Site icon IMLebanon

فراغ المؤسسات يتمدد إلى تفريغ القطاعات الاقتصادية والمالية من فرص التحسن والنمو

عدنان الحاج

مع دخول العام 2016، في ظل فراغ المؤسسات وعدم وجود مؤشرات ايجابية في تغيير التطورات والمؤشرات الاقتصادية، تزداد التوقعات بعدم حصول بوادر ايجابية، تحسن النتائج خلال المرحلة الأولى من السنة، على الرغم من توقعات نمو الودائع المصرفية بحوالي الخمسة في المئة، حسب مصرف لبنان، وهي تقديرات يفترض أن تكون قريبة من نتائج العام 2015، التي لم تصل إلى معدلات الخمسة في المئة حسب النتائج المحققة حتى الآن .
غير ان واقع القطاعات الاقتصادية والمالية خلال العام 2015 لن يتغير كثيرا، خلال العام 2016، لاعتبارات كثيرة، أولها تطورات المنطقة الامنية والسياسية المحيطة، التي تلقي بثقلها على الاقتصاد اللبناني، الذي شهد بعض التراجع خلال العام الماضي وبمعدلات متفاوتة بين القطاعات المختلفة. فالمبدأ الأساسي في لبنان بدأ يظهر من خلال انه لا استثمار من دون استقرار، مع العلم أن الوضع في لبنان مازال افضل من الدول المحيطة، من سوريا إلى الدول النفطية، التي شهدت تراجعات في اسعار النفط ستصيب، ولاشك، الاستثمار في لبنان بشكل أكبر من العام 2015. ولكن تراجع اسعار النفط، الذي حمل ايجابية تراجع عجز مؤسسة كهرباء لبنان، بما يقارب 1500 مليار ليرة، أي تقليص العجز بحوالي 50 في المئة عن العام الماضي، يمكن ان يقلص عجز ميزان المدفوعات، الذي ما زال ينمو بمعدلات ملحوظة، على الرغم من تراجع عجز الميزان التجاري. هذا الواقع يؤشرإلى وجود أكثر من مؤشر اساسي يتعلق بالوضع المالي العام والاقتصادي، على الرغم من احتفاظ القطاع المصرفي بمعدلات نمو مقبولة في ظل ظروف اقتصادية مشابهة.

تراجعات بالجملة للقطاعات
في التفصيل، أن عناصر النمو الاقتصادي في لبنان، التي حققت تراجعاً، ولم تبلغ الواحد في المئة خلال العام الماضي، مستمرة في التأثر بتطورات المنطقة، وهي لاتبشر بالتحسن خلال العام 2016، استنادا إلى نتائج العام 2015، في العناصر الرئيسية على الأقل .
1ـ بداية لابد من الانطلاق من حركة الاستثمارات والرساميل الوافدة، التي تراجعت بشكل ملحوظ خلال العام 2015. فقد بلغت حركة الرساميل الوافدة حتى الشهر ماقبل الأخير من السنة حوالي 10 مليارات دولار، مقابل حوالي 13.8 مليار دولار للفترة ذاتها من العام 2014، أي بتراجع حوالي 3.8 مليارات دولار وما نسبته حوالي 27.3 في المئة، وهي تعتبر من التراجعات القياسية في خلال سنة واحدة، مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة على الأقل. وهذا ينسحب ضمنا على تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، التي تقلصت تحويلاتهم حوالي المليار دولار في سنة. وتراجع الاستثمارات يعني تراجع حركة المشاريع الجديدة، التي تنعكس تراجعاً في خلق فرص العمل، ونمواً في البطالة التي زادت خلال العام الماضي حوالي 10 إلى 11 في المئة، لتقارب نسبتها 28 في المئة وهي معدلات مرتفعة.
2ـ النقطة الثانية التي تؤشر على تراجع الحركة المالية والنشاطات، تتعلق بعجز ميزان المدفوعات، الذي سجل أكثر من 3 مليارات دولار خلال العام 2015، مقارنة مع حوالي 1.2 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الذي سبقه، إي بتراجع يفوق الـ55 في المئة. وهذا مؤشر على حركة المال الخارج من البلاد، مقارنة مع حجم المال الداخل إلى البلاد، خلال الفترة ذاتها من العام الذي سبقه، وهو لم يكن عاماً جيداً من حيث النتائج. هذا مع العلم ان عجز الميزان التجاري خلال العام 2015 تراجع، مقارنة مع العام 2014، حوالي 16.8 في المئة، من 14.6 مليار دولار إلى حوالي 12.1 مليار دولار (الشهر ما قبل الاخير من العام 2015). ومع ذلك يلاحظ هذا العجز الكبير في ميزان المدفوعات.
3ـ النقطة الأبرز تتعلق ايضاً بتراجع الصادرات اللبنانية حوالي 10.7 في المئة، بما قيمته حوالي 300 مليون دولار، وهذا مؤشر له علاقة بالقطاعات الصناعية والزراعية، وله ايضاً علاقة بإنعكاس اقفال المعابر وتأثر حركة الصادرات البرية عبر سوريا. وعلى الرغم من تنشيط التصدير البحري، فقد بلغت الصادرات اللبنانية حوالي 2.4 مليار دولار، مقابل 2.7 ملياردولار للفترة ذاتها من العام 2014. اما المستوردات اللبنانية من الخارج فهي تراجعت بدورها 15.8 في المئة، من 17.4 مليار دولار إلى حوالي 14.6 مليار دولار، أي بما يوازي 2.5 مليار دولار. وعلى الرغم من ذلك بقي عجز ميزان المدفوعات ينمو بشكل كبير مما يؤشر إلى تردي النشاط .
4ـ الموضوع الأساسي يتعلق بالنشاط المصرفي، الذي تراجعت موجوداته حوالي 0.3 في المئة، في حين تراجع نمو الودائع من 6.5 مليارات دولار إلى حوالي 5.3 مليارات دولار في العام 2015، مقارنة بالعام 2014، وطبيعي أن ينعكس ذلك على حركة التسليفات للقطاعات الاقتصادية، وحتى القروض السكنية والفردية، التي تراجعت من 3.1 مليارات دولار في العام 2014 إلى حوالي 2.3 مليار في العام الماضي، بما نسبته حوالي 26 في المئة تقريباً، بمعنى آخر ان الاقبال على التسليف بات قليلاً بالنسبة للمشاريع الجديدة وحتى للمشاريع القائمة.
5 ـ بالنسبة لحركة التجارة، فأن حركة المرفأ تراجعت من حيث عدد السفن حوالي 9 في المئة، على الرغم من تراجع حركة البضائع الواردة من المرفأ حوالي 0.7 في المئة. مع تسجيل زيادة في عدد المسافرين عبر مطار بيروت بحوالي 10.2 في المئة.

