سامر الحسيني
يؤشر حجم التراجع في الصادرات الزراعية الذي يتجاوز اقله 30 في المئة بشكل اجمالي حسب توقعات «نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان» الى عقبات حالت دون الوصول الى النتائج المرجوة التي كان يتوخاها القطاع الزراعي من الخط البحري الذي فرض على المصدرين كمعبر إلزامي وقسري على حركة التصدير الزراعية، على اثر اقفال الخط البري عند معبر النصيب الاردني على الحدود السورية – الاردنية الذي كان يستقطب أكثر من 95 في المئة من حجم التصدير الزراعي.
بكثير من المرارة والخسائر المالية يتحدث المصدرون الزراعيون عن تجربة اول سنة من التصدير البحري، لم تحمل اليهم سوى المزيد من التراجع في الصادرات الزراعية والارتفاع في حجم الخسائر المالية وتكدس الانتاج الزراعي.
لا تنحصر أرقام التراجع في الصادرات الزراعية على ما اوردته نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان، إذ تدل سجلات «غرفة التجارة والزراعة في زحلة والبقاع» على انخفاض أعداد شهادات المنشأ والقيم المالية لحجم الصادرات الزراعية الصادرة في العام 2015 أنه يصل ايضا الى 30 في المئة من الانتاج الزراعي قياسا الى العام 2014 .
يشكو العشرات من أصحاب مراكز التوضيب والمشاغل الزراعية في البقاع من نكبات التصدير البحري من خلال الاشارة الى تأخر وصول انتاجاتهم الزراعية الى الاسواق العربية وهذا الامر نتج منه تلف في السلع الزراعية وتراجع في اسعارها.
وحدها البطاطا سلكت طريق العبارات البحرية انما بكلف مرتفعة وغير مسبوقة، الامر الذي ادى الى استنزاف كل ارباح المصدرين والمزارعين، في حين واجهت بقية الاصناف الزراعية من خضار وفاكهة، ما يسميه المصدرون «كارثة الرحلة الطويلة» التي يستغرقها الشحن البحري التي تتراوح مدتها بين 9 و25 يوما وهي فترة زمنية لا يمكن معها صمود هذه السلع، الامر الذي نجم عنه تلف اطنان من الانتاجات الزراعية وبعضها رمي في البحر كطعام للاسماك وفق ما يورد بعض المصدرين والمزارعين، في حين ما قدّر له الوصول «بخير وسليما معافى» من هذه الاصناف الزراعية لم يستطع المنافسة فتم تصريفه باقل الاسعار من اجل التخفيف من حجم الخسائر المالية.
في ايلول من العام 2015 اطلقت مؤسسة «ايدال» آلية الدعم المالي بخصوص التصدير الزراعي البحري بعد ان تم اقراره في الحكومة اللبنانية، الا ان هذا الدعم المالي لم يكن كافيا ولم يتطابق مع واقع كلفة التصدير البحري التي ارتفعت من 3 الى عشرة آلاف دولار لكلّ شحنة زراعية.
يقدر رئيس «نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان» نعيم خليل حجم ارتفاع الكلفة المالية التي تكبدها المصدِّر اللبناني في كل شحنة زراعية بحرية باكثر من 2500 دولار، لا سيما بعد احتساب قيمة استفادة المصدر من رديات دعم التصدير البحري .
من المفارقة ان العقبات التي رافقت عملية التصدير البحري لم تكن محصورة في موضوع الخطوط البحرية ومواقيت وصولها وخطوط سيرها البحرية بين المرافئ اللبنانية او العربية، انما طالت، وكتبت تفاصيلها وفق ما يلاحظ المصّدر الزراعي المهندس جلال جورج التوم في ارضيات المرافئ اللبنانية والعربية وخصوصا الاردنية من جراء ما تكبده المصدر اللبناني من رسوم مالية تتجاوز في قيمها حجم السلع المصدرة.
كلفة الشحن
تصل حمولة كونتينر البطاطا الى 30 طنا ويبلغ سعر الطن الواحد في الحد الادنى 350 دولارا ما يوازي 10500 دولار لكفة الشاحنة في حين تصل هذه الحمولة الى السوق الاردنية بكلفة تتجاوز 20 الف دولار مما يرفع سعر كلفة كيلو البطاطا الى حدود الف ليرة لبنانية في المقابل وكمعدل وسطي جرى التداول في سعر كيلو البطاطا في الاردن بحدود 750 ليرة اي بخسارة 250 ليرة في كل كيلو.
