تدل المؤشرات الرئاسية على أمرين متلازمين: الأول هو استمرار الرئيس سعد الحريري في خياره بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ملتزما الاتفاق الذي أبرم بينهما في باريس وفحواه فرنجية لرئاسة الجمهورية والحريري لرئاسة الحكومة، إضافة الى تفاهمات أخرى تتناول حقائب حكومية وتعيينات في مراكز إدارية وأمنية وعسكرية حساسة، وقانون الانتخاب.
فكل ما يصدر عن الحريري وأوساطه (آخر ما صدر عن المشنوق والسنيورة وبهية الحريري) يؤكد الاستمرار في هذه التسوية التي تعكس ميزان القوى الداخلي، ويعكس اعترافا بوجود عقبات وصعوبات أدت الى تعثر التسوية وتأخرها ولكن لم تؤد الى سقوطها وانتهائها.
الثاني هو استعداد د. سمير جعجع للعب ورقة ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة ردا على استمرار الحريري في ترشيح فرنجية.
فكلما أوغل الحريري في مشروع انتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية كلما تقدم جعجع باتجاه الرابية واقترب من اتخاذ قرار تاريخي سيؤدي، مثل قرار الحريري، الى إعادة خلط الأوراق الرئاسية من جديد.
من الواضح أن «مبادرة الحريري» أوجدت واقعا سياسيا جديدا سيكون من الصعب العودة الى ما قبله وحددت سقفا رئاسيا سيكون من الصعب النزول الى ما دونه.
وهذا السقف في الترجمة السياسية يعني بمجرد موافقة الحريري على فرنجية أن الرئيس المقبل بات من فريق ٨ آذار وأن هذا الاحتمال باتت له أولوية متقدمة على احتمالين: الأول سقط بشكل نهائي وهو رئيس من ١٤ آذار ولم يعد قائما، والثاني سقط بشكل جزئي وهو رئيس توافقي ومازال واردا.
إذن، السيناريو الذي بدأ يطرح، ولو افتراضيا ونظريا، هو سيناريو التنافس الرئاسي المحصور داخل فريق ٨ آذار بين عون وفرنجية، وسيناريو «لبننة الاستحقاق الرئاسي» والذهاب الى جلسة الانتخاب وفوز من يحصل على أكثرية مطلقة (النصف زائد واحد) بعد دورة اقتراع أولى لا يحوز فيها أي من المرشحين على ثلثي الأصوات.
هذا التحول في مجرى المعركة الرئاسية يعني تلقائيا:
١-أن المعركة الرئاسية التي كانت لأكثر من سنة ونصف السنة معركة نصاب لم تعد كذلك وأصبحت معركة أصوات.
وجلسة الانتخاب تتجاوز مسألة نصاب الثلثين مع حصول توافق سياسي ليس على الرئيس وإنما على انتخاب رئيس.
٢-أن وليد جنبلاط لم يعد هو الصوت المرجح و«بيضة القبان» في المعركة الرئاسية. هذان الدور والموقع كانا له عندما كانت المعركة بين فريقي ٨ و١٤ آذار، ولأنها لم تعد كذلك وحدث خلط أوراق وتحالفات وصارت معركة إيصال رئيس من ٨ آذار، فإن الصوت المرجح صار الآن نبيه بري، فكيف يكون ذلك؟! في سياق السيناريو الافتراضي، إذا حصرت المعركة بين فرنجية وعون:
١-ينطلق فرنجية من قاعدة نيابية أساسية تبلغ ٤٧ صوتا (كتلة المستقبل ٣٢ صوتا – كتلة جنبلاط ١١ – كتلة فرنجية ٤).
٢-ينطلق عون من قاعدة أساسية ٤٨ صوتا (كتلة عون ٢٢ – حزب الله (مع حلفائه) ١٨ (زائد القومي والبعث وأرسلان) – كتلة جعجع ٨)
تبقى خمس مجموعات نيابية:
٭ الكتائب (٥ نواب).
