تتحضّر سوق الغاز في لبنان للدخول في دائرة مغلقة في ما يتعلق بعملية إستبدال القوارير التالفة بأخرى جديدة. وتأتي الدوامة في ظل عدم وضوح جميع النقاط العملية المتعلقة بالإستبدال، وأهمها الجهة أو الشركة التي ستقوم بالتلف، فضلاً عن مصير الأموال المجمعة نتيجة استيفاء رسم 1000 ليرة عن كل قارورة معبئة، قبل البدء بعملية الاستبدال.
الإستيفاء بدأ، وتسليم القوارير الجديدة من المفترض ان يبدأ الجمعة، وفق ما يقوله لـ “المدن” نقيب العاملين والموزعين في قطاع الغاز، فريد زينون. على ان يُبت “الأسبوع القادم في موضوع هوية الجهة التي ستستلم عملية التلف”. وأكد زينون على ان “تنفيذ القرار يسير بالإتجاه الصحيح، وسيتم تسليم 1300 قارورة يومياً”، ويرى ان على المواطنين “الإنتظار”، وعدم “إستعجال” الأمر، لأن هذه العملية “تتطلب وقتاً”. ولفت زينون النظر الى ان النقابة كانت قد طلبت ان يكون الإستبدال على مدى “7 سنوات بدلاً من 10”. وبرأيه، “المواطن اللبناني لا يتذمر من استيفاء 1000 ليرة على تعبئة كل قارورة، لأنه بذلك يحمي نفسه وعائلته. والمواطن يستهلك تقريباً 18 قارورة غاز سنوياً، يعني 18000 ليرة، وهي ليست مبلغاً كبيراً”.
بدء مرحلة التنفيذ الفعلي مع بداية العام الحالي يعيد التذكير بثغرات قرار الإستبدال، والتي تحوّل هذا القرار الى تشريع لعملية “غش” سيمحوها الوقت، وسيتناساها المواطن بفعل همومه اليومية. وتشير تجربة الاستبدال السابقة الى هذه النهاية، لأن ما يقاسيه المواطن من متاعب اقتصادية وإجتماعية، أكبر من الوقوف عند 1000 ليرة، ومن جهة أخرى، لن يحفل المواطن بمصير القوارير المعدة للتلف، طالما ان النتائج بعيدة من التأثير على حياته اليومية. فلا يهم من سيستفيد من صفقة القوارير التي تصنّف تالفة، فجلّ ما يمكن فعله، هو اعتبار ان سعر الغاز ارتفع 1000 ليرة، وانتهى الأمر. وما صفقة النفايات الا شاهد على الوسيلة التي تتبعها الحكومة لتمرير الصفقات، بعد إرهاق المواطن بعملية معقدة تدفعه الى القبول بأي خيار يُتّخذ شرط تأمين راحة البال، تحضيراً للتفكير بهموم حياتيه أساسية. ويأتي أسلوب الدعاية في ترغيب المواطن وفي إلهائه عن القضية الأساس، ليعطي القرار طابعاً “مسلياً” عبر إدخال لعبة الربح في عملية الاستبدال. اذ تقوم محطات الغاز بإعطاء المواطن ايصالاً لكل استيفاء، و”عندما يجمع المواطن 40 ايصالاً، يستبدل قارورته مجاناً”، اما بالنسبة لتجار الجملة، فيأخذون “نسبة 3%، أي يستبدلون 3 قوارير مجاناً لقاء كل 100 قارورة تُعبّأ من الشركة”، وذلك وفق ما تقوله مصادر “المدن” في إحدى شركات الغاز.
جمعية المستهلك لديها رأي مخالف في كل ما يحصل، لأنه في الأصل، الإتفاق الذي جرى التداول فيه ضمن اجتماعات لجنة الطاقة النيابية، لم يكن على شاكلة القرار الذي أُعلن. فالنقاشات، بحسب رئيس الجمعية زهير برو، كانت حول “عملية صيانة لقوارير الغاز، وليس استبدالها”. أما الاستبدال، وفق ما يقوله برو لـ “المدن”، كان يتعلق بالقوارير التالفة، كإجراء موازٍ للصيانة يأخذ في الاعتبار وضع كل قارورة على حدة. لكن قرار الاستبدال العام كان مفاجأة للجمعية. ويرى برو أن هذا القرار “يحمل علّته داخله. لأنه سيمتد على 10 سنوات، وبالتالي فإن القوارير التي تُستبدل اليوم، قد تصبح غير آمنة بعد بضع سنوات، فهل ننتظر قراراً مماثلاً لإستبدالها؟”.
المهلة الطويلة والغموض الكبير يجعلان من مسألة الاستبدال عملية عشوائية، ستصطدم بأعداد كبيرة من القوارير التالفة وغير المستبدلة، لأن التلف يحصل وفق العوامل المناخية والظروف المحيطة بكل قارورة. وعليه، فإن تلف القوارير ليس عملية موحّدة مضبوطة بتوقيت واحد، وإنما عملية فردية لا يمكن حصرها بموعد للإستبدال وموعد للتلف. وفي ظل ذلك، يصبح الحديث عن تأمين السلامة العامة بلا جدوى ما لم تُلحظ آلية الصيانة بالدرجة الأولى. فالصيانة لا وقت لها، وتُحدد وفق حالة كل قارورة على حدة.
وإلى حين إقتناع الوزارات والجهات المعنية بأهمية الصيانة قبل الاستبدال، ستقوم جمعية المستهلك بتقديم طعن في القرار الحالي. وبسبب تعطيل النشاط النيابي والوزاري وانعدام امكانية تبني قرار جديد، تحاول الجمعية تجميد القرار الحالي، إلى حين تبني قرار جديد وفق آلية منظمة وواضحة.