يعتقد سعد شويحنة وهو جالس في مكتبه البسيط فوق مصنعه الذي ينتج الآلاف من شخشيخات الأطفال والزجاجات البلاستيكية كل ساعة أنه إذا كان بوسعك أن تنتجها في تركيا فمن الممكن ان تنتجها في أي مكان آخر.
يقول شويحنة (28 عاما) السوري القادم من مدينة حلب “السوق التركي هو الأصعب” شاكيا من البيروقراطية المتشابكة والمنافسة الشديدة وبيئة العمل التي تعتمد على العلاقات الشخصية لفترات طويلة.
لكن شويحنة استطاع شق طريقه متسلحا بمعرفته باللغة التركية والثقافة المحلية.
وافتتح فرعا لنشاط عائلته في صناعة اللدائن في مدينة غازي عنتاب في جنوب شرق تركيا حيث تشهد المطاعم السورية العديدة واللافتات المنتشرة باللغة العربية في بعض الأحياء على مدى قرب الحدود وعدد سكان المدينة المتزايد من السوريين.
وشركته واحدة من عدد يقارب 2000 شركة أسسها سوريون في تركيا في السنوات الخمسة تقريبا التي انقضت منذ نشبت الحرب الأهلية في وطنهم.
وقد سقط في الحرب ربع مليون قتيل واضطر الملايين للنزوح عن ديارهم وأصبحت تركيا الآن تستضيف 2.2 مليون سوري يمثلون أكبر كتلة من اللاجئين في العالم.
قال شويحنة “نشاطنا هو البلاستيك. لكن الشركات الراسخة هنا لديها الاتصالات والخبرات على المستوى المحلي ولذلك من الصعب على شركة جديدة التعرف على أطراف مؤثرة جديدة أو الحصول على تعاقدات من الشركات الطبية الكبرى على سبيل المثال. كثير منهم لا يردون حتى على الهاتف.”
لكن شويحنة المتزوج وله طفلة رضيعة أضاف أنه لا يرى “فرقا بيني وبين شركة تركية” لأنه يوظف أتراكا وسوريين ويدفع ضرائبه.
قلق بين بعض الأتراك
في نوفمبر تشرين الثاني وعدت أنقرة بالمساعدة في وقف طوفان اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا وذلك مقابل مساعدات قدرها 3.2 مليار دولار واستئناف المحادثات بشأن انضمامها للاتحاد الأوروبي.
وسبق أن أنفقت أنقرة أكثر من 8.5 مليار دولار على توفير الغذاء والمسكن للاجئين السوريين منذ بداية الحرب لكنها لم تطبق حتى الآن سياسة تسمح لهم بالعمل بشكل قانوني.
ويبدي أصحاب الدخل المحدود في تركيا المخاوف التي أبداها مواطنون في دول أخرى من سيل اللاجئين إذ يخشون أن يقبل السوريون بمن فيهم نحو 250 ألفا يعملون الآن بصورة غير قانونية في تركيا أجورا أقل لينتزعوا منهم وظائفهم. لكن البيانات تشير إلى أن السوريين من أمثال شويحنة عامل داعم للاقتصاد التركي.
ويقول اتحاد لغرف التجارة المحلية إن أكثر من 1000 شركة تأسست في تركيا بشريك سوري واحد على الأقل في الأشهر السبعة الأولى من عام 2015 بالمقارنة مع 30 شركة عام 2010 قبل بدء الحرب الأهلية.
ورغم عدم وجود أي تقدير حتى الآن للزيادة في الانتاج من هذه الشركات فإن الاقتصاديين يقولون إنها دعمت التجارة مع سوريا في المناطق التركية التي أثر فيها عدم الاستقرار والعنف في المناطق الحدودية على حركة التجارة عبر الحدود.
وقالت إسراء أوزبينار الباحثة لدى مؤسسة تيباف للأبحاث الاقتصادية “حدثت قفزة كبيرة في أعداد الشركات التي يؤسسها السوريون ربما لأنهم يدركون أخيرا أنهم قد يبقون في تركيا لسنوات عديدة.”
زيادة في الصادرات
في غازي عنتاب ارتفعت مبان جديدة بجوار القلعة التاريخية والسوق القديم في المدينة باستثمارات حديثة وحوافز اقتصادية عرضتها الحكومة الأمر الذي ساهم في تحويلها إلى مركز اقتصادي وأبرز المدن الصناعية في جنوب تركيا.
ويصدر شويحنة إنتاج مصنعه إلى مصر ولبنان ورومانيا وتونس واليمن كما أنه يجري بعض التعاملات في تركيا. كما أنه يبيع منتجاته في سوريا الأمر الذي يسهم في عودة الصادرات التركية إلى سوريا للمستويات التي كانت عليها قبل الحرب.
وكانت الصادرات التركية لسوريا انخفضت في 2011 و2012 لكنها انتعشت بشكل ملحوظ فيما بعد. وأظهرت بيانات معهد الاحصاء التركي أن تركيا صدرت ما قيمته 1.3 مليار دولار من السلع والخدمات لسوريا في الأشهر العشرة الأولى من 2015 بالمقارنة مع أقل من نصف مليار دولار في عام 2012.
وتشير أبحاث مؤسسة تيباف إلى أن العدد المتزايد من الشركات السورية في الأقاليم الحدودية مثل كيليس وماردين وهاتاي ساهم في انتعاش الصادرات.
لكن طبيعة هذا الصادرات تغيرت لتعكس احتياجات اقتصاد في حالة حرب إذ أصبحت المواد الغذائية ومولدات الكهرباء وشاحنات البيك اب تطغي على السيارات ومواد البناء.
ويقول الاقتصادي هارون أوزتركلر من مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية في أنقرة إن هذه الشركات قد تصبح في المدى البعيد في غاية الأهمية للاقتصاد الأوروبي.
وأضاف “أهم مساهمة ستتمثل في شبكة أصحاب هذه الشركات في العالم العربي لأنهم كانوا تجارا في سوريا. وسيصبح إيجاد أسواق جديدة لتركيا العامل الأهم.”
لكن غازي عنتاب تشهد مشاعر عداء من جانب بعض رجال الأعمال الذين يرون في شركات مثل شركة شويحنة خطرا عليهم.
وقالت سيناي كوبر رئيس الاتصالات في اتحاد الغرف التجارية “نحن نعلم أن هناك الكثير من الشركات غير المسجلة وإنها تتسبب في منافسة غير عادلة.”
وأضافت “الميزة أنها (الشركات السورية) تخدم بصفة عامة مواطنيها وتخلق فرص عمل لهم.” وقالت إن جهودا تبذل لإدراج هذه الشركات في النظام الضريبي.
وقال شويحنة إن السلطات تغض الطرف عن العاملين لديه من السوريين حيث أنه يوظف أتراكا أيضا لكنه يود لو كانوا يعملون لديه بشكل قانوني.
وقال سوري آخر يعيش في غازي عنتاب ويدعى أبو طارق إنه وجد مستثمرين لخطته لبدء شركة تنتج ما قيمته مليون دولار سنويا من البرادات (الثلاجات) للمطاعم ومخازن المواد الغذائية والمصانع.
وهو يخطط لإقامة قاعدة شركته في الحي الصناعي الذي أقام شويحنة فيه مصنعه ويعتزم توظيف 14 عاملا وقال إن أغلبيتهم ستكون من السوريين.
ولأنه كان يعمل في هذا النشاط في سوريا فهو يرى فرصة له في السوق التركية.
وقال أبو طارق “هناك خيارات للعمل هنا بالنسبة للسوريين وأنا أدركت أني سأظل هنا لفترة طويلة.”