تزايدت التكهنات بأن تشهد الموازنة المصرية المقبلة، خطوات أسرع في خفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود والغذاء، إضافة إلى فرض ضرائب جديدة بينها قانون ضريبة القيمة المضافة.
وكانت الحكومة المصرية، قد اتخذت خطوة كبيرة في يوليو 2014 لخفض الدعم في الموازنة، حين حين زادت أسعار الوقود وبعض السلع الغذائية، لتتراجع فاتورة الدعم السنوي بنحو 6.4 مليار دولار.
وأكدت القاهرة مرارا أنها عازمة على إلغاء دعم الطاقة بالكامل خلال 4 سنوات بواقع 25 بالمئة سنويا، وهو ما نفذته بالفعل في السنة المالية 2014/2015، لكنها توقفت عن استكمال البرنامج في العام المالي الحالي، بسبب انخفاض أسعار الطاقة الذي مكنها من خفض فاتورة الدعم.
ومنذ توقفت مفاوضات الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في عام 2013، تؤكد القاهرة أنها غير مضطرة، بعد أن تلقت مساعدات كبيرة من الإمارات والسعودية والكويت.
لكن الخطاب الحكومي، بدأ يتغير في الأيام الماضية، حيث أعلن وزير التخطيط أشرف العربي، أن إمكانية الاقتراض من صندوق النقد الدولي لاتزال قائمة، وأن كل الأدوات التمويلية متاحة لبحث إمكانية الاستفادة منها.
ولا يبدو أن ذلك الخطاب مجرد تصريحات عابرة، بل جاءت تحت وطأة مؤشرات اقتصادية شديدة السلبية، تؤكد أن مصر ستواجه أزمة تمويلية حادة خلال العام الحالي. ويتضح ذلك في ما أعلنه البنك المركزي خلال الأيام الماضية، عن أن العجز في ميزان المدفوعات بلغ خلال الربع الثالث من العام الماضي نحو 3.7 مليار دولار، وهو ما يرجح أن يصل العجز مع مجمل العام المالي الحالي إلى قرابة 15 مليار دولار.
كما أن وزارة المالية أعلنت أن عجز الموازنة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي الحالي (يوليو – أكتوبر) بلغ نحو 12.5 مليار دولار، وهو ما يعني أنه سيفوق العجز المستهدف، الذي تأمل الحكومة أن لا يتجاوز نسبة 8.9 بالمئة.
وتشير المشاكل التمويلية الحادة المتمثلة في عجز الموازنة وارتفاع عجز ميزان المدفوعات، إلى أن الحكومة ستكون تحت وطأة ضغوط مالية كبيرة، لن تتمكن من تغطيتها عبر القروض المعلنة مؤخرا من البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي.
وسيكون خيار الحكومة ترتيب ملف مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بحدود 8 مليارات دولار، بسبب اتساع الفجوة التمويلية وتراجع موارد العملة الصعبة، وكذلك تراجع الدعم الخليجي لمصر بعد أزمة انهيار أسعار النفط.
ومن المؤكد أن تمتد تأثيرات تلك المؤشرات الاقتصادية إلى حياة المواطن، الذي ينتظر منذ فترة طويلة تخفيف أزماته الاقتصادية الخانقة مع اكتمال خارطة التحول السياسي، بانعقاد البرلمان يوم الأحد المقبل.
ويبدو أن الأزمة التمويلية ستفرض على الحكومة اللجوء إلى صندوق النقد للحصول على قرض، لكن ذلك من المستبعد أن يكون نهاية المطاف. وقد يجد البنك المركزي نفسه مضطرا لرفع سقف الإيداع للأفراد والشركات، لكي يدبروا احتياجاتهم لدفع تكلفة الواردات، بعد أن يعجز البنك عن توفير العملات الأجنبية في ظل تفاقم العجز في ميزان المدفوعات، وتراجع الموارد الدولارية، من السياحة والصادرات وعوائد قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج.
ومن المرجع في ظل أزمة الدولار، والقيود المفروضة على تمويل الواردات، أن تشهد الأسعار ارتفاعات كبيرة، في ظل محاولات الحكومة توفيق أوضاعها من أجل توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ولن تتمكن الحكومة في ظل ذلك، من اتخاذ أي إجراءات لزيادة العاملين بالدولة لتخفيف تأثير موجة التضخم. كما أن إجراءات التقشف الخليجية بسبب تراجع إيراداتها النفطية، يمكن أن تؤدي إلى انخفاض تحويلات المصريين العاملين في تلك الدول، والتي تؤمن احتياجات نحو 5 مليون أسرة مصرية.
وسيؤدي ذلك إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد المصري وقد يدفعه إلى حافة الركود. وويمكن أن تؤدي أجواء التضخم والركود، إلى اعتماد الإدارة الاقتصادية المصرية سياسة انكماشية، وقد اتضح ذلك في قرار البنك المركزي تقييد الواردات ومطالبة المستوردين بتأمين تمويل الواردات بنسبة 100 بالمئة، فيما يخص السلع التجارية، باستثناء الدواء وألبان الأطفال ومستلزمات الإنتاج.
وإذا كانت حالة السياسة الانكماشية ستفرض نفسها على الحكومة المصرية، فإن تصريحات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أبو بكر الجندي تكمل الصورة الأكثر قتامة حول على الأقل في الأجل القصير، حين كشف أن معدل البطالة يبلغ حاليا نحو 12.9 بالمئة فيما بلغ التضخم نحو 12 بالمئة.
وتفتح تصريحات الجندي الباب أمام معضلة اقتصادية خانقة، حيث تتطلب معالجة البطالة سياسة توسعية في الانفاق لرفع معدلات التشغيل، وهو ما تعجز موازنة الدولة عن الوفاء به، نظرا لارتفاع معدلات العجز والدين العام.
وفي الوقت نفسه تتطلب معالجة انفجار التضخم سياسة انكماشية، وهي التي يتبعها البنك المركزي حاليا. وسوف تؤدي شروط صندوق النقد الدولي التي تأتي مع القرض، إلى اتباع الحكومة المصرية المزيد من السياسات الانكماشية، لتقليل معدلات العجز، في حين سيدفع المواطن الثمن في زيادة البطالة وخفض الخدمات العامة.