كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
تمسك الوالدة بيد ابنها وتحاول إدخاله إلى المحكمة العسكريّة. ابن الـ8 سنوات الذي بالكاد يعرف أن يركّب جملة مفيدة متّهم منذ سنتين، أي عندما كان يبلغ 6 سنوات، بمعاملة قوى الأمن الداخلي بالشدّة أثناء قيامهم بوظيفتهم في صيدا!
هذا ما حصل، أمس، عندما مثل أمام «العسكريّة» أصغر مدّعى عليه، ما يطرح السؤال عن هوية الجهة المسؤولة عن التباس كهذا يضع طفلاً ولد في العام 2007 أمام قوس المحكمة؟
حسين س. لا يفقه كيفيّة تحوّله إلى مدّعى عليه. يرتعد الطفل خوفاً من المشهد. يتطلّع حوله ويلحظ الإجراءات الأمنيّة والعسكريين الموزّعين خارج المحكمة وداخلها، فيعاود البكاء ويرفض الدّخول.
هذا المشهد تحديداً رسمه بمخيّلته عشرات المّرات عندما كان يسمع البعض يمازحه بأنّه سيدخل السّجن. وهذا المشهد أيضاً أثّر في نفسيته، وجعله يرتاب من المدرسة ولا يعود إلى مقاعدها خوفاً «من الحبس»!
.. أمس، تحوّل المشهد إلى حقيقة.
أكثر من ساعتين، والطّفل يجلس إلى جانب والدته على المقعد ويمسح دموعه، إلى أن انتبه رئيس المحكمة العسكريّة العميد خليل ابراهيم ونادى على اسمه وبدأ الجلسة.
كان المشهد قاسياً: الوالدة تشدّ يد ابنها وهو يحاول الدّفع بها والعودة إلى مقعده.
الطّفل المتّهم بمعاملة قوى الأمن بالشدّة لم يستطع ردّ يدي والدته.. فوصل إلى المنصّة وازداد بكاؤه وخوفه حتى أبكى بعض الحاضرين.
الصوت متهدّج واليدان مرتجفتان وهو يؤكّد أنّ لا دخل له بهذا الجرم. تدخّلت الوالدة، التي تعمل مدرّسة، مؤكدة عدم صحة الأمر ومتحدّثةً عن حالة طفلها النفسيّة.
إذاً، القصّة التي جعلت طفلاً يرتعد خوفاً ويُحرم من دراسته، ليست إلا مجرد تشابه في الأسماء، إذ إنّ المدّعى عليه الفعلي والذي يحمل الاسم نفسه من مواليد 1995.
حاول رئيس المحكمة أن يخفّف من وطأة وجود الطّفل داخل القاعة وإفهامه أنّ وجوده هنا ليس إلا لكي يرى المحكمة وهو ليس مذنباً، ولكنّ كلماته لم توقف دموع الطّفل، فبادرت محامية الى تقديم عصير وشوكولا إلى مندوبة الأحداث في المحكمة لإعطائها لأصغر متّهم في «العسكرية».
صارت الأمور أسهل على حسين، الذي صار على قوس المحكمة. مفوّض الحكومة المعاون وممثّل النيابة العامّة القاضي فادي عقيقي (طلب كفّ التعقّبات) لم يستوعب ما يحدث، فما كان منه إلا أن ناداه وأفسح له المجال ليجلس على كرسيّ بجانبه.
إنّها المرّة الأولى التي تتعامل فيها المحكمة مع حالة كهذه. ولذلك، أصرّ رئيسها على انتهاء الأمور الإجرائية لكي لا يعود الطّفل إلى المحكمة مرّة ثانية أو حتى عرقلة مستنداته. وأذن له ولوالدته بالخروج من دون انتظار الحكم. وليلاً، أصدرت «العسكريّة» حكمها بكفّ التعقّبات عن الطّفل.