يرى جون جنكينز، السفير البريطاني السابق، في عدد من بلدان الشرق الأوسط، ان على الغرب أن يكون ملتزما تجاه دول مثل السعودية، لأن مثل هذه الدول تسعى الى ايجاد حلول للتحديات التي تواجهها.
تعليقا على الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة إثر تنفيذ المملكة العربية السعودية حكم الاعدام بالشيخ نمر النمر، نشر جون جنكينز السفير البريطاني السابق في عدد من دول المنطقة منها المملكة العربية السعودية مقالة في مجلة نيو ستيتسمان شرح فيها هذه التطورات وتطرق إلى العلاقات بين دول المنطقة بشكل عام لاسيما إيران والسعودية ثم عرج على الموقف الذي يجب أن يتخذه الغرب من كل هذه التطورات بشكل عام.
ذكر السفير بادئ ذي بدء أن الشيخ نمر النمر كان شخصية مغمورة لحين إعدامه يوم السبت الماضي ثم اشار إلى أن وسائل إعلامية عديدة طلبت منه التعليق على هذا الحدث، ولكنه لم يفعل.
ويفسر السفير موقفه بالقول إنه ليس من السهل تفسير الأمور بطريقة تبسيطية واتخاذ موقف تأييد أو ادانة دون فهم الواقع المعقد بعض الشيء في المنطقة.
وشرح السفير في مقالته ما يعتقد أنه وضع السعودية حاليًا، وقال إنها تشعر أنها مهددة الآن اكثر من أي وقت مضى عبر تاريخها المعاصر، ولها اسبابها في ذلك، حسب قوله وهي: التحدي الذي يمثله السنة والتوجه السني الجهادي أولاَ، وثانيًا، التحدي الذي تمثله جمهورية إيران الاسلامية. ثالثًا، انهيار اجزاء كبيرة من انظمة الحكم في الشرق الاوسط، ورابعا، انخفاض حاد في اسعار النفط العالمية، ثم خامسًا الاحساس بأن تحالفاتها التاريخية، ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن معها بشكل خاص، بدأت تهتريء.
القاعدة
ويضيف الكاتب بالقول إن هذه التهديدات حقيقية فمنذ عقد تقريبًا، شن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية حملة هجمات داخل المملكة على أمل دفع السنة إلى التمرد.
ولاحظ السفير جنكنز أن السعوديين لم يدركوا ما كانوا يواجهون في البداية غير انهم ما أن فعلوا حتى قادوا حملة لسحق التنظيم، ولكنهم لم يستطيعوا القضاء عليه تمامًا، لأن التنظيم لملم شتاته مرة أخرى في اليمن، وبدأ يخطط لهجمات أخرى، ونجح في كسب الإمام الاميركي أنور العولقي، ثم راح يشن هجمات على اهداف غربية وسعودية. ومؤخرًا وقعت سلسلة هجمات أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها استهدفت اهدافًا شيعية في اغلب الأحيان ثم قوات أمن وجامعا سنيا في قاعدة عسكرية قرب الحدود مع اليمن.
خطر إيران
خطر ايران اقدم ولم تكن ثورة اية الله خميني في عام 1979 ثورة إيرانية أو شيعية فقط، بل كانت إسلامية وشاملة لمساعدة المضطهدين وتحريرهم من القمع، حسب قول الكاتب. ووقعت اضطرابات واسعة كانت طهران وراءها في الكويت وفي البحرين وفي المنطقة الشرقية من السعودية ثم ما لبثت أن ظهرت سلسلة من المجموعات الشيعية في الشرق الأوسط منها منظمة العمل الإسلامي وجبهة الثورة الإسلامية في شرق السعودية والجبهة الاسلامية لتحرير البحرين و”حزب الله” في الحجاز، وأيضا “حزب الله” في لبنان.
وتعرض أمير الكويت الى محاولة اغتيال ثم اختطفت طائرات كويتية وتعرضت سفارتا الولايات المتحدة وفرنسا الى هجمات في الكويت. وفي بيروت، تعرضت السفارة الإميركية وحواجز أميركية وفرنسية إلى هجمات على يد مفجرين انتحاريين.
