مارسيل محمد
خمسة عشر شهراً مرت على تثبيت أساتذة في الجامعة اللبنانية. هذا التثبيت حصل ضمن عملية تحاصص ظُلِم فيها أساتذة كثر، لصالح أساتذة، إما كانوا مسافرين ولا يدرّسون في الجامعة، وإما لم يعلّموا المهلة القانونية التي تخولهم التثبيت، وبعض هؤلاء، تم نقله من إختصاص الى آخر لضمان تثبيته.
الاعتصامات والمؤتمرات الصحافية التي عقدها الاساتذة المستثنون من التفرغ على مدى أكثر من عام، لم تأتِ بنتيجة. حتى ان الدعوى المرفوعة لمجلس شورى الدولة كطعن بعملية التثبيت، لم تسفر عن شيء. فالمجلس، بحسب إحدى الأساتذة المستثنين من التفرغ حنان أخضر، “لم يعطنا أي إجابة، لا سلباً ولا إيجاباً”. وتضيف أخضر لـ “المدن” ان المستثنين من التفرغ كانوا يتوقعون ذلك من المجلس، “لأن من أنجز ملف التثبيت هم رجال السياسة، وهؤلاء لن يدعوا المجلس يقوم بواجبه، مع العلم ان مجلس شورى الدولة يعلم تماماً ان قضيتنا محقة من الناحية القانونية. وامام هذا الضغط السياسي، فضّل المجلس عدم الرد. لكننا ننتظر، على أمل الرد الايجابي”.
برغم وضوح المظلومية وانتشار رائحة الفساد في ملف التفرغ، خاصة وان اصحاب الحقوق اثبتوا استيفاءهم لشروط التثبيت، واثبتوا ايضاً ان هناك اشخاصا لا يستحقون التثبيت، إلا ان ادارة الجامعة اللبنانية لم تتقدم أي خطوة الى الامام في هذا الملف. بل تحاول الإدارة تبرير ما حصل والتستر عليه، حتى وصل الامر، وفق أخضر، الى اعتبار رئيس الجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين، انه “لا يمكن لأستاذ درّس 6 أو 7 سنوات في الجامعة، ان يقول إن لديه حقوقا في هذه الجامعة”، وقد اثار هذا التصريح حفيظة بعض الاساتذة الذين سألوا السيد حسين عن معنى كلامه. هذا الكلام برأي أخضر يعني ان “المسألة أصبحت واضحة، التثبيت بات من حق من لديه واسطة فقط، ولم يعد من حق من لديه النصاب القانوني للتفرغ، كما ان الادارة تريد تفريغ من تراه مناسباً، وفق حاجتها هي، وليس وفق الحاجة الفعلية للجامعة”. وعلى سبيل المثال، يقول السيد حسين انه لا حاجة للتثبيت في كلية العلوم، وانما الجامعة اللبنانية تحتاج إلى أساتذة في كلية الآداب، فهل يعقل نقل استاذ من كلية العلوم الى كلية الآداب؟ الحل برأي السيد حسين هو انتظار المجهول، لكن برأي الاساتذة اصحاب الحقوق، الحل له وجوه كثيرة، وعلى الاقل يمكن للإدارة ملء الشواغر التي تتركها احالة بعض الاساتذة الى التقاعد، الا اذا كانت الادارة لا تعترف بإحالة اساتذة الى التقاعد. وتشير أخضر الى ان “هذا العام من المفترض احالة عدد كبير من الاساتذة الى التقاعد، يمكن لعددهم ان يوازي عدد المستثنين من التفرغ”.
الاسلوب الذي تتبعه ادارة الجامعة، يجري تطبيقه بصورة أخرى على اساتذة المدارس، حيث ظهرت فجأة انواع معينة من الامتحانات الشفهية والخطية التي تؤدي الى “غربلة” الاساتذة المتعاقدين وتوقيف بعضهم عن التعليم، حتى وان كانت لديه الخبرة والكفاءة، وذلك عبر امتحانات لا تقيم وزناً للخبرة والكفاءة. كما ان “المدرّبين” في الجامعة اللبنانية، والذين يعملون في المختبرات، يتعرضون اليوم لهذا النهج الإقصائي، عبر الزامهم بإمتحانات من مناهج دراسية لم يدرسها المدربون منذ سنوات، في حين كان تركيزهم خلال هذه السنوات، على التعليم التطبيقي في المختبرات.
الحل برأي أخضر هو الاستمرار في المطالبة بالحقوق، بالرغم من ان الاساتذة يعرفون جيداً أنّهم في بلد الوساطات والمحسوبيات، وبأنهم أقلية قد لا تستطيع الضغط على السياسيين. لكن من ناحية أخرى، يلجأ بعض الاساتذة المستثنين الى اللحاق بمركب الواسطة لعلّه يدخل الى الملاك. أحد هؤلاء الاساتذة (فضّل عدم الكشف عن إسمه) يقول لـ “المدن” ان المستثنين من التفرغ “ظُلِموا كثيراً، وكانوا يستحقون التثبيت أكثر من غيرهم”، لكن هذا الاستاذ يتساءل “هل نبقى مكتوفي الأيدي؟ القانون لن يعطينا حقنا، ولا مجال دائماً للإنتظار”، وعليه، فضّل هذا الاستاذ اللجوء الى “الواسطة”، وبرأيه “أنا استحق التثبيت، وانا لن آخذ من درب أحد، انا فقط أحاول الحصول على حقي عبر المعارف السياسية. ولو كنت لا أستحق، لما حاولت”.
تناقضات كثيرة يحملها هذا الملف، الا ان خطورته تبقى أبعد من قضية تثبيت استاذ أو عدم تثبيته، لأن سمعة الجامعة اللبنانية باتت على المحك. وبهذا الملف، تدخل الجامعة في آتون القطاعات التي تنخرها الوساطات السياسية من أوسع أبوابها.