يؤكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان تحاويل اللبنانيين هي التي تغذي البلد وان دورها مهم في نمو الودائع في المصارف اللبنانية، مبديا تخوفه من استمرار تراجع اسعار النفط الذي سيؤثر سلبا على هذه التحاويل التي ستتراجع حتما الى لبنان.
ويبدو ان كلام سلامة منطقي في ظل تراجع اسعار النفط، وفي ظل الحديث عن عجز في ميزانية السعودية والذي تجاوز الـ98 مليار دولار وهذا يحدث للمرة الاولى في تاريخ ميزانيات السعودية، كما لجأت الحكومة السعودية الى تعديل اسعار الطاقة والمياه بما يتوافق مع الاسعار العالمية، اضافة الى تعديلات اخرى شملت اسعار تعرفة الكهرباء وهي امور كانت تشكل احدى الهواجس لدى المجتمع السعودي لكونها مدعومة من الدولة. والخوف من ان تطال تداعيات تلك الخطوة قطاعات اخرى، كقطاع النقل، والخوف كل الخوف ان تعمد الحكومة السعودية الى تخفيض رواتب العاملين لديها مما يشكل خطرا على التحاويل اللبنانية، خصوصا اذا اتبعت هذه الخطوة بخطوات مماثلة في دول الخليج العربي.
من المعلوم ان المعدل السنوي للتحويلات المالية الى لبنان هو ما بين 7 و8 مليارات دولار اميركي وذلك لانها تشكل شبكة امان اجتماعية لعدد كبير من العائلات اللبنانية ولانها تشكل استقرارا ماليا في ظل العجوزات السنوية التي تعانيها ميزانية الدولة التي لم تقر منذ العام 2005 وتراجع المؤشرات الاقتصادية ولانها تشكل احدى المداميك الرئيسية للقطاع المصرفي الذي بواسطتها بقي واقفا على رجليه، ويملك سيولة مرتفعة تؤهله لاقراض القطاعين العام والخاص، ويشكل ثقة مهمة لهذه التحاويل.
وذكرت مصادر مصرفية مطلعة ان مجموع تحويلات اللبنانيين في الخارج الى لبنان بلغت 53 مليار دولار خلال السنوات السبع الماضية. 31 مليار دولار من اجمالي هذه التحاويل بقيت كودائع مصرفية في حين ان 22 مليار دولار وظفت في الاستثمار المباشر والاستهلاك.
ويقول الدكتور وائل الدبيسي وهو خبير مصرفي ومدير في بنك BBALان تحاويل اللبنانيين تلعب دوراً رئيسيا في الاقتصاد اللبناني مقارنة مع المصادر الاخرى للايرادات من العملات الاجنبية، كالصادرات والاستثمار الاجنبي المباشر وعائدات السياحة وغير ذلك، مع العلم بانها جميعها تساهم بحوالى 25 الى 30% من حجم الدخل القومي. فمنذ تفجر الازمة المالية العالمية في العام 2008 ارتفعت تحويلات اللبنانيين المغتربين في الخارج الى لبنان بنسبة 24% عام 2008 وانخفضت الى 5% عام 2009 لعقود الى الارتفاع بنسبة 5% ولم تسجل ارتفاعا في العامين 2011 و2012.
اما في العام 2013، فقد ارتفعت بنسبة 4،4% وفي العام 2014 تحسنت بنسبة 9%، والمقدر انها تصل العام 2015 حوالى 9 مليارات دولار، بالاضافة الى مبالغ نقدية اخرى يأتي بها المسافرون عند زياراتهم لبنان تضاف الى التقديرات اعلاه.
اما صمود وتيرة هذه التحويلات الى لبنان، وباتجاه المصارف اللبنانية في ظل الاوضاع السياسية غير المستقرة، ناتج عن ثقة اللبنانيين (في الداخل والخارج) بالقطاع المصرفي اللبناني، وبقدرات البنك المركزي على حماية هذا القطاع.
كما ان مصرف لبنان يملك الامكانيات المطلوبة، والسيولة اللازمة، والاحتياط النقدي الجيد، والادارة الرشيدة، كي يبقى السوق النقدي في حال من الاستقرار، ويستمر تدفق التحاويل من الخارج، واستقرار العملة اللبنانية مقابل العملات الاجنبية.
بما ان معدل زيادة اعداد اللبنانيين المقيمين، يقرب من 2% سنويا، تكون نسبة النمو عامي 2011، و2012، غير كافية لتحسين مستوى المعيشة، كما ان نسبة كل من عامي 2013 و2014 لا تغطي زيادة عدد اللبنانيين.
اما نسبة البطالة في لبنان، فتبلغ حوالى 28% في حين انه يحتاج سنويا الى 27 الف وظيفة، يتأمن منها حوالى 7 الاف، والعدد الباقي، اما يهاجر للعمل في الخارج، في ظل صعوبة الحصول على تأشيرات الى دول الخليج العربي في ظل الاوضاع الامنية الحالية في لبنان، واما ينتظر الفرج. كما ان العجز التجاري بلغ ارقاما قياسية، حيث وصل في نهاية تمو 2014 الى 04،10 مليار د.أ اي بارتفاع حوالى 20،1% عن العام 2013 ولا تغطي الصادرات في لبنان سوى 21،16% من حجم الواردات، بعد ان كانت تغطي 74،20% في الفترة عينها من العام 2013 اي بتناقض مستمر.
والسؤال كيف يصمد الاقتصاد اللبناني امام هذه المعطيات، والازمات؟
فلو نظرنا الى تركيا (الدولة المجاورة) لوجدنا ان حجم التسليفات الممنوحة من القطاع المصرفي التركي اكثر من 100% من حجم الودائع لديه، اما في لبنان فلا يتجاوز حجم تسليفات المصارف الى القطاع الخاص نسبة 27% من الودائع لديها، اي 47 مليار د.أ من اصل 170 مليار د.أ.
والسبب في ذلك يعود الى سياسة التسليف المحددة من قبل مصرف لبنان من جهة، وتحفظ المصارف للتسليف، لا سيما في ظل تردي الوضعين الامني والاقتصادي من جهة اخرى.
ويمكن القول ان معظم هذه التحاويل يصب في خانة الاستهلاك المنزلي، التعليم، وتلبية الحاجات اليومية من طعام وملبس فيما ان هناك قسما صغيرا يذهب لصالح الاستثمارات العقارية.
ويؤكد الخبير نسيب غبريل ان التحاويل من اهم العوامل التي تحافظ على اداء الاقتصاد وتحول دون دخوله في دائرة الركود الشامل واشار الى انه قد يكون من اسباب تراجع معدل هذه التحويلات تراجع معدل هذه التحويلات تراجع اسعار النفط في البلدان المنتجة، والذي اسفر عن تراجع في النمو، ولكنه ليس الرئيسي لان النمو في هذه البلدان لم يسجل تراجعا كبيرا، وذلك بفضل السياسات المتبعة من قبل السلطات والتي سمحت بضخ اموال والاعتماد على احتياطات، فضلا عن تشجيع الاستثمارات المختلفة، كما هو حاصل في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة حيث الاقتصاد المتنوع على اية حال، استمرار تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية اعطى انذارا واضحا للدول المنتجة للنفط وخصوصا الدول الخليجية التي عليها من الان وصاعدا ان تهتم بادارة شؤونها المالية في ظل العجز الذي تعانيه بعض الميزانيات واذا كان العام 2014 قد شهد استمرار التحاويل الى لبنان بقيمة 7 الى 8 مليارات دولار، فان الخوف ان يكون اتجاهها هبوطا وتراجعا اذا عمدت الحكومات الخليجية الى اتخاذ خطوات قاسية مثل الاستغناء عن عدد كبير من العاملين لديها ومنهم اللبنانيون؟
سؤال ينتظر الجواب من الحكومة الخليجية ومن اسعار النفط عالميا خصوصا ان التصعيد السياسي وقطع العلاقات الدبلوماسية بين ايران والسعودية وهما من اكبر المنتجين للنفط لم يؤثر على اسعار النفط؟