IMLebanon

النفط … وجه آخر للعلاقات المتأزمة بين السعودية وإيران

SaudiOil2
أندرياس روستيك

ليست الإعدامات الجماعية وحدها خلف العلاقات المتأزمة بين السعودية وإيران. فهناك أيضا ورقة “تراجع سعر النفط” الذي يعتبره البعض ورقة ضاغطة، في حين يتوخى منه آخرون فرصة إنعاش الاقتصاد.

أكثر من ثمانين في المائة من إيرادات المملكة العربية السعودية مصدرها من عائدات النفط، وبما أن أسعار النفط في تراجع مستمر منذ منتصف عام 2014، حيث نزل سعره بنسبة أكثر من 60 في المائة، فإن هذا الهبوط الحاد يؤثر سلبا على موازنة المملكة. وقد يكون عجز الموازنة في العام الماضي بمستوى 90 مليار يورو، حسب توقعات وزارة المالية في الرياض.
وليست هذه هي السنة الأولى التي تعرف فيها السعودية عجزا في موازنتها، كما إنها لن تكون السنة الأخيرة. ويحذر صندوق النقد الدولي من تفاقم هذا الوضع واستمراره، وفي حالة عدم اتخاذ العربية السعودية تدابير ضرورية لتجاوز هذه الأزمة فقد يستنفد احتياطها في غضون الخمس سنوات المقبلة. وأكدت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، أكثر من مرة على أن تراجع أسعار النفط يجعل فرض القيام بإصلاحات عاجلة أمرا مطلوبا، حيث “يجب الآن تحريك عجلة النمو ودعمه من خلال القطاع الخاص، عوض الاعتماد على القطاع الحكومي”.

الإنفاق الحكومي وضرورة ترشيده

قد تكون حصة الإنفاق الحكومي في العام الماضي قد فاقت مستوى 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وفقا لحسابات صندوق النقد الدولي، أما في عام 2014 فقد وصلت إلى 40.8في المائة. هذه الزيادة في حصة الإنفاق الحكومي تعودبالأساس إلى الانخفاض الحاد في مستوى سعر النفط وارتفاع نفقات الحكومة السعودية.

بالإضافة إلى ذلك هناك عناصر عديدة تثقل كاهل الخزينة السعودية، فنحو 10 في المائة من السعوديين يعملون كموظفين حكوميين ورواتبهم مرتفعة جدا. ولضمان الاستقرار في البلاد تقوم الحكومة بدعم الماء والكهرباء والبنزين، ويكلف هذا الدعم الدولة ثمن الناتج المحلي الإجمالي تقريبا، لذلك يدعو صندوق النقد الدولي إلى تخفيض تلك الإعانات الحكومية.

وبالفعل قررت حكومة الرياض، بضعة أيام قبل الإعدامات الجماعية مطلع هذا العام، القيام بإصلاحات جذرية، ومن بينها رفع سعر بعض أنواع البنزين إلى أكثر من 50 في المائة بالإضافة إلى احتمال البدء في العمل بضريبة القيمة المضافة التي لازالت قيد المناقشة.

تأثر الشركات الألمانية بالأزمة في السعودية

الشركات الأجنبية، التي استفادت حتى الآن من النمو الاقتصادي المتطور في العربية السعودية، حيث حصلت على مشاريع ضخمة، لم تسلم هي الأخرى من تبعات انخفاض أسعار النفط. فمشروع ميترو الأنفاق الذي كان من المقرر إنجازه في مدينة الرياض والذي تبلغ تكلفته 18 مليار يورو وتشارك في إنجازه الشركة الألمانية “هيرن كنيشت” تأثر بشدة من ذلك العجز في الموازنة. وحسب تقارير إعلامية لم تحصل بعض الشركات الأجنبية على تسديدات مالية لخدماتها منذ ستة أشهر. وفي إطار سياسة التقشف الجديدة التي تنهجها السعودية فإن المسؤولين يودون إعادة النظر في بعض المشاريع والتفاوض بشأنها.

بالمقارنة مع دول أخرى فإن الاقتصاد الألماني ليس حاضرا بقوة في السعودية كما يقول يورغ كريمر، رئيس الخبراء الاقتصاديين في مصرف كوميرتس بنك، في تصريح لصحيفة فرانكفورته آلغيماينه تسايتونغ، حيث “تبلغ قيمة الصادرات الألمانية إلى المملكة العربية السعودية نسبة 0.8 في المائة فقط”. ,كان حجم الصادرات الألمانية إلى السعودية عام 2014 بمستوى 9 مليارات يورو.

أسعار النفط كسلاح للضغط

وبالنظر إلى هذا الوضع وحتى يمكن تفادي عجز الموازنة يعتبر صندوق النقد الدولي أن السعودية في حاجة إلى سعر 82 دولار لبرميل النفط ، كي يمكنها إخراج البلاد من الأزمة التي تتخبط فيها. حاليا يبلغ سعر برميل النفط 40 دولارا فقط.

من جانبه يرى باتريك آرتي، من بنك “ناتيكسيس” أن حكام السعودية مسؤولون بالأساس عن هذا الوضع المتأزم لأن “المملكة العربية السعودية ترى في سعر النفط سلاحا للضغط”. فالسعودية تنظر لإيران كعدو وتخوض معها صراعا محموما منذ عقود،من أجلهيمنة إقليمية. فبعد انتهاء العقوبات ضد طهران ازدادت حدة الصراع بين السعودية وإيران وانتقل إلى طاولات المفاوضات في الأوبك.

احتدام الصراع في الأوبك

منذ فترة طويلة والسعودية ترفض بشدة تقليص حصص إنتاج النفط، رغم التراجع الحاد والمستمر في أسعار النفط، وهي تسعى بذلك إلى الحد من منافسة المنتجين في الولايات المتحدة الأمريكية، والذين يعتمدون على تكنولوجيا “التصديع المائي” لإنتاج النفط وهي طريقة مكلفة جدا. سياسة السعودية هذه لم تلق أكلها بعد لأن تراجع أسعار النفط ألقت بظلالها على كل الدول المنتجة للنفط، وبالتالي لم يلق طلب إيران للأوبيك بتقليص حصص النفط ترحيبا كبيرا.

في المقابل تسعى إيران، من خلفية رفع العقوبات عنها، استرجاع مكانتها داخل الأوبك، فقد كانت حصة إيران من إنتاج النفط قبل بداية العقوبات بمستوى 4 ملايين برميل تقريبا في اليوم. وسيشكل إنتاج 800 ألف برميل إضافي الآن بالفعل مكسبا كبيرا للخزينة الإيرانية. فتخفيض حصص الإنتاج أو الزيادة في مستوى الإنتاج ستجعلان سعر النفط يهوى إلى مستوى أضعف مما هو عليه الآن. والسعودية، كأكبر قوة اقتصادية في الأوبيك، لا تود حاليا الرضوخ لمطالب إيران أوتقليص حصص إنتاج النفط،، غير أن التراجع المستمر في أسعاره وتدهور خزينة الدولة والعجز الحاصل في موازنتها قد يدفع بالرياض للعدول عن ذلك.