فيليب ستيفنز
رد فعل الولايات المتحدة وصناع السياسة الأوروبية إزاء المواجهة الأخيرة بين السعودية وإيران، كان منهكاً بشكل واضح. المواقف اقترنت بالنقد المخفف إلى حد الهمس، على قدم المساواة إزاء الاعتداء على السفارة السعودية في طهران أو أحكام الإعدام. هذا ليس مفاجأة. المفارقة المعروفة وغير المعلنة للسياسة الغربية هو أنها تصف السعودية بالحليف القوي، ولكنها تريد أن تستثمر آمالها في المستقبل في إيران.
قبل فترة استمعت إلى حديث دبلوماسي إسرائيلي مخضرم حول الآفاق الاستراتيجية للمنطقة الأكثر اضطرابا في العالم. مهما كان ما رأي المرء في حكومة بنيامين نتنياهو (وبالنسبة لي أنا أرى أنها حكومة سيئة)، يفكر الإسرائيليون بشكل أكثر وضوحا من كثير من الناس حول الديناميات الجيوسياسية للشرق الأوسط.
قال هذا الشخص إننا حين نأخذ نظرة على المدى الطويل، فإن طهران تنطوي على إمكانية أن تكون حليفا طبيعيا لإسرائيل، لكن على المدى القصير فإن ما يمليه المنطق هو أن تعمل إسرائيل على إحباط مساعي إيران الرامية إلى الهيمنة الإقليمية. وكان بإمكانه أن يضيف أنه بالنسبة للرياض فإن الوقوف في وجه طموحات إيران يأخذ نفس أهمية جهود الفلسطينيين لإقامة دولة فلسطينية.
قال هذا الدبلوماسي إنه إذا استبعدنا الملالي فإن إيران تتمتع بطبقة متوسطة ومزدهرة تميل إلى الغرب.
المستقبل يكمن في بلد آخر. واصل الدبلوماسي قوله إن ما يهم الآن هو التهديد الإيراني. لقد انخدعت الولايات المتحدة وبقية المجتمع الدولي بالتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران التي عرضت في أحسن الأحوال وقفة مؤقتة في برنامجها النووي.
في كل مكان تنظر إليه، كانت طهران قوة مزعزعة للاستقرار – فهي راعية حزب الله في لبنان، وداعمة حركة حماس في غزة، وتدعم بشار الأسد في سورية، وتدعم المتمردين الحوثيين في اليمن. قيادتها تحدت حتى وجود إسرائيل نفسه. مع ذلك يتم رفع العقوبات. لا تستطيع إسرائيل الانتظار إلى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه للإصلاحيين اليد العليا في إيران.
هذا التوتر بين الوقت الحاضر والمستقبل واضح أيضا في الولايات المتحدة وأوروبا، فالاعتماد على نفط الشرق الأوسط آخذ في التراجع، لأن النفط الصخري الأمريكي قد لعب دوراً كبيراً في ذلك التخفيف. الرأي العام الغربي، الذي اهتز بسبب الهجمات الإرهابية، أصبح أقل تسامحا إزاء التطرف العنيف لـ”داعش”، التي تطلق على نفسها زوراً وبهتاناً اسم “الدولة الإسلامية”.
الحقيقة الماثلة هي أن السعودية تُعتبَر حليفا وثيقا للغرب – وهي زعيمة تحالف إقليمي واسع، وتعتبر لاعباً محوريا في أي خطة لإنهاء الحرب الأهلية في سورية، ومتعاون استخباراتي حيوي في مكافحة الإرهاب.
ثم علينا ألا ننسى صادرات الأسلحة المربحة. مستوى الإنفاق العسكري في الخليج هو الآن فوق 55 مليار دولار سنويا. على سبيل المقارنة أجل المقارنة، لا تقوم إيران بإنفاق نحو 10 مليارات دولار سنويا.
مع ذلك، إذا عجز الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في الصيف الماضي مع طهران عن تحقيق الصفقة الكبرى التي كان يأمل بها البعض في الولايات المتحدة وأوروبا، فإنه أعطى البعض على الأقل، أملا أعمق في أنه مع مرور الوقت يمكن استدراج وإقناع إيران مرة أخرى بالعودة إلى المجتمع الدولي.
غالبا ما تسمع صناع القرار وهم يقولون إن إيران لديها القدرة على إعادة اختراع نفسها بطريقة من المستحيل تخيل حدوثها في الشرق الأوسط. الاتفاق النووي نفسه كان بمثابة انتصار للمعتدلين بقيادة الرئيس حسن روحاني. هناك فجوة واضحة بين الخطاب الناري من الملالي وبين البرجماتية من حكومة روحاني. صحيح أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، ولكن معظم الإيرانيين يحبون أمريكا، أو أن هذا هو على الأقل ما يتصوره الغرب.
بطبيعة الحال هذا الكلام عن الخلاص الإيراني يخلط بين الآمال والتوقعات. لا يهم. مسار العلاقات الدولية غالبا ما تحدده الافتراضات الأساسية التي تقيمها الدول بعضها حول بعض. مع الأسف، فإن العالم لا يزال يدفع ثمن خطاب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عن محور الشر.
يرى البعض أن الهجوم على السفارة السعودية هذا الأسبوع هو دليل على أنه لم يتغير شيء يذكر في طهران.
توضيح المفارقة، بالطبع، لا يوفر خريطة طريق لصناع السياسة. الحقيقة هي أنه لا توجد طريقة سهلة لطمأنة دول الخليج، وفي الوقت نفسه تقديم حوافز لإيران لإعادة الانضمام إلى المجتمع المسؤول من الأمم، لكن من الذي قال إن الشرق الأوسط هو سهل أصلا؟
هناك بضعة أشياء واضحة إلى حد معقول. أحدها هو أن الغرب له مصلحة أكثر إلحاحا في التوصل إلى تسوية سياسية في سورية. ويمكن أن يضغط فقط للتوفيق بين السعودية وإيران إذا ما توصلت واشنطن إلى التسوية الخاصة بها مع موسكو.
والشيء الثاني هو أنه إذا كانت كل من حرب العراق وحرب أفغانستان قد رسمت على الأرض حدود القوة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فإن المشاركة الأمريكية النشطة في المنطقة، لا تزال تعتبر عنصرا لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار في ظل الاضطربات العاصفة فيها.