وما لبثت الامور أن هدأت لفترة ثم وقعت الاضطرابات في البحرين، وأيضًا في الجزء الشرقي من المملكة، ولو بحجم ادنى، في عام 2011، وهو ما أكد للسعوديين بأن الايرانيين، سواء كانوا وراء هذه الاضطرابات أم لا (والأكثر لا) فإنهم يسعون دائمًا إلى استغلال الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في دول الخليج السنية.
وبعدها شعر السعوديون بالخطر (دون داع في الواقع) مع محاولات التقارب بين حكومة محمد مرسي في القاهرة وإيران خلال الاعوام 2012/2013 خوفا من احتمال قيام تحالف بين اكبر بلدين في المنطقة واكثرهما اكتظاظا بالسكان من الشيعة والسنة.
ووجد السعوديون دليلاً آخر على الخطر في دعم إيران لتمرد الحوثيين في اليمن ثم سيطرة عملاء إيرانيين من ذوي النفوذ على اجزاء كبيرة من الدولة العراقية ثم في النهاية تدخل إيران و”حزب الله” الى جانب نظام الأسد في سوريا.
كل هذا أسهم في تحويل الصراع السياسي في الشرق الاوسط إلى صراع طائفي، حسب قول الكاتب نافيًا أن يكون هذا الوضع من نتاج سياسة سعودية حديثة.
وقال الكاتب إن السعودية تعتبر الانقسام الطائفي الداخلي بمثابة مصدر قلق وطني أمني ويظهر ذلك واضحًا في رد فعلها السريع والملحوظ على هجمات على اهداف شيعية داخل المملكة.
ويشير السفير جنكنز إلى أن وجود معارضة شعبية منتشرة وعميقة للشيعة في المنطقة أمر حقيقي وإلى أن من المؤكد أن الشيعة تعرضوا إلى التهميش في العديد من الدول والمجتمعات السنية. ثم ذكر بأن إيران اعلنت انها ستكون حامية هذه المجاميع الشيعية منذ القرن السابع عشر. ويوضح الكاتب أن من المفترض أن تركز هذه الحماية وأن يركز هذا الدفاع على الحقوق الدينية، وليس السياسية، ولكن ما حدث هو أن الثورة الإيرانية أدت إلى تعبئة سياسية وهو ما أدى إلى ظهور الاف الأشكال من النشاط الشيعي العابر للحدود وللدول ويشمل ذلك الافكار التي الهمت الشيخ نمر النمر.
اسعار النفط
ويواجه السعوديون الآن فترة انخفاض في اسعار النفط فيما ترتفع نفقات سياسة التدخل والحملة الخارجية بشكل كبير وتبدو الحاجة ماسة حاليًا لاعادة هيكلة الاقتصاد لخلق أربعة ملايين فرصة عمل جديدة بحلول 2020.
ويعرف السعوديون في الوقت نفسه أن فئة صغيرة، ولكنها مهمة من السنة في المملكة قد تجذبها إغراءات تنظيم “داعش” وقد تعتبره أكثر شرعية، ولكونه المجموعة الوحيدة التي تقف في وجه إيران والشيعة أو الاثنين معًا.
وفوق كل هذا جاء الاتفاق النووي مع إيران الذي اغضب السعودية لانه لم يتمكن من ايجاد حل لنشاطات طهران غير النووية في البحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن.
المهم في كل هذا هو ان هذا النوع من التوتر قد يلقي بظلاله على محادثات السلام بشأن سوريا في فيينا ويحولها إلى قضية ثانوية، علما أن السعوديين تعرضوا إلى ضغوط كي يجلسوا مع الإيرانيين كما إنهم اكدوا على الاستمرار في دعم قوى المعارضة في سوريا، ولم يتراجعوا عن اصرارهم على أن على الرئيس السوري بشار الاسد ان يرحل.
أفكار النمر
وعودة إلى قضية النمر علينا أن نذكر انه دعا إلى تدمير حكام السعودية والبحرين وإلى انفصال شرق المملكة مقترحًا نسخته من الدولة الاسلامية، كما دعا إلى ولاية الفقيه مثل خميني.
وذكّر الكاتب ببدايات الجمهورية الاسلامية في إيران ولاحظ أن رجال الدين الذين ما كانوا ليؤذون ذبابة قبل ذلك، سرعان ما أخذوا يشاركون في قتل الالاف وربما يمثل ما حدث لاية الله شريعتمداري في 1982 افضل انموذج على ذلك إذ اعتقل في ذلك العام واسيئت معاملته بطريقة مهينة. ثم علينا الا ننسى وتيرة الاعدامات في ايران وطريقة تعامل جمهورية ايران الاسلامية مع الانفصاليين وايضا مع المحتجين في عام 1999 و 2009 و 2011.
رسائل
ورأى السفير جنكنز إن قيام السعودية بإعدام 43 سعوديا سنيا ادينوا بالارهاب اإى جانب الشيخ النمر ورفاقه الثلاثة جاء معبرا عن كل هذه الاوضاع المعقدة ثم اعتبر انها رسائل موجهة الى فئات عديدة.
الرسالة الأولى للشعب السعودي نفسه ومفادها: سنطبق الأحكام على كل من يسعى إلى زعزعة الاستقرار في المملكة وتقويض شرعية الحكومة بغض النظر عن طائفته وسنقاوم التوسع الإيراني وتوسع تنظيم داعش بالحزم والصرامة نفسيهما، باسم الشعب السعودي.
الرسالة الثانية، وهي موجهة إلى إيران: على المواطنين السعوديين إظهار الولاء لملكهم لا لزعماء دينيين أجانب أو أي نوع من الفكر الإسلامي العابر للدول، ولن نتسامح مع أي تدخل.
أما الرسالة الموجهة الى بقية العالم فهي: لن ننثني امام العواصف التي تضرب المنطقة وتدور حولها، حتى لو بقينا وحدنا.
يجب أن نفهم
ومع ذلك، وحسب قول الكاتب، فقد يدعو البعض الى إدانة اعدام الشيخ النمر لكونه يعبر عن قسوة الدولة، ولانه جاء مثل فعل ناجم عن مخاوف عديدة من شريحة سكانية كان من الأفضل كسبها عن طريق اتباع سياسة تتحلى بالصبر والمثابرة. ويرى الكاتب أن مثل هذا الموقف سيكون اخلاقيا تمامًا، ولكنه بعيد عن السياسة ثم أكد ان علينا أن نفهم الأوضاع اولاً.
ويضيف: “إن كانت افعال الدول تنطلق من المخاوف التي تواجهها فعلينا أن نفعل شيئا لتبديد هذه المخاوف كجزء من الحل. علينا اولاً ان نثبت بأننا نصر على تطبيق الاتفاق النووي مع إيران بكل حزم وعلى اتخاذ اجراءات اضافية ضد التجارب الصاروخية (على سبيل المثال لا الحصر) ثم ان نظهر دعمنا لرئيس الوزءا العراقي حيدر العبادي ودعمنا لاعادة السنة المهمشين الى المسرح السياسي مع التقليل من نفوذ الميليشيات الشيعية واتخاذ موقف صارم ضد تدخل ايران (الموجود ولكن ربما يكون مبالغا في تصويره) في البحرين وفي اليمن”.
رعاية الاستقرار
وانهى الكاتب تقريره بالقول إن الأمن في منطقة الشرق الاوسط لن يتصحح لوحده فيما يحتاج الاستقرار إلى من يرعاه.
ويضيف الكاتب: “لن يكون الامر سهلا، فايران دولة مهمة وإعادة دمجها ضمن نظام الدول الاقليمية سيكون انجازا عظيما رغم أن اعادة الدمج هذه تعتمد على تصرفاتها هي نفسها”.
ويرى الكاتب أيضا أن الغرب يحتاج الى معرفة اين تقع مصالحه الحقيقية ثم أكد ان لدى الغرب مصالح كبرى مع الدول السنية في الخليج، وأن الأنظمة السياسية في المنطقة ستكون أساسا لاي استقرار سياسي مستقبلي ممكن.
وخلص الكاتب الى القول إن على الغرب أن يكون ملتزما تجاه دول مثل السعودية لان مثل هذه الدول تسعى الى ايجاد حلول للتحديات التي تواجهها.
واكد الكاتب أن على الغرب ألا يقف مكتوف الذراعين والا ينطلق من فكرة أن الأمور كلها في حالة فوضى هناك في جميع الاحوال وأن الوضع ناجم عن اخطاء من في المنطقة في النهاية ثم أن ينتهي الى انتقاد النتائج والعواقب.