Site icon IMLebanon

هل تتكيف السعودية مع تراجع أسعار النفط ؟

Saudi-Gas-Station
مارك لوبل

ربما لا تبدو الأحداث التي وقعت في السعودية الأسبوع الماضي مؤشرا على سير الحكومة في طريق التحرر. لكن عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، فإن المملكة الغنية بالنفط بصدد الإصلاح.
لقد أدى تصاعد التوتر بين السعودية وإيران إلى تشتيت الانتباه عما أصبح يمثل بالفعل قصة رائعة، ففي الرياض يبدو أن هناك ثورة هادئة في التوجهات ضد بعض الأساسيات التي هيمنت لفترة طويلة على المجتمع السعودي.
في الميزانية المعلنة في ديسمبر/كانون أول الماضي رأينا لأول مرة الخطوات الأولى في خطة اقتصادية مهمة، ومن المتوقع إعلان بقيتها في يناير/كانون ثاني الجاري. والهدف هو ضمان تحقيق استقرار سياسي فيما تتأهب البلاد للمزيد من التراجع في أسعار النفط العالمية.
ويقول الدكتور محمد الصبان، الاستشاري رفيع المستوى لوزارة البترول السعودية سابقا، متحدثا من الرياض إن هذه الاصلاحات “ضرورة وليست ترفا.”

أوقات عصيبة

ويقول أكاديمي سعودي، يتخذ من الرياض مقرا له، دون الكشف عن هويت، إن ثمة مخاوف بشأن “ما يمكن أن يحدث لو تجاهل الحكام احتياجات الناس الأساسية، ويمكنك فقط إلقاء نظرة على المنطقة من تونس لمصر وليبيا وسوريا.”
ويوافق على ذلك إبراهيم الجردان، مدير تنمية الأعمال بشركة دايم الاستثمارية التي تتخذ من الرياض مقرا لها، قائلا:”النمو الاقتصادي يرتبط بقوة بالاستقرار السياسي والاجتماعي، وخاصة في هذا الجزء من العالم، وفي هذه الأوقات العصيبة.”

وتجنبت السعودية مثل ذلك الغضب السياسي أو التطرف حتى الآن من خلال منح حكومية سخية، وبعدم فرض ضرائب تقريبا، ولكن لديها قطاع عام متضخم وتاريخ من الإهدار والسخاء الحكومي الذي يجب أن تعالجه.
وبينما استخدمت عائدات النفط في الماضي لتسيير آلة الدولة السعودية السخية، فإن عائدات البلاد من البترول تراجعت بنسبة 23 بالمئة في العام الماضي، وهي العائدات ذات الأهمية القصوى في الاقتصاد حيث تمثل 73 بالمئة من إجمالي العائدات.
وتسود مخاوف من أنه مع استبعاد ارتفاع أسعار النفط في المستقبل القريب فإن العقد الاجتماعي الضمني: راحة مادية مقابل حرية سياسية محدودة سيكون معرضا للخطر. وكنتيجة لذلك لابد من إجراء تغييرات طويلة الأمد.

تقليص

وقد أقدم الملك سلمان على خطوة شجاعة، إذ خاطر بعدم إرضاء المواطنين، بقيامه برفع أسعار البترول الرخيص المدعوم 40 بالمئة بين عشية وضحاها، فيما يتم الإعلان عن ميزانية ديسمبر/كانون أول الماضي.

ومن المتوقع المزيد. فهناك خطط لتقليص دعم السلع الأخرى، وتقليص الزيادة في مرتبات القطاع العام والحد من اعتماد البلاد على البترول.
وفي تحول رئيسي. ورغم النمو الاقتصادي الإيجابي، فإن حكام المملكة المحافظين لم يعودوا يعتقدون أن الاحتياطي النقدي الكبير وعائدات النفط التي تتجاوز 150 مليار دولار سنويا تمثل أمرا كافيا للحفاظ على معدل الإنفاق الكبير على التعليم والرعاية الصحية والجيش والخدمات الأمنية، وهي أمور مازالوا ملتزمين بها.
وكنتيجة لذلك، وحتى قبل إعلانات ديسمبر/كانون أول الماضي، تم بالفعل تقليص الإنفاق غير الضروري.
فبرامج النقل في عدد من المدن الصغيرة تم إرجاؤها أو التخلي عنها، فضلا عن خطط بعض المشاريع الترفية مثل استادات كرة قدم. ومن المتوقع المزيد من التقليص على هذا المنوال.

وهناك منطقة أخرى سيتم النظر إليها وهي سوق الطاقة المتجددة.
ومن المتوقع قريبا الإعلان عن خطط للاستثمار في الطاقة الشمسية، وأيضا في الطاقة النووية وطاقة الرياح.
والتحول نحو الطاقة المتجددة يمثل مكسبا لكافة الأطراف، فهو يخلق فرص عمل، ويقلل ما تنفقه الحكومة على دعم استهلاك البترول.
ووفقا لشركة “جدوى للإستثمار” السعودية، فإن دعم الاستهلاك المحلي للبترول يمكن أن يكبد الحكومة 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

