Site icon IMLebanon

“تعطيل” التفتيش المركزي.. لا إنفراجات قريبة

CentralInspection

حنان حمدان

مرّ العام 2015 دون أن تصدر هيئة التفتيش المركزي قراراتها في شأن الملفات المكدّسة في أدراجها منذ 18 تشرين الثاني 2014، تاريخ آخر قرار صادر عنها. وكذلك، لم تنجز الهيئة برنامج عملها السنوي ولم تقر الموازنة الخاصة بها للعام 2016. ما يثبت شل عمل التفتيش المركزي بكامله. والسبب هو خلاف شخصي بين رئيس الهيئة تفتيش جورج عواد والمفتش المالي العام صلاح الدنف.

أكثر من عام والتفتيش المركزي مصاب بشلل تام، ما فتح المجال أوسع من ذي قبل أمام عمليات الغش والفساد والرشوة داخل المؤسسات العامة، لاسيما وأن آليات المحاسبة باتت معدومة، ما انعكس سلباً على أداء الإدارة والمالية العامة معاً، وأحدث إستياءً عاماً لدى موظفي التفتيش الذين باتوا من دون سلطة فعلية، بعد أن أصبحت تقاريرهم، في ظل غياب المحاسبة، حبراً على ورق في العام 2015. ومع بداية العام 2016 تثار العديد من التساؤلات حول واقع التفتيش المركزي، وأهمها: ألم يحن بعد موعد حل الخلاف وتيسير عمل الهيئة؟، ومن يتحمل مسؤولية هذا الشلل، ومن يستفيد من بقائه؟
تشير معلومات “المدن” إلى أن الخلاف بين عواد والدنف، ليس جديدا، فصراع المصالح بين الطرفين قديم. إذ شهد التفتيش خلافات مماثلة سابقاً، تحديداً في عهد الرئيس نجيب ميقاتي، ولكن سرعان ما تمت تسوية المسألة وحلت الملفات العالقة بين الطرفين. ولكن يبدو أن تفاقم الأمور أوصل الهيئة الى حائط مسدود، وقد برز الخلاف بين الطرفين، عندما رفض أحد الأعضاء تمرير ملفات عالقة تتعارض مع مصالحه الخاصة، بعدها تفاقم الوضع بامتناع أحد أعضاء الهيئة عن التعاون وحضور الجلسات والإجتماعات وتوقيع القرارات القضائية الصادرة عن الهيئة، إلى أن وصلت الحال الى نقطة الصفر وتمت القطيعة. وازدادت الأزمة مؤخراً بعد أن فضح الدنف معلومات سرية خاصة بالتفتيش، تتعلق بقضية رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، وفق ما تؤكده مصادر”المدن”. وكان قد وضع الملف لدى رئاسة الحكومة بعد ستة اشهر على بدء الخلاف، وسعى رئيس الحكومة تمام سلام حينها إلى تسوية المسألة، وانتدبت الحكومة أشخاصاً لمتابعة هذا الملف، ومن ثم دخل على خط الوساطة بعض الأفرقاء السياسيين، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل. والواقع أن المسألة اليوم باتت أكثر تعقيداً. وفي ظل هذا التعقيد، يسعى سلام جاهداً إلى حل المسألة التي لا تزال عالقة بين الطرفين وفق ما يؤكده لـ “المدن” مستشار سلام، عبد الستار اللاز، قائلاً: “عندما يستقيم واقعنا السياسي سينسحب ذلك على واقع الإدارة العامة ككل”، مشيراً، إلى أن “رئيس الحكومة متابع لتطورات هذا الملف على أمل الوصول الى تسوية الخلاف القائم في الوقت القريب”.

ومع ذلك، فإن ما تطرحه مسألة التعطيل والشلل المتعمد لعمل هيئة التفتيش، يأخذنا أبعد بكثير من موضوع الخلل في إدارة المؤسسات العامة، إذ إن المسألة ترتبط بموظفين عامين لهم مصالحهم الخاصة والمصالح الحزبية والطائفية والمناطقية أيضاً. إذ ان تمرير ملفات دون أخرى يشير إلى وجود مصالح فئوية في هذه الملفات.
وقد أشيع مؤخراً، أن الدنف يحظى بغطاء من مرجع سياسي ينتمي إلى طائفته، وتحديداً النائب طلال إرسلان، وهذا ما نفاه مستشار الأخير سليم حمادة، في حديث لـ “المدن”، معتبراً أن “هذا الكلام عارٍ عن الصحة”. علماً أن الدنف تم تعيينه مفتشاً مالياً في العام 2005، في عهد رئيس الحكومة عمر كرامي وكان إرسلان وزيراً للمهجرين، وفي أثنائها كان النائب وليد جنبلاط خارج الحكومة، وقد صودف حينها وجود الحزب الديمقراطي كطرف درزي وحيد في الحكومة، ولذلك اعتبر البعض أن الدنف محسوب على إرسلان.

ومع ذلك فإن “إرسلان لا تربطه أي علاقة بالدنف ويفضل ترك حل قضية التفتيش المركزي الى القضاء المختص”، وفق ما يؤكده حمادة، ويعتبر حمادة أن الحل “لا يكون إلا بإعادة تفعيل عمل المجلس التأديبي، إذ أصبحنا في أمس الحاجة الى تفعيله بعد أن بات المدراء العامون أمراء في وزاراتهم بسبب توفر الغطاء السياسي لهم، كمدير عام وزارة البيئة بيرج هاتجيان الذي خُطت بحقه أكثر من مئة شكوى ولم يبت فيها حتى الأن، وذلك على سبيل المثال لا الحصر”.
شخصنة المسائل وعدم إدارة الأمور بروية وحكمة، يعيدنا في الذاكرة إلى حالات مماثلة تشهدها الإدارات العامة، لعل أبرزها حالة رئيس هيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف المتهم بعدد كبير من ملفات الفساد، والمحصن سياسياً في وجه أي محاسبة أو مساءلة. ما يثبت حقيقة أن بعض موظفي الإدارة العامة أصبحوا أقوى من الدولة، ويؤكد أن إعادة تفعيل عمل التفتيش المركزي لن يتم إلا بإرضاء عواد والدنف، أما في حال حدوث العكس فإن تعطيل عمل التفتيش سيبقى خلال العام الحالي إلى حين تسوية القضية سياسياً. فهل يشهد العام الحالي مصالحة “سياسية” داخل هيئة التفتيش؟!