كتبت لينا فخر الدين في السفير:
4 أشهر ونيف مضت على توقيف أحمد الأسير من دون أن تتمكّن المحكمة العسكريّة خلال مثوله أمامها لمرتين، من استجوابه. وكلاء الدّفاع عن إمام “مسجد بلال بن رباح” السابق يصرّون على مسلسل التأجيل، وإن كانوا يقنّعون مطالبهم ودفوعهم الشكليّة أمام هيئة المحكمة بتأمين كل حقوق المتّهم قبل بدء الاستجواب.
وهذا الأمر أدّى إلى تعطيل محاكمات باقي موقوفي عبرا بعدما أنهوا استجوابهم، وبدأ بعض المحامين بمرافعاتهم تمهيداً لإصدار الحكم. فيما تسبب توقيف الأسير ثمّ انتهاج سياسة المماطلة بإبقاء الأمور على حالها. وذلك برغم أن بعضهم قد تصدر فيهم أحكام بالسجن ثلاث سنوات سجنيّة أتموها في آب الماضي.
ولأن لا ناقة ولا جمل للمحكمة بشأن المماطلة في استجواب الأسير، قرّرت أن تقفز فوقه وأخذت رأي النيابة العامة العسكريّة، لتعلن القرار الأهمّ بالنسبة للموقوفين (وهذا استدعى استنكاراً من أهالي شهداء الجيش الذين حضر بعضهم الجلسة)، ألا هو: تفريع الدعوى إلى دعويين، واحدة تضمّ الأسير وفضل شاكر مع 33 آخرين، والثانية تضمّ 38 مدّعى عليه، وذلك “حفاظاً على سير العدالة التي تفرض البت بالملفاّت مع ما يلزم من السّرعة مع الحفاظ على القوانين”، وفق ما قال رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل إبراهيم.
وعليه، سيبدأ محامو موقوفي الدفعة الثانية الإدلاء بمرافعاتهم في الجلسة المقبلة التي تحدّدت في 23 شباط المقبل.
وإذا كان الأسير ووكلاء الدّفاع عنه متمسكين باستراتيجيّة الصّمت، فإنّ رئيس “العسكريّة” اقتنص الفرصة لسماع صوت إمام “بلال بن رباح”: الأسير شاهد وليس مدّعى عليه و “من حقّ المحكمة أن تستمع لإفادته”، من دون أن تنفع اعتراضات محاميه من توجهّه نحو القوس، ليروي فيه ما كان تحدّث عنه سابقاً في إفادتيه الأوليّة والاستنطاقيّة عن خلافات بينه وبين فضل شاكر أدّت إلى طرد الأخير وجماعته من المربّع الأمني قبل أسابيع قليلة من وقوع أحداث عبرا.
أمس، بدأت الجلسة بـ”المقلوب”. فقبل أن يقوم العميد ابراهيم بتلاوة أسماء المدّعى عليهم ووكلاء الدّفاع عنهم، نادى على أحد الموقوفين حديثاً: هيثم حنقير الذي سلّم نفسه لمخابرات الجيش منذ ثلاثة أشهر.
منذ بدء الاستجواب، والموقوف يحاول التملّص من عمله كمرافق وحارس لمنزل “الفنّان التائب”، برغم أنّ ابراهيم عرض له صوراً وهو يقف خلف فضل شاكر، ليردّ بأنّها “كانت المرة الوحيدة التي أرافقه”، قبل أن يشير إلى أنّه كان حارساً على “الفيلا” التابعة له وعمل على حراسة منزله بعض المرات في عبرا بعدما سلّمه عبد الرحمن شمندر بندقيّة حربيّة لهذه المهمّة.
وأشار (في إفادة سابقة) إلى أنّه هرب مع فضل شاكر ومجموعته إلى منزل أحمد هاشم حيث حلقوا ذقونهم قبل أن يلحق بهم الأسير وعائلته، لافتاً الانتباه إلى أنّ فضل شاكر استأجر له منزلاً في التعمير بعد أحداث عبرا وكان يعطيه 200 دولار شهرياً.
السّمك دفعه للمشاركة في عبرا واللحاق بشاكر!
علّق حنقير كلّ الأسئلة على “قميص عثمان”: السّمك. فعندما سئل الصيّاد عن علاقته بفضل شاكر، قال: “كنت آتي إليه بالسمك كلّ يومين”. وعن المبلغ الذي كان يتقاضاه منه، قال: “حوالي الـ500 إلى 600 دولار شهرياً كثمنٍ للسمك”. وعن سبب وجوده في محيط مسجد عبرا قبيل وقوع أحداث عبرا؟ قال: “أعطيت كيس السّمك لابن شقيق فضل عبد الرحمن شمندر الذي أعطاني بندقيّة من نوع ام16 وطلب مني الانتظار ريثما يأتي لي بالمال من فضل كثمنٍ للسمك”. رغم أنّ الموقوف اعترف بأنّه بقي يمسك بالبندقيّة أكثر من ساعتين قبل أن يدخل للصلاة فتندلع معارك عبرا ثم يهرب إلى ملجأ المسجد، وفق ما روى، وهو ينتظر أن يأتي له شمندر بالمال!
وليس ذلك فحسب، وإنّما الأطرف في إفادة حنقير هو أنه بعد هروبه إلى التعمير طلب من أحد المقربين من فضل شاكر أن يؤمّن له موعداً معه، فردّ الأخير بأنّ “اللقاء ممنوع”، موضحاً أنّ شاكر يمكث لدى هيثم الشعبي في مخيّم عين الحلوة. ولدى سؤال العميد إبراهيم للموقوف عن سبب إلحاحه للقاء فضل شاكر، قال: “كنت أريد منه ثمن السّمك (الذي سلّمه لشمندر قبل وقوع الاشتباكات)”!
الضحك الذي ساد القاعة سرعان ما تحوّل إلى صدمة واستغراب عندما روى حنقير عن لقاءات فضل شاكر بمدير مكتب قائد الجيش العماد جان قهوجي، العميد محمد الحسيني، في مطعم كان يملكه “الفنان التائب” في صيدا، “والتفاوض بين ممثل قائد الجيش وفضل بشأن تسليمه جزءاً من الأسلحة التي يملكها مقابل إسقاط مذكرات التوقيف الصادرة بحقّ بعض الشبان التابعين له”.
هذا الأمر استدعى توجيه أكثر من سؤال من قبل العميد ابراهيم إلى حنقير الذي ردّد أنّه متأكّد أنّه رأى بأم عينه الحسيني يرتدي لباساً مدنياً ويجلس مع شاكر في المطعم، وذلك قبل حوالي العشرين يوماً من اندلاع أحداث عبرا وبسبب مشاكل وقعت بين فضل شاكر وأحمد الأسير، الذي قال له: “ضبّ شبابك وفلّ من هون (المربّع الأمني)”.
ماذا قال الأسير؟
وعلى الفور، استدعى العميد إبراهيم الأسير كشاهد للتأكد منه عن حقيقة حصول هذه الواقعة. كان الموقوف يجلس في أحد المقاعد في الخلف يتحلّق حوله 7 عسكريين. “صاحب اعتصام الكرامة” استرجع مظهره الذي كان عليه خلال “الأيّام الخوالي” بعدما أطال لحيته ووضع نظارات طبيّة سوداء، وارتدى عباءةً رماديّة وإن تخلى عن قلنسوته لتحلّ مكانها قبعة صوفيّة سوداء.
في البداية، ظنّ الأسير الذي كان ينصت باهتمام لإفادة حنقير أنّ إبراهيم يتأكّد من وجوده ليجيبه بـ “نعم.. حاضر”، قبل أن يتقدّم بأقدام ثابتة نحو القوس.
كانت هي المرّة الأولى التي يصدح فيها صوت الأسير داخل “العسكريّة”. الصوت نفسه الذي كان يأتي من عبرا، ولو أنّ الموقوف غيّر طبقة صوته العالية.
أراد الأسير أن يبدأ منذ البداية، حينما “قرّر شاكر أن ينتقل للعيش في عبرا لأنه كان يتخوّف من موقع منزله في حارة صيدا. وعندها استأجر منزلاً وعدداً من المحالّ، وكان هناك اتفاق ضمني ـ عرفي بأنني إمام المسجد والمسؤول. شباب فضل شاكر يدخلون المسجد على عيني ورأسي، ولكنني أمانع حصول تصرفات فرديّة تؤدي إلى زعزعة الوضع الأمني أو حتى إزعاج الجيران”.
ولأن “تلميذ الشيخ” خرق العرف، طلب الأسير منه مغادرة المربّع الأمني، وفق ما أكّد إمام “بلال بن رباح” السابق.
أمّا بخصوص لقاء فضل شاكر بالعميد الحسيني، فأكّد الأسير أنّ “فضل شاكر أخبرني أنّه التقى مسؤولين أمنيين في الجيش، ولكنني لا أعرف إن كان الحسيني أو غيره، وكان الاتفاق ينصّ على تسليم فضل الأسلحة مقابل توقيف العمل بمذكرات التوقيف الصادرة بحق جماعته إثر الإشكال المسلّح الذي وقع بعد مقتل لبنان العزي وعلي سمهون في التّعمير”.
وبعد الاستماع إلى الأسير كشاهد، أعلنت المحكمة ردّ الدفوع الشكليّة التي تقدّم بها وكلاء الدّفاع عنه والتي تتمحور حول بطلان إفادته الأوليّة وتمتعه بحصانة دينيّة تتطلّب إذناً من دار الفتوى لملاحقته، بالإضافة إلى حصول المحاكمة علنياً برغم وجود قاصرين، فاستمهل محامو الأسير لاتخاذ موقف وأرجئت الجلسة إلى 26 نيسان المقبل.
أمّا عن السيناريو الذي من المفترض أن تسلكه محاكمة الأسير، فإنّ فريق محاميه سيلجأ خلال الفترة القانونيّة المحدّدة بـ15 يوماً إلى محكمة التمييز العسكريّة بغية تمييز قرار المحكمة، “لأننّا نصرّ على بند بطلان التحقيقات الأوليّة التي لم تعلّل المحكمة أسباب ردّها”، وفق ما يقول وكيل الدّفاع عن الأسير المحامي محمّد صبلوح.
وبعد ذلك، ستردّ “التمييز” على هذا الطّلب. وعليه، سيعمد المحامون خلال الجلسة المقبلة بالسير نحو الاستجواب أو الاستمهال للاستجواب لتعود وترجأ الجلسة أشهراً أخرى.