كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
للمرة الثالثة على التوالي، يُحدَّد موعد جديد لبدء تطبيق الاتفاق القاضي بإخراج «داعش» والمسلّحين الغرباء من مخيّم اليرموك قرب دمشق.الموعد الأوّل كان حُدِّد نهايات العام الماضي وطبّق خلاله تنظيم تسفير أوّل دفعة من المخيم في قافلة نقلت ١٤٢ عنصراً من «داعش» الى منطقة الضمير الواقعة بين تدمر وحمص.
ثمّ توقف مسار استكمال الترحيل إثر خلافات نشبَت بين مجموعات المسلّحين في المخيم، حيث اعترضت «جبهة النصرة» على قبول «داعش» بالإخلاء، واعتبرت الأمر بمثابة سيناريو لاستفرادها وطلبت منها الاستمهال لمناقشة الامر.
وعقد آنذاك وفق معلومات لـ«الجمهورية» اجتماعٌ بين ممثلي الطرفين لم ينتهِ بتفاهم. وأكثر من ذلك طلبت «النصرة»، كأضعف الإيمان، أن تترك «داعش» لمجموعاتها (أيْ «النصرة») في المخيم بعض أسلحتها قبل رحيلها منه، لكنّ الأخيرة رفضت.
تفاصيل اتفاق مغادرة «داعش»
ولضمان تجاوز اعتراضات «جبهة النصرة»، أضافت الجهات المعنية تعديلات على صفقة إخراج «داعش» من المخيم، وذلك بالتفاهم مع الأخيرة. وبموجبها تمّ تحديد موعد جديد لاستكمال تنفيذ الاتفاق وحُدّد زمانه بين ٤ و٥ من الشهر الجاري. ولكنّ المباشرة به واجهت فشلاً جديداً نتيجة تداعيات مقتل أمير «جيش الاسلام» زهران علوش واضطرار «داعش» ومَن معها من المجموعات المسلّحة الى تعليق تنفيذ الاتفاق احتجاجاً.
ثمّ أمكن لاحقاً أيضاً تجاوز تأثيرات هذا الحدث على الاتفاق، حيث حُدد منذ أيام موعد جديد لاستئناف تنفيذه، وهو سيبدأ، وفق معلومات «الجمهورية»، منتصف ليل ١٤ – ١٥ الجاري.
وتفيد هذه المعلومات أنه مع حلول ساعة بدء التنفيذ ستدخل الى المخيم هيئة مختلطة تمثل لجنة المصالحة التابعة للحكومة السورية واللجنة الدولية للصليب الاحمر والهلال الاحمر السوري والامم المتحدة الى المخيم، حيث وضعت في تصرّفها ١٥٠ حافلة مخصّصة لنقل المسلّحين وعائلاتهم من المخيم في اتجاه منطقة الضمير ومنها الى الرقة وإدلب حسب الاتفاق.
وتتّسع كلّ حافلة لخمسين شخصاً، ما يعني أنّ اجمالي عدد الذين سيتمّ إخلاؤهم من المخيم يناهز الـ ٢٥٠٠ مسلح ومدنيّ من عائلاتهم. وجميع هؤلاء سُلِّمت أسماؤهم الى ممثل الامم المتحدة المنخرط في المفاوضات لإتمام الصفقة مع «داعش».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الاتفاق بنسخته النهائية المعدَّلة بات يشتمل على ٧ نقاط اساسية، أوّلها سحب المسلّحين من المخيم الى منطقتَي إدلب والرقة؛ والثانية تسوية أوضاع المسلّحين الذين سيبقون في المخيم؛ والثالثة إدخال فريق هندسة تابع للفصائل الفلسطينية الى المخيم لتفكيك العبوات المفخّخة؛ والرابعة إدخال ورش بناء تابعة للدولة السورية لإعادة تأهيل البنى التحتية في المخيم (كهرباء ومياه وما شابه)؛ والخامسة تأهيل المشافي وعددها أربعة والمستوصفات؛ السادسة إدخال قوة من الفصائل الفلسطينية لضبط الامن داخل المخيم ويقدر عددها ما بين ١٠٠٠ و١٥٠٠ عنصر.
وبالنسبة الى هذه النقطة، كشف مصدر فلسطيني لـ«الجمهورية» أنّ القوّة الفلسطينية ستشكل من ١٤ فصيلاً فلسطينياً ليس بينها حركة «حماس»، نظراً لأنّ النظام السوري وضع «فيتو» على أيّ حضور لها داخل المخيم. وستتكوّن البنية الأساسية لهذه القوة من «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» و«فتح ـ الانتفاضة» و«الصاعقة».
أما البند السابع فينصّ على تنظيم الأوضاع المدنية داخل المخيم بالتنسيق بين الفصائل الفلسطينية والدولة السورية. وجاء ضمن فذلكة الاتفاق أنّ رعايته ستكون مسؤولية الامم المتحدة بالإشتراك مع الدولة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وبحسب معلومات لـ«الجمهورية»، فإنه خلال الاتصالات التي مهَّدت لإبرام هذا الاتفاق، جرت محادثات معمّقة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وبين الدولة السورية درست ليس فقط اتفاق اليرموك، بل مجمل مستقبل الوضع الفلسطيني في سوريا.
وكانت ذروة هذه اللقاءات عُقدت بين مبعوث الرئيس الفلسطيني عباس زكي كممثل لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس السوري بشار الأسد الذي أكّد أنّ قرار دمشق هو إبقاء الوضع الفلسطيني في سوريا على وضعه الذي كان عليه قبيل أحداث العام ٢٠١١، وتحديداً قبيل تدخل مخيم اليرموك وغيره من المخيمات في الحرب السورية.
وتكشف هذه المعلومات أنّ الموقف السوري في شأن عدم إحداث تغييرات على الاستضافة السورية للّاجئين الفلسطينيين ديموغرافياً ولجهة حقوقهم المدنية، جاءت بعد نصيحة روسية للأسد بإبقاء نفوذ سوريا داخل المعادلة الفلسطينية قائماً، لأنّ خسارتها تقوّض من أهميتها الاقليمية في المرحلة اللاحقة. وتمّ التوافق على هذا الامر بالإشتراك مع السلطة الفلسطينية، ولكن مع مراعاة حرص النظام على إنهاء أيّ وجود لـ»حماس» داخل الساحة الفلسطينية في سوريا.
وتفيد المعلومات أنّ مجموعات «اكناف بيت المقدس» المسلَّحة الموجودة في مخيم اليرموك والتابعة لحركة «حماس» ( نحو ١٠٠ مقاتل)، لن تغادره مع قافلة «داعش» والمسلّحين الآخرين، بل ستبقى داخله وذلك بموجب تفاهم بينها وبين النظام، أعلنت بموجبه انشقاقها عن قيادة خالد مشعل، وستنضمّ بعد انتهاء تنفيذ صفقة اليرموك، الى تنظيم سيطلق على نفسه «الإخوان المسلمون في سوريا»، وهو إطار قيد التأسيس ويضمّ فلسطينيين وسوريين، وسيقبل مشاركاً في مفاوضات الحلّ السياسي مع النظام.
وتضيف هذه المعلومات أنّ مجموعات كثيرة من مسلَّحي اليرموك سوَّت أمورها مع النظام خلال الفترة الاخيرة، وهي ضمن القوى التي ستبقى في المخيم، منها مجموعة «أبابيل حوران» التي يتزعمها «أمير» من بلدة الشيخ مسكين التابعة لمنطقة درعا.
وفي المقابل، هناك مجموعات سلفية عدة يتألف كلّ منها من ٢٥ الى ٥٠ مقاتلاً، اختفت عن خريطة الوجود العسكري في المخيم بضربة من «داعش» أو نتيجة اندماجها بها او بـ«النصرة» الجناح غير المنسجم مع تنظيم «الدولة الاسلامية»، ومنها على سبيل المثال مجموعة «أبناء تيمية» التي كان يتزعمها شيخ سلفي كنيته «ابو عبد الله» الملقب «الميداني».
وتجدر الاشارة الى أنّ المخيم لا يضمّ أيّ مجموعة لـ»جيش الاسلام» التابع لزهران علوش، وينحصر وجودهم في منطقة بيت سحم البعيدة قليلاً من اليرموك.
وتجدر الاشارة الى أنّ «جبهة النصرة» في مخيم اليرموك انشقت على نفسها خلال الأشهر الماضية، قسم منها انشقّ على «ابو محمد الجولاني» بتشجيع وغطاء عسكري وأمني من «داعش»، وهؤلاء سيغادرون معها الى إدلب والرقة، والقسم المبتقي حافظ على ولائه للجولاني وتتمركز عناصره عند أطراف المخيم ويُنتظر أن ينتقل هؤلاء بعد عودة المخيم الى كنف الفصائل الفلسطينية المؤيّدة للنظام، الى منطقة بيت سحم حيث يستظلون هناك بحماية «جيش الاسلام».