٭ المسيحيون المستقلون في ١٤ آذار (٧): ميشال المر، دوري شمعون، بطرس حرب، ميشال فرعون، نايلة تويني، روبير فاضل، روبير غانم).
٭ المستقلون المسلمون في ١٤ آذار (٣) وهم: تمام سلام، عماد الحوت، خالد الضاهر.
٭ الكتلة الوسطية (٥): نجيب ميقاتي، أحمد كرامي، محمد الصفدي، قاسم عبدالعزيز و.. نقولا فتوش).
٭ كتلة بري (١٣)
في التقديرات:
٭ ثمة نواب مستقلون في ١٤ آذار حسموا خيارهم وهم: دوري شمعون وبطرس حرب (لمصلحة فرنجية) وخالد ضاهر (لمصلحة عون).. ويبقى موقف الآخرين معلقا إما بتأييد الأقوى ومن سيفوز أو الاختيار بين القوات والمستقبل.
٭ حزب الكتائب يميل الى فرنجية.
٭ نواب طرابلس يميلون الى عون.
٭ كتلة بري في هذه الحال بأصواتها الـ ١٣ هي من سيرجح هوية الفائز ومن سيكون رئيسا..
ولكن النتيجة تظل غامضة لأن بري الذي يميل الى فرنجية ولكنه يقع تحت مونة حزب الله وتأثيره يقول إنه سيترك الحرية لأعضاء كتلته في موقف يذكر بموقف كمال جنبلاط عام ١٩٧٠ الذي وزع كتلته بطريقة أدت الى فوز النائب سليمان فرنجية آنذاك.
هذا السيناريو الانتخابي الافتراضي الذي يجعل جلسة انتخاب الرئيس عام ٢٠١٦ تعيد الى الأذهان جلسة انتخاب الرئيس عام ١٩٧٠ يستند بشكل أساسي الى أن تصبح المعركة محصورة بين عون وفرنجية.
ولكن هذا الأمر مازال غير محسوم والصورة لا تكتمل قبل الإجابة عن هذه الأسئلة:
١-هل يمضي جعجع قدما في ترشيح عون وتأييده وعلى أساس اتفاق سياسي قاعدته إعلان النوايا وأرضيته الحكم في المرحلة المقبلة؟!
٢-هل يثبت حزب الله في تأييده لـ«عون» إذا أبرم اتفاقا مع جعجع؟! أم يصبح في حل من التزامه الأخلاقي والسياسي؟! وبين عون مدعوما من جعجع وفرنجية مدعوما من الحريري هل يفضل الخيار الثاني؟! أم أن حزب الله سيظل ملتزما باستراتيجية الذهاب الى جلسة الانتخاب فريقا واحدا ومرشحا واحدا؟!
٣-إذا قرر حزب الله السير بالعماد عون حتى النهاية، وحتى لو أيده جعجع واتفقا معا، أي خيار وقرار سيتخذه الرئيس بري؟!
٤-هل يأتي الحريري وجنبلاط الى جلسة الانتخاب إذا تأكد لهما أنها ستأتي بعون رئيسا أم يلعبان ورقة المقاطعة وتعطيل النصاب، الورقة التي لعبها حزب الله وعون حتى الآن؟!
هذه التعقيدات والاعتبارات السياسية تعني أن ترشيح جعجع لعون فيما لو حصل، لا يعني حكما حسم موضوع رئاسة الجمهورية لمصلحة عون.
مثلما لم يحسم ترشيح الحريري المعركة لمصلحة فرنجية.
ويعني أن عملية خلط الأوراق ومراجعة الحسابات ستتواصل، وبالتالي أمد الفراغ الرئاسي سيمتد لأسابيع أو لأشهر.
فليس الاتفاق المسيحي (بين جعجع وعون) هو الذي يأتي برئيس الجمهورية وإنما التسوية السياسية (الشاملة) هي التي تأتي بالرئيس.
وفي مطلق الأحوال حزب الله يظل الناخب الأكبر والأقوى.