ورفاقه إلى 26 نيسان المقبل، والملف الثاني للمرافعات في 23 شباط المقبل.

إخبار للنيابة العامة

وبَعد الجلسة توَجّه وكيلان من وكلاء الأسير، المحاميان محمد صبلوح وأنطوان نعمة، إلى وزير العدل أشرف ريفي وقدّما له إخباراً بإسم الأسير. في هذا الإطار يوضح صبلوح لـ«الجمهورية»: «قدّمنا إخباراً يتضمّن مَن أطلقَ الرصاصة الأولى، مَن هو الطرف الثالث الذي تَسبّبَ بالمعركة بين الجيش ومجموعة الشيخ أحمد الأسير، بالصوَر والفيديو وشهادات بعض الموقوفين الذين أكّدوا أنّهم خُطفوا وقد تمَّ ضربُهم قبل تسليمهم للجيش على يد مَن يتبعون لسرايا المقاومة وحزب الله، توفيق البابا، إبراهيم الصوص، وأحدُهم من عائلة قطيش».

وأضاف: «سَلّمناه ما نملك من معطيات، وما نَشره الإعلام عن أشخاص من خارج الأجهزة الأمنية ظهَروا بأسلحتهم على مرأى من الجميع، ولم تتحرّك النيابة العامة للادّعاء عليهم. حوّل الوزير المعطيات إلى المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لاتّخاذ الإجراء القانوني والتحقيق معهم ومحاكمتهم في حال ثبتَ تورّطهم».