لماذا لا يقلص منتجو البترول الإنتاج؟

خلال الثمانينيات من القرن الماضي، قامت المملكة العربية السعودية بتقليص إنتاجها، ولكن المنتجين الآخرين رفضوا ذلك.
والسعودية تتعاون فقط حاليا من خلال نظام مشترك لتقليص الأسعار مع دول من بينها روسيا وإيران، وهي سياسة متبعة منذ عام 2014 وأكدها لي خلال الأسبوع الحالي الدكتور محمد الصبان، المستشار البارز السابق لوزارة البترول السعودية.
وقال الدكتور الصبان: “تواصلت المملكة مع العديد من منتجي النفط الرئيسيين من أوبك وخارجها للتعاون بشأن تقليص الإنتاج لتحقيق استقرار السوق. وردودهم حتى الآن ليست إيجابية.”
وتضر أسعار النفط المنخفضة أيضا باقتصاد أعداء السعودية السياسيين وهم يعتزمون مواصلة الانتاج طالما تسمح حصتهم وقدراتهم على الشحن.
وقالت آن لويز هيتل، رئيسة تحليل سوق النفط في “وود ماكنزي” للاستشارات:” سياستهم السوقية لها منطقها، فليس لديهم ما يربحونه من التقليص.”
وتوقع الدكتور الصبان من كبار المنتجين الآخرين للنفط في النهاية “أن يتعلموا الطريق الصعب ويأتوا للسعودية باحثين عن حل مشترك.”
ولكن مع تحول بلاده لاحتياطياتها النقدية، قال الصبان:”اتمنى لو أنهم جاءوا بحثا عن الحل منذ زمن طويل.”

فرص عمل

وخلال الإعلان عن ميزانية ديسمبر/كانون أول الماضي، أصر وزراء على أن الضريبة على الدخل، التي لم توجد في السعودية من قبل، لن يتم فرضها.
ولكن سيتم فرض ضرائب أخرى، ومن الأرجح أن تشمل ضرائب على “السلع الضارة مثل التبغ، المشروبات الغازية وما شابهها.” وذلك وفقا لبيان الميزانية الذي أصدرته وزارة المالية.

وأشار البيان إلى “خطط لخصخصة مجموعة من القطاعات والأنشطة الاقتصادية.”
وبعض أصول الدولة تدار بالفعل كشركات شبه خاصة لكن شركة ماكنزي للاستشارات حذرت أنه دون المزيد من التغييرات التي تطال البنية الأساسية للاقتصاد فان سيكون هناك “تدهورا اقتصاديا سريعا” خلال السنوات الـ 15 المقبلة.
وذلك بسبب الحاجة الملحة للمزيد من الوظائف لسكان السعودية الذين يتزايد عددهم.
وفي الوقت الراهن، يوجد 10 ملايين أجنبي يعملون بالسعودية، التي يبلغ عدد سكانها 30 مليونا تقريبا.
وفي الشهر الماضي، قال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف إن توظيف العمالة الأجنبية سيكون حاليا “انتقائيا أكثر”. واللوائح المنفذة بالفعل تجعل أسهل للشركات أن تعيين سعوديين عن الأجانب.

ومتحدثا من الرياض، قال لي توم إيشروود، مدير المشاريع رفيع المستوى بماكنزي :” أحد الحلول هو توظيف مزيد من السعوديين في قطاع السياحة، والذي يمثل فرصة للنمو لم تستغل، بتجاوز السياحة الدينية في مكة والمدينة إلى الشواطئ التي لم يتم تطويرها والمواقع المتنوعة في أنحاء البلاد.”

تذمر أم انفجار؟

ولكن هناك من يشكك في أن أي شيء سيتم تغييره بالفعل.
فمجتمع الأعمال يطالب بالإصلاح منذ سنوات ولكن يعوق الدولة طبيعة صناعة القرار القائمة على المؤسسية والإجماع.
وتوقع كريسبن هويز المحلل السياسي، بشركة تينيو للإستشارات “تذمرا أكثر منه انفجارا”، عندما يتم الإعلان عن الخطة الإقتصادية الجديدة.
وأشار إلى المنحة الحكومية السخية لموظفي الدولة في يناير/كانون ثاني 2015 والتي بلغت 30 مليار دولار، احتفاء بالملك الجديد والتي ساهمت في عجز الميزانية العام الماضي.

وبالنسبة له فإن ذلك ” تم ببساطة للحفاظ على الاستقرار المحلي.”
ويعتقد البعض الآخر أن لحظة التغيير قد حانت.
وقال أميت مرواش، رئيس الاستراتيجية والإستثمارات في شركة دايم التي تتخذ من الرياض مقرا لها: “ربما يدفع تراجع أسعار النفط إلى تعجل الإصلاحات الإقتصادية، ولكنها لم تبدأ بسبب تراجع الأسعار، وهناك خطة استراتيجية مستمرة لإصلاح اقتصادي منذ فترة طويلة، ولكن السعوديين يتحركون بوتيرتهم.”
ويعتقد البعض أن التهديد بأن تدفع البطالة الشباب السعودي صغير السن للتطرف سيدفع الرياض إلى إسراع وتيرتها في عملية الإصلاح.
وهناك بالفعل جيل جديد من سياسيين أصغر سنا يقودون الإصلاح، ومن بينهم ابن الملك المفضل، محمد بن سلمان البالغ من العمر 30 عاما.
وووصفته أحد المصادر المقربة والعليمة لي بأنه “صاحب رؤية جادة للغاية” وقال إن البلاد ستشهد قريبا “طريقا مختلفا في إدارة الأعمال” بأهداف صارمة وجداول زمنية لكل مهمة.
ومن هذا المنطلق، فإن تراجع أسعار النفط يتحول ليصبح نعمة أكثر منه نقمة لأنصار التغيير.