يسرد المهندس جلال التوم عقبات التصدير البحري بدءا من اللحظة الاولى التي يدخل فيها الكونتينر الزراعي الى المرفأ، فيدفع المصدر ما بين ارضية وكهرباء للتبريد 100 دولار عن كل يوم ويمكث الكونتينر ما بين 3 الى 4 ايام.
رحلة الاعباء المالية على التصدير البحري تتفاقم وتتضاعف عند وصول الباخرة الى ميناء العقبة الاردني، هناك حسب التوم يتم تفريغ الباخرة من حمولتها التي يكتب عليها الانتظار للخروج من المرفأ الاردني اكثر من عشرة ايام بحجة اجراء فحوصات وتحاليل وهذا الامر يترتب عليه تكاليف مالية باهظة من جراء كلف الارضية تصل الى حدود 5 آلاف دولار.
تخرج الشاحنة الزراعية باتجاه السوق الاردني وهي مثقلة بكلفتها المالية العالية التي يعجز معها المصدر اللبناني عن المنافسة ويتكبد خسارة مالية في كل كونتينر من البطاطا اللبنانية تتجاوز الفي دولار حسبما يشير التوم الذي يلفت الانتباه الى ان هذه العقبة وايام الانتظار لا تسري على الشاحنات الزراعية التي تعبر الاردن كترانزيت انما تقتصر على الشاحنة التي تتخذ من السوق الاردني وجهة لسيرها.
بين لبنان والأردن
جرت العادة وقبل مشكلة الحدود السورية – الاردينة البرية ان يتوجه المصدر اللبناني بشكل متصاعد الى السوق الاردني، باعتباره السوق العربي الأقرب بعد سوريا. وكانت تتراوح كلفة وصول البراد او الشاحنة الى الاردن عبر معبر «النصيب» البري ما بين 2500 و3000 دولار، ويتم تصريف ما يقارب 25 في المئة من حجم التصدير الزراعي اللبناني في هذا السوق الاردني الذي يصفه المصدر اللبناني بـ «السهل والقريب» عدا عن كونه معبرا اساسيا للدخول الى مختلف الاسواق العربية الاخرى من السعودية والكويتية والعراقية.
هذا الواقع ما بين لبنان والاردن اختلف حاليا بشكل معاكس، الأمر الذي يتطلب وفق ما يؤكد التوم اجراء اتصالات لبنانية رسمية مع الجانب الاردني من اجل حل عقبة التحاليل التي يصر عليها الجانب الاردني وايجاد الصيغة الملائمة التي يجب ان تلحظ تخفيض كلفتها وايام انتظارها.
عقبة التصدير البحري لم تقتصر على حكاية السوق الاردني، ويشير التوم الى منافسة قوية تعرض لها الانتاج اللبناني وخصوصا من الانتاج الباكستاني الذي لاقى رواجا في دول الخليج العربي.
يقدم التوم مثالا على الفوارق في الاسعار، فطن البطاطا الباكستاني يصل الى منطقة جبل علي في دبي بكلفة 250 دولارا، في حين تصل كلفة الطن اللبناني الى 500 دولار.
في الحلول والمقترحات المطلوبة يتفق كل من نعيم خليل وجلال التوم في المطالبة بضرورة تعديل آلية دعم التصدير البحري لتشمل ايضا حركة تصدير الكوتينيرات مما ينعش مزارعي البطاطا في البقاع وعكار لا سيما ان هذا الصنف الزراعي يشكل الرقم الاكبر في حجم الصادرات الزراعية.
في المقابل، يطالب كابي فرج صاحب مؤسسة زراعية ومعمل لتصنيع البطاطا الجاهزة للقلي بان «يشمل دعم التصدير كل انواع الصناعات الزراعية لما لهذا الدعم من انعكاس مباشر على واقع هذه الصناعات ويؤدي الى توسيعها وفتح اسواق تصديرية امام اصنافها المصدرة وفي الوقت نفسه يؤدي الى دعم بشكل غير مباشر لبقية الانتاجات الزراعية عبر تنويع في الحيازات الزراعية».
تفعيل وتطوير آلية الشحن البحري وزيادة فرص المنافسة واستقطاب شركات شحن جديدة من البنود التي يشير اليها رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي كأولوية مطلوبة في الفترة المقبلة من اجل وقف احتكار شركات الشحن وابتزازهم للمصدرين.