6 ـ نقطة أخرى يفترض التوقف عندها تتعلق بالمالية العامة، حيث واصل الدين العام نموه، وسجلت خدمته زيادة بحوالي 6.2 في المئة، ليصل الى حوالي 69.1 مليار دولار، على الرغم من تراجع النفقات حوالي 3 في المئة خلال العام 2015، وتراجع الايرادات حوالي 8.6. ويعني تراجع الايرادات عجز المؤسسات الاقتصادية على القيام بمتوجباتها، أما نتيجة تراجع نشاطها، أو تأثر القطاعات لاسباب اقتصادية ومالية، تتعلق بنشاط هذه المؤسسات خلال العام المنصرم، نتيجة الانعكاسات الموضوعية لتطورات تراجع القدرات الاقتصادية والنشاط التجاري وتأثر المداخيل.
7ـ لابد من التوقف أمام موضوع القطاع العقاري، الذي تراجعت مبيعاته حوالي المليار دولار في العام 2015، وهو كان القطاع الذي يحقق تحسناً خلال السنوات الماضية، وهو يؤشر اليوم الى تراجع العمليات العقارية حوالي 11.7 في المئة، وكذلك تراجع رخص البناء حوالي 10.5 في المئة. وهذا القطاع يقوم حالياً على عمليات بيع المساكن الصغيرة والمتوسطة، وهي عمليات تعتمد على القروض السكنية التي تقدمها المصارف للشقق الصغيرة والمتوسطة، والتي يستفيد منها عنصر الشباب. كما تكشف العمليات العقارية غياب عناصر تحسن مبيعات الشقق الكبيرة والمتوسطة، التي تقوم في أكثرها على حركة السياحة الخليجية، التي ضربت خلال المواسم الأخيرة بشكل كبير، نتيجة تطورات المنطقة من جهة، وتطورات الأزمات في المحيط من سوريا وصولاً الى العديد من دول المنطقة.
في الخلاصة أن كل القطاعات، التي تقوم على النشاط والحركة العربية، والتي تتطلب استقرارا، ضربت كلياً او جزئيا، نتيجة تراجع النشاط السياحي وتراجع اسعار النفط، التي انعكست على حجم الاستثمارات العربية والخارجية، وتراجع التحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج، التي كانت ولا تزال تشكل المصدر الاساسي للكثير من العائلات اللبنانية، التي تستند إلى هذه التحويلات، التي بدأت تتأثر تدريجياً نتيجة تراجع اسعار النفط. في المقابل لم تستفد الدولة اللبنانية تنموياً، من تراجع قيمة الفاتورة النفطية التي خفضت عجز كهرباء لبنان بأكثر من 1450 إلى 1500 مليار ليرة. كما لم يستفد المواطن من تحسين تغذية الكهرباء حيث ينمو التقنين في الكثير من المناطق، نتيجة الاحوال الطبيعية والاعطال في معامل الانتاج .