كتب محمد بلوط في صحيفة “السفير”:
محاولات روسية ـ أميركية أخيرة في جنيف اليوم وغدا، لتمهيد الطريق إلى «جنيف 3» السوري.
مساعدا وزارة الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف والأميركية آن باترسون يعكفان، خلال يومين، على محاولة الإبقاء على موعد 25 تشرين الثاني الحالي قائماً لاستئناف العملية السياسية في سوريا.
ومن المنتظر أن ينضم إلى الاجتماعات في ما بعد الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، بعد أن يكون الأميركيون والروس قد توصلوا إلى اتفاق واضح، حول تركيبة الوفد السوري المعارض المفاوض، فضلا عن إعادة البحث بمسألة قوائم المنظمات الإرهابية.
وإذا لم ينجح الديبلوماسيان، الروسي والأميركية، فقد يتم الاستعانة بوزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لمتابعة المفاوضات، في لقاء أبديا استعداداً لعقده، من دون أن يحدد موعده بعد، وبلورة تفاهم روسي ـ أميركي لا بد منه لكي ينعقد اجتماع الـ25 من الشهر الحالي.
وعلى وزيري الخارجية، اللذين اجريا بالأمس مشاورات هاتفية حول سوريا، بحسب وزارة الخارجية الأميركية، تقديم براهين جدية على الرغبة باستئناف العملية السياسية، وعدم المغامرة بترك السعودية تنفرد بقيادة المعارضة السورية إلى أي مؤتمر تفاوضي. فالسعودية، التي جمعت أجنحة «الائتلاف» وشخصيات مستقلة من المعارضة في مؤتمر الرياض، لا تملك حالياً أي مصلحة في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، كما أن التوقيت الديبلوماسي السعودي يعيش هواجس تصعيد متواصل مع إيران لن يتردد خلاله في إطاحة هذه الفرصة، وإطالة أمد الحرب على حساب السوريين.
وفي باريس، التي التقى فيها الرئيس فرانسوا هولاند، لم يظهر رياض حجاب تفاؤلاً كبيراً، باحتمالات الذهاب إلى «جنيف 3». وقال «إنه لا يمكن التفاوض مع النظام السوري، وهناك جهات أجنبية تقصف الشعب السوري».
وكان «الائتلافيون»، تحت وصاية سعودية، قد وضعوا الطرفين، وتكتلات المعارضة الأخرى أمام الأمر الواقع، وشكلوا «وفدهم» والهيئة التفاوضية العليا المنبثقة