لا شيء يكسر القاعدة. الشتاء الذي كان يتباهى به المقيمون في لبنان صار عبئا ثقيلا. كل شتوة مهما بلغ معدّلها، وكل رياح مهما بلغت سرعتها، وكل انخفاض في درجات الحرارة… سيتسبب بازمة: عائلات بلا تدفئة، ومزارعون بلا تعويضات، طرقات مغمورة بالمياه، زحمة سير خانقة واضرار مادية فادحة… هكذا هو الشتاء في لبنان
هديل فرفور
«لا عواصف ثلجية قريباً حسب المعطيات العلمية»، تقول مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، نافيةً الأخبار «المُضخّمة» حول المُنخفض القادم الى لبنان. وتؤكّد مصلحة الأرصاد الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي أن الأمطار «المُرتقبة» لا ترتقي الى مستوى العاصفة.
الجهتان المعنيتان بالطقس «طمأنتا» المواطنين أن لا داعي للهلع، وأن المنخفض الجوي الآتي من إيطاليا عبر اليونان رطب ومعتدل الحرارة، وهو «منخفض اعتيادي يشهده لبنان دائماً».
إلا أن «الهلع»، الذي يُصيب المقيمين في لبنان عند الحديث عن حالة الطقس، سببه انعدام الثقة بـ«الدولة»، التي يُعرّيها طقسٌ ماطر أو حار. فالمشهد المذلّ نفسه يتكرر عند كل «شتوة»، تطوف الطرقات بالمياه والمجارير وتنقطع الكهرباء والاتصالات وتُعزل قرى بأكملها لعدم وجود الجرافات الكافية وتتضرر المزروعات من دون أي تعويض للمزارعين الفقراء… بمعنى ما، تنتهز مؤسسات الدولة كل ما يتيحه الطقس وغيره لإثبات عجزها.
أمس، وككل عام، كشفت الأمطار، مرة جديدة، رداءة البنى التحتية. «طاف» مدخل «المدينة الجامعية» في الحدث (الجامعة اللبنانية)، كما بقية شوارع المدن وضواحيها، ولا سيما في طرابلس، حيث جرفت الأمطار الردم والوحول على طريق أبي سمراء – القبة لجهة جسر القلعة، وأدت الى انقطاع هذا الطريق… علق الناس بزحمة السير أو علقوا في المناطق الجبلية. في عكار، المنطقة المنسية، أغرقت الأمطار القسم الأكبر من طرقات المنطقة التي تحوّلت الى بحيرات فاضت عليها أقنية تصريف المياه.
وناشد الأهالي وزارة الأشغال العامة بالعمل على إعادة تعزيل أقنية تصريف المياه. الأسبوع الفائت، بقيت منطقة جبل أكروم العكارية 5 أيام «مُحاصرة» بالثلوج، وعزلت عزلاً كاملاً وبقيت من دون كهرباء، وهو أمر لا يستطيع أحد من المعنيين الوعد بعدم تكراره نتيجة غياب سياسة التعامل مع «الكوارث». في مثل هذا اليوم من السنة الفائتة، شهد لبنان عاصفة ثلجية حاصرت الكثير من القرى البقاعية، حينها، استغرق وصول جرافات وزارة الأشغال إلى بلدة عين عطا البقاعية أكثر من يومين، (http://www.al-akhbar.com/node/223472)، أمّا الجرافات التي وصلت فقد «عجزت عن القيام بالمهمات المطلوبة، لأنها لم تكن مجهّزة!»، وفق ما أكد رئيس البلدية حينها. كذلك، أدّت الرياح أمس الى اقتلاع العديد من الأشجار والخيم الزراعية في عكار وبنت جبيل وتوقف مرفأ صيدا عن العمل بسبب الأمواج وغرق طفلان سوريان هما أحمد حسين جابري (مواليد 2005) وحسين شاوي الشاوي (مواليد 2006) في مجرى نهر الغزيل، وعمد عدد من الشبان في منطقة الزهراني الى قطع الطريق الساحلية احتجاجاً على انقطاع الكهرباء منذ أسبوع بسبب أحوال الطقس.
منذ أيام، تحاول «الأخبار» التواصل مع المعنيين في وزارة الأشغال للاستفسار عن الاستعدادات التي قامت بها تحضيراً لأي عواصف مرتقبة، إلا أن دائرة «الإدارة المشتركة» في الوزارة لم تتجاوب.
وفيما يعاني البلد من «الهشاشة» في البنى التحتية، يُترك النازحون السوريون يُصارعون الأمطار والرياح التي تعصف بخيمهم. إذ تسرّبت المياه، أمس، الى داخل العديد من خيم اللاجئين التي «شلّعتها» الرياح.
وناشدت العائلات السورية المتضررة المفوّضية العليا للاجئين والمنظّمات الدولية الشريكة معها التدخل والإسراع في تأمين مآوٍ بديلة للعائلات. وبحسب المفوّضية، هناك 1900 مخيم عشوائي في لبنان يقطنها 175300 لاجئ. تقول المتحدّثة باسم المفوّضية دانا سليمان لـ«الأخبار»، إن جوانب الضعف لدى النازحين السوريين قد زادت 100% في بعض المناطق اللبنانية، مشيرة الى أن هذا الأمر دفع المفوّضية الى مُضاعفة عدد الأشخاص الذين يتلقون مساعدات نقدية لفصل الشتاء في لبنان هذا العام. إلا أن هذا الكلام يتناقض وما تُقرّه المفوضية من خفض تقديماتها بسبب ضعف التمويل وفصل الكثير من العائلات عن لائحة المساعدات، وخصوصاً في البقاع.