كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
غالبا ما سُمع الوزير السابق ميشال اده يردد العبارة تلك، وهو لا يستثني نفسه من اولئك الموارنة الذين يعنيهم، واخصهم زعماءهم قديما وحديثا. لا يحمّلهم بالتأكيد كل الوزر، ولا التسبب وحدهم في الشغور الذي يُسأل عنه الافرقاء الآخرون من غير الموارنة ايضا. لزعماء الطائفة قسط ثقيل عبر خلافاتهم وتهافتهم على الاستحقاق، وهو بين مَن خَبُر الحال بعدما مرت الرئاسة عليه من تحت المنخار ثلاث مرات على الاقل.
ذلك ايضاً حال تعاطيهم مع مبادرة الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجيه. رفضها الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وحار فيها بطريرك الموارنة ماربشارة بطرس الراعي مرة مع الاستحقاق ومرة مع المرشح، ووقف بتحفظ حيالها الرئيس امين الجميل، ولم يعجب الاسم موارنة آخرين مرشحين وغير مرشحين نوابا ونوابا سابقين مستقلين ومنتمين. افضى ذلك كله الى تجميد المبادرة تماما، لئلا يقال نعيها كليا.
على ابواب انقضاء شهرين على اطلاقها، مع السنة الجديدة التي ترشّح الاستحقاق الرئاسي لاجتياز الشغور السنة الثانية على الاقل، تحوط بمبادرة الحريري بضعة معطيات، منها:
1-لا تزال المبادرة بلا بديل حتى الآن ما خلا المضي في الشغور. الا انها فرضت امرا واقعا جديدا هو ان الاستحقاق بات يدور في فلك ثلاثة خيارات معلنة يمثلها ثلاثة مرشحين، اثنان منهم جديان هما عون وجعجع، انضم اليهما فرنجيه، ناهيك بمرشح رابع غير جدي هو النائب هنري حلو توخى ترشيحه تعطيل انتخاب كل من عون وجعجع، بالحؤول دون اكتمال نصاب انعقاد البرلمان.مع دخول فرنجيه المعترك ـ وقد اعلن بنفسه ترشيحه رسميا على انه في مقدم الصفوف لا خلف عون كما ردد سابقاــ اضحى ذا حظوظ مساوية للمرشحين الجديين الاثنين الآخرين، لكنه ايضا يتنكب مثلهما عقبات لا تجعل انتخابه سهلا ومتوقعا كما يتصوّر مؤيدوه.
لعل المفارقة ان الاعتراض على ترشيح فرنجيه كما رفضه، تلتقي عليه قوى في 8 و14 آذار على السواء: عون وحزب الله من جهة وجعجع من اخرى. ليست تلك حال عون وجعجع اللذين يعارض انتخاب كل منهما الفريق المناوىء له
2- لم يعد في وسع الحريري التنصل من مبادرة لم يعلن رسميا حتى الآن على الاقل، بعد انقضاء اكثر من شهر ونصف شهر، تبنيه اياها. ليس في امكانه كذلك دفعها الى الامام من دون مواقفة “حزب الله” الذي يمثل العقبة الرئيسية في ابصارها النور.
الواضح ان الحريري، كما نوابه في تيار المستقبل وكذلك حلفاؤه، يعرفون تماما ان من الصعوبة بمكان التعويل على جلسة يأملون في ان يدعو اليها رئيس المجلس نبيه برّي لا يحضرها حزب الله، او الاعتقاد بأن 86 نائباً تتاح مشاركتهم في الجلسة لا تكون بينهم كتلتا عون والحزب يوفرون النصاب السياسي، لا القانوني، لانتخاب الرئيس.
واقع الامر ان لا رئيس ولا جلسة انتخاب رئيس لا يحضرها حزب الله، بل لا يكون الاتفاق على الرئيس المقبل قد حصل سلفا، قبل الوصول الى ساحة النجمة. تكمن مشكلة الرئيس السابق للحكومة ــــ وقد اختار مرشحا للرئاسة من قوى 8 آذار ــــ في انه امسى امام مرشحين اثنين لا ثالث لهما في هذا الفريق، هما عون وفرنجيه: لا يريد الاول، ولا يسعه انتخاب الثاني.
3- بعدما اوصد “حزب الله” نصف باب انتخاب فرنجيه من جراء احتجاجه على طريقة اخراج ترشيحه في معزل عن مجاراة مطلبه الرئيسي وهو سلة تفاهمات سياسية متكاملة، كما دون الخوض مباشرة معه في السلة وهو المفاوض الاقدر عليها ــــ اضف تمسكه بترشيح عون ـ اغلق النصف الثاني من الباب من خلال موقف النائب محمد رعد الاثنين الفائت، حينما تحدث عن “مفلس” ـ من دون ان يسمي الحريري ــ لا مكان له في السلطة. وهو سبب مباشر للقول ان حزب الله لم يتخل بعد عن موقفه المعارض لعودة الرئيس السابق للحكومة الى السرايا.
لم يكن الموقف المتشدد لرعد إبن ساعته. بل اتى في سياق متدرّج رفع وتيرة اعتراضه على الطريقة التي طُرح فيها ترشيح فرنجيه وما شاع عما تداوله مع الحريري، خصوصاً وان اطلاعه على تقرير مفصل عن مداولات الرجلين في اجتماع باريس، تشرين الثاني الفائت، افصح له عن اهتمام بالغ اولاه الرئيس السابق للحكومة بالشق الاقتصادي في تفاهمه مع مرشحه للرئاسة.
ما ورد في تقرير مداولات الرجلين، قول الحريري لفرنجيه انه في حاجة الى مليار دولار سنويا كي يتمكن من الحكم، وطلبه منه ان يلح على حلفائه في قوى 8 آذار على وجوده على رأس الحكومة، مع طلب آخر من محاوره هو ملاقاته في اجراءات اقتصادية متشددة اخصها رفع الضريبة على القيمة المضافة 5 نقاط دفعة واحدة من 10% الى 15% واصدار قوانين وقرارات ترتبط بشركة سوليدير لاخراجها من ازماتها. ذلك ما عناه ضمنا كلام رعد بحديثه عن “مفلس” يتوسل السلطة لتعويم متاعبه المالية.