Site icon IMLebanon

ترليونا دولار خسارة الأسواق العالمية في 3 أيام

China-Stock-collapse
المصائب لا تأتي فرادى، كما يقول الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير، لقد ذابت سوق المال الصينية مثل قطعة ثلج وضعت تحت حرارة الشمس، وسط تدهور قيمة اليوان الصيني وتراكم السحب القاتمة التي تظلل آفاق أسواق المال والسلع العالمية وتهدد بكارثة مال جديدة، لا تقل عن الأزمة المالية في العام 2008.
فالصين وأزمة الأسواق الناشئة وأسعار النفط والانكماش في اقتصادات اليورو، أصبحت ترهب المستثمرين في العام الجديد 2016 وتحاصرهم، وحتى الثقة الاستثمارية في الأسهم الأميركية بدأت تنهار مع تواصل تدهور سوق المال بـ “وول ستريت”.
وحتى الآن، خسرت أسواق المال العالمية في التعاملات التي جرت خلال الثلاثة أيام الأولى من بدء التداول في العام الجديد حوالي ترليوني دولار، وذلك حسب التقديرات الأميركية.
كما ارتفعت درجة المخاطر بحدوث أزمة مالية بحوالي 13 نقطة مع انخفاض النفط من 37 دولاراً إلى فوق 32 دولارا للبرميل في تداولات بورصة لندن للبترول أمس.
والصين دولة مؤثرة في أسواق المال والسلع، حيث يبلغ حجم سوقها 6 ترليونات دولار، وهي بذلك تعد ثاني أكبر سوق عالمية بعد سوق المال الأميركية التي يفوق حجمها 21.5 ترليون دولار.
لقد أطلق اليوان ومحاولات بنك الشعب الصيني “البنك المركزي الصيني” تحرير العملة الصينية أزمة في أسواق المال في العام الجديد، كما أطلقها في العام الماضي.
وفاجأ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) الأسواق مجدداً أمس بأن حدد نقطة المنتصف لسعر الصرف الرسمي لليوان عند 6.5646 مقابل الدولار وهو أدنى مستوى منذ مارس/ آذار 2011.
ويقل هذا السعر 0.5% عن مستواه يوم الأربعاء ويمثل أكبر انخفاض يومي منذ أغسطس /آب حين شهدت الأسواق انخفاضا مفاجئاً لقيمة العملة قارب 2.0%.

استهلاك الاحتياطي

يتوقع خبراء أسواق ألا تواصل الصين خلال الأسابيع المقبلة ضخ مزيد من الدولارات في سوق الصرف الأجنبي بعد أن ضخت 120 مليار دولار يوم الإثنين الماضي، وضخت مثل هذا الرقم أمس.
يذكر أن الاحتياطيات الصينية هبطت بحوالى 512.66 مليار دولار في العام الماضي 2015 مسجلة أكبر انخفاض سنوي على الإطلاق.
وكانت احتياطيات الصين الأكبر من نوعها في العالم، قبل أن تنخفض بواقع 87.2 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 3.44 ترليون دولار مسجلة أدنى مستوياتها منذ فبراير/شباط 2013 وثالث أكبر هبوط شهري على الإطلاق.
وقال مايكل ايفري رئيس بحوث الأسواق في آسيا والمحيط الهادي في “رابوبنك” لرويترز إنه منذ أن حققت بكين الانتصار الدبلوماسي المتمثل في إدراج اليوان ضمن سلة عملات احتياطيات صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني، كانت هنالك توقعات أن يسمح صناع السياسات للعملة بالهبوط للتكيف مع الاقتصاد المتباطئ الذي يشهد انكماشاً في الأسعار.
ويفرض استمرار خفض قيمة اليوان ضغوطاً على دول آسيوية أخرى لخفض قيمة عملاتها، كي تحتفظ بقدرتها التنافسية أمام آلة التصدير الصينية الضخمة. كما يجعل السلع الأساسية المقومة بالدولار أعلى تكلفة على المشترين الصينيين بما قد يقوض الطلب، ومن ثم يدفع أسعار السلع الأولية لمزيد من الهبوط ليستمر الدوران في حقلة مفرغة.

أسباب الأزمة

ما يحدث الآن في الصين، شبيه بما حدث في صيف العام الماضي، حينما انهارت سوق المال وسط محاولة الصين تحرير عملتها اليوان، حيث هرع المستثمرون الكبار في عمليات بيع ضخمة على أمل تسييل موجوداتهم والحفاظ على ثرواتهم بعملة غير العملة الصينية. وهو ما أدى تلقائياً إلى انهيار السوق الصينية.
والآن يحدث نفس الشيء، فالمركزي الصيني خفض قيمة سعر صرف اليوان الذي يتذبذب ضمن هامش 2.0% صعوداً وهبوطاً في نطاق السعر الوسطي الذي حدده المركزي الصيني بـ6.5646 يوان للدولار.

وحسب محللين ماليين يمكن تلخيص أسباب الأزمة الصينية في الأسباب التالية:
– أولاً، محاولة تحرير اليوان الصيني التدريجي واحتمالات نوايا الصين بفك ارتباطه بالدولار بعد أن أصبح ضمن عملات صندوق النقد الدولي. وقد أشارت “العربي الجديد” إلى احتمال أن تطلق عملية تحرير اليوان زلزالاً في الأسواق العالمية.
– أما العامل الثاني، فهو التحول الجاري في الاقتصاد الصيني من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد يعتمد على الخدمات مع تنامي الطبقة الوسطى. ويؤكد ذلك مجموعة المؤشرات السالبة التي ظهرت بنهاية العام حول انخفاض الإنتاج الصناعي والصادرات. وبالتالي عمدت عدة مؤسسات مالية إلى مراجعة معدل النمو الصيني إلى أقل من 6.0% خلال العام الجاري، رغم أن الحكومة الصينية تقول إنها ستحافظ على نسبة نمو بمعدل 6.8%.
– أما العامل الثالث، فهو حملة الحكومة على الفساد المستشري وسط الطبقة الثرية وتحالفاتها مع المسؤولين في الحكومة الصينية، والمتنفذين في الحزب الشيوعي. وهذه الحملة حدت بالكثير من أثرياء الصين على تهريب ثرواتهم والابتعاد عن تملك موجودات كبرى داخل الصين. وهو ما أدى إلى انكماش استثماري داخل الصين.
ويلاحظ أن دورة الفساد المالي وانعدام الشفافية ساهمت في بناء جيل من المليارديرات الصينيين، يعتمد على المضاربات في سوق المال، أكثر من اعتماده على الإنتاج. وهذا الجيل يستفيد في بناء امبراطورياته المالية من الإنفاق الحكومي، وضخها المال في سوق المال أكثر من اعتماده على الإنتاج.
– أما العامل الرابع، فيعود إلى أن أسعار الأسهم الصينية تعتمد على توقعات ضخ الحكومة الصينية لليوانات في السوق، أكثر من اعتمادها على التقييم الحقيقي لثمن الأسهم، إذ إنها لا تزال سوقاً غير ناضجة ولم يكتمل فيها تحرير الأسواق ورأس المال وإنما تعتمد على التخطيط المركزي.
ولكن إلى جانب هذه العوامل، يجب الأخذ في الاعتبار أن ماكينة الإنتاج الضخمة في بناء “الصين الجديدة”، بدأت تفقد دفعها بنهاية عام 2014، كما أن الصادرات الصينية بدأت تقل مقارنة بمستوياتها خلال الأعوام التي تلت الأزمة المالية في عام 2007.

كازينو المال

يطلق خبراء الاستثمار في أميركا على سوق المال الصيني اسم “كازينو المال”، لضعف العلاقة التي تربط سعر الأسهم صعوداً وهبوطاً مع معدل النمو في الاقتصاد الصيني.
ويلاحظ أن خطوات فتح البورصة الصينية أغرت المستثمرين الصينيين، خاصة أفراد الطبقة الوسطى من حديثي العهد، بالاستثمار في السوق بدخول السوق دون المام بآليات الاستثمار.
وأدى هذا العامل إلى عمليات بيع عشوائي وكثيف من صغار المستثمرين بمجرد حدوث هبوط طفيف في الأسواق، وهو عامل رفع من حالات الذعر في السوق.
كما يلاحظ أن تعامل المستثمرين في السوق، لا يزال يتسم بنمط غير رأسمالي ولا يعتمد على المنافسة الحرة. حيث يشوب هذه التعاملات العديد من المحسوبية و”المتاجرة من الداخل” والإحساس أن السوق ستواصل الارتفاع دون الأخذ في الاعتبار حساب الدورات الاقتصادية وعمليات التصحيح القاسية التي تحدث في أسواق المال العالمية، حينما ترتفع الأسعار بسبب المضاربة وليس بعوامل التوسع الإنتاجي في التصنيع والخدمات.
والاقتصاد الصيني، يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي وتزداد أهميته عالمياً ليس فقط بسبب حجمه، ولكن كذلك من قدرته في التأثير على أسعار السلع الرئيسية مثل النفط والغاز الطبيعي والمعادن التي تدخل في الصناعات.