كتب علي رباح في صحيفة “المستقبل”:
لا شيء مفاجئاً في ما أعلنه نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم من “أن الحزب لا يزال يؤمن بمشروع تحويل لبنان الى دولة إسلامية”. ففي “فلتات” كلامه المعلن وخطابات قادة حزبه ما قبل عام 1990، الكثير من مثل هذا الكلام. ولا بأس إن قال الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله في السنوات الأخيرة، “ان حزب الله لا يريد السلطة ولا التحكم بلبنان، ولا ان يفرض فكره ولا مشروعه، لأن “ولاية الفقيه” تقول إننا حزبها وانه يجب الحفاظ على التنوّع في لبنان”. فالسيّد نفسه، قال قبل 29 عاماً (نيسان 1986)، “اننا لسنا قادرين الآن على إقامة حكم إسلامي، لكن الإمام دعانا لإقامة الحكومة الإسلامية في اي بلد نعيش فيه، وهذا ما يجب ان نعمل له وان نفهمه تكليفاً شرعياً واضحاً، وان نعمل عليه في لبنان وغير لبنان لأنه خطاب الله منذ ان خلق آدم”.
كلام الشيخ قاسم في حديث لبرنامج “مسلمون.. وبعد” على قناة “الميادين”، يطرح سؤالاً عن مشروعية طموح حزب أقلية لا يشكل , في النسيج المذهبي في سوريا، ولا 25% من النسيج المذهبي في لبنان، لحكم اثني عشري شمولي، الطموح الاقصى في خلال هذا الحكم لباقي الطوائف حرية ممارسة الشعائر في ظله. نكاد ننسى أن الدستور الإيراني ينص على أن دين الدولة هو المذهب الإثني عشري، ما يعني أن أبناء الطوائف الأخرى مواطنون من الدرجة الثانية، مهما تاجر الممانعون بالسماح لهم بإقامة قداس الميلاد!
يقول الشيخ قاسم رداً على سؤال حول ما اذا كان الحكم الإسلامي يتعارض مع غير المسلمين، “ان إقامة دولة إسلامية لا تتعارض لا مع المسيحية ولا مع اليهودية، لأن الإسلام يحفظ لهما حياتهما الدينية بشكل كامل لأنهما من أهل الكتاب”. لكن هل تكفل “ولاية الفقيه” فعلاً الحرية الدينية لأهل الكتاب؟ المادتان 12 و13 من الدستور الإيراني (دولة الولاية التي يريد “حزب الله” استنساخها في لبنان والمنطقة)، تفرضان على جميع الطوائف والمذاهب القبول بولاية الفقيه المطلقة مما جعلهم جميعاً يواجهون التمييز والاضطهاد. قبل مدة، اعتقلت الاستخبارات الايرانية، بحسب موقع “سحام نيوز” الاخباري التابع للزعيم مهدي كروبي، عدداً من المسيحيين في مدينة “انزلي”، بينهم القس عبد الرضا نجاد المعروف بـ”ماتياس”، وصادرت عدداً من الكتب الدينية والكمبيوتر التابع للقس. وقبل شهور، حكمت السلطات الايرانية بالإعدام بحق المسيحي، عضو لجنة الكنيسة، يوسف ندرخاني، ونقلت المسيحي “بهنام ايراني” من السجن الانفرادي بعد تدهور صحته بسبب اضرابه عن الطعام. وفي ليلة رأس السنة، دهمت الاستخبارات الايرانية، بحسب موقع “محبت نيوز” المعني بشؤون المسيحيين في ايران، منزل احد رجال الدين الايرانيين بتهمة التحضير للاحتفال بعيد رأس السنة! ليس المسيحيون وحدهم أكثر من يعاني من قمع النظام الايراني. فالسلطات الايرانية تمنع اصدار اي ترخيص حتى لبناء مسجد سني واحد في طهران. ورغم ان المادة 19 من الفصل الثالث من الدستور الايراني، تنص على عدم التمييز بين الايرانيين على اساس عرقي او مذهبي او طائفي، الا ان المسيحيين والسنة والاكراد يتعرضون لتمييز ضدهم في تشكيل الاحزاب وفي فرص العمل والمناصب وحتى في طلبات القبول في الجامعات. كما ان الاكراد الذين شاركوا في الثورة الاسلامية، تحظر السلطات عليهم تعليم اللغة الكردية في المدارس تحت طائلة الاعتقال والمحاسبة التي قد تصل الى حد الاعدام الذي يعاني منه الاحوازيون بشكل يومي.
كل ما نفاه “حزب الله” عن مشروعه صار اليوم معلناً، ولا يمكن لأي مواطن عربي ان يخرج عليه إلا ويكون عميلاً وتكفيرياً وإرهابياً يخدم المشروع الصهيوني! لم يعد هناك من “وزن” لكل ما قاله نصرالله في السنوات الاخيرة. ألم يقل السيّد، “ان كل الحديث عن التشيّع والمد الايراني في المنطقة، هو غير صحيح ولا يخدم إلا المشروع الصهيوني”؟ ألم يقل سماحته، “ان مشروع الولي الفقيه هو مشروع الوحدة الاسلامية، واي كلام آخر هو مجرد اوهام”؟ ألم يقل، “ان الصراع في المنطقة هو صراع سياسي وليس مذهبياً”؟ ألم يذهب الى سوريا ليقول للعالم انه يقاتل الجماعات الاسلامية التي تسعى لفرض الدولة الاسلامية بحد السيف؟ ماذا سيقول السيّد لحلفائه المسيحيين، الذين هاجموا، على مدى سنوات، “الاسلام السياسي” بوصفه “خطراً” على الوجود المسيحي؟ كيف سيقنعهم بأن هناك “إسلاماً سياسياً بـ”زيت” وآخر بـ”سمنة”؟ كيف سيقنع المسيحيين انه لم يذهب الى سوريا لمحاربة “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، بل ليبني “الدولة الاسلامية في لبنان والشام”؟ لكن السؤال الأهم : ما مشروعية الطموح إلى جعل , من الشعب السوري (وإلا فمشروع سوريا المفيدة) و من الشعب اللبناني مواطنين من الدرجة الثانية؟ وكيف سيخفّف الشيخ نعيم قاسم من هذه المعضلة؟ أهو بمشروع التهجير على طريقة حمص والقصير، ام بالتجويع على طريقة مضايا والزبداني، ام بالاقامات الجبرية التي يعاني منها المعارضان البارزان مهدي كروبي ومير حسين موسوي؟