من أول طاحونة هواء بنيت في اسكتلندا في العام 1887 الى المزارع الهوائية المعتمدة في أغلب دول العالم، يزداد النظر الى طاقة الرياح لتوليد الكهرباء كبديل عن طاقة النفط. إذ ان الرياح التي تعتبر من مصادر الطاقة البديلة هي الأوفر على صعيد الكلفة، والأفضل بيئياً. في لبنان يستمر الحديث عن اعتماد الطاقة البديلة، الا ان التنفيذ يبقى على المستوى الفردي الذي سرعان ما يتوقف نظراً لعدم وجود إنتاج كبير بالقدر الذي يفترض بهذه الطاقة إنتاجه، أو نظراً لإرتفاع الكلفة بالمقارنة مع كلفة وإنتاجية مولدات الكهرباء التي تعمل على النفط. فالمواطن اللبناني عليه دفع تكاليف بطاريات وتوربينات ومواد أخرى، بقيمة أعلى من تلك المطلوبة في دول اوروبية، ويعود ذلك الى توفر المواد الاساسية في تلك الدولة بأسعار المنشأ، على عكس اسعار السوق اللبناني التي تخضع للجمارك ولأرباح التجار. لكن برغم ذلك، فإن إنتاج طاقة بديلة على مستوى لبنان، ضمن مشروع تتبناه الحكومة، قد يقلب الوضع بإتجاه الأفضل، لناحية الكلفة ولناحية الاعتماد على شركات عالمية متخصصة بدل الاعتماد على مستوردين محليين لا خبرة لديهم. مشروع الاعتماد على الطاقة البديلة مطروح منذ سنوات، أقلّه منذ العام 2004، وفق ما يقوله لـ “المدن” رئيس جمعية الخط الأخضر علي درويش. الا ان الحكومة لم تلتفت الى المشروع. مرة أخرى أعيد طرح المشروع في العام 2010، استناداً الى ما يقوله وزير البيئة محمد المشنوق، نظراً لإتجاه العالم “بسرعة الى استعمال الطاقات المتجددة”، وأكد المشنوق يوم الثلاثاء خلال اجتماع للجنة الطاقة والمياه، ان علينا الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كاشفاً عن تقديم “3 شركات لعروض توليد الطاقة من الرياح في منطقة عكار مجموعها حوالي 200 ميغاوات (10% من حاجة الاستهلاك، بحسب درويش) والمطلوب من مجلس الوزراء الاسراع في تلزيم هذه المشاريع الثلاثة لهذه الشركات”. المشنوق لم يدلِ بأكثر من ذلك، ليبقى المشروع رهن الكلام الكثير الذي تنطق به السلطة دون تطبيق. لكن من جهة أخرى، أثبتت أزمة النفايات التي إنتهت بقرار الترحيل المليء بالسمسرات والصفقات، أن أي مشروع تتبناه السلطة السياسية الحالية لا يمكن الوثوق به تلقائياً، بل يجب دراسته من كل الجوانب. وفي السياق، يلفت درويش الى ان “شركة دنماركية تدعى “فيستاس” وتعتبر من أكبر شركات العالم في مجال توليد الطاقة من الرياح، عرضت في العام 2010 تنفيذ مشروع بقيمة 6 سنت لكل ميغاوات، لكن الحكومة رفضت. علماً ان الشركة قالت انها ستقوم بكل الترتيبات اللازمة وما على الحكومة سوى تحديد الاماكن التي تريد تنفيذ المشروع عليها”. ويعيد درويش سبب الرفض الى ان الحكومة “أرادت تلزيم المشروع بمبلغ يتراوح بين 9 و10 سنت للميغاوات”. وفي الخلاصة، رحلت الشركة وتوقف المشروع. اما لماذا رفضت الشركة الاسعار العالية، فيعتبر درويش ان “هذه الشركات لا تلعب، ولا تقبل بوسطاء وسماسرة، خاصة انها تقوم بمشاريع على مستوى العالم ولا تتوقف المسألة على لبنان الذي يعتبر سوقاً صغيرة، قد ينتظر سنة او سنتين لتأمين طلباته أساساً”. إعادة فتح الملف اليوم من قبل المشنوق يعيد الى الاذهان ان المشاريع المماثلة تحتاج الى بنية تحتية مناسبة. فهل يملك لبنان مثل هذه البنية ؟ وضع الشبكة الكهربائية الحالية يجيب عن هذا السؤال، فالشبكة اليوم غير قادرة على تحمل نسبة الطلب، فالمولدات والمخارج والاسلاك ومحطات التوليد وما الى ذلك، تخضع للسمسرات وتركيب معدات ذات نوعية غير جيدة، خلافاً لما تنص عليه عقود التلزيم. وفي المحصلة، الشبكات الحالية تحتاج الى صيانة والى تركيب أخرى جديدة تحتمل طاقات أكبر، لأن انتاج الطاقة من الرياح سيضاف الى الشبكات الموجودة حالياً، فسيزداد الضغط عليها. ما يعني ان على الحكومة تجهيز الارضية المناسبة قبل الحديث عن فكرة طاقة الرياح. ويرى درويش ان جهوزية الشبكة والبنى التحتية وكل ما يلزم، سيصطدم بمافيات النفط الموجودة في لبنان، والتي تسيطر على تجارة النفط. وهذه المافيات لن تقبل بوجود طاقات تغني المواطن عن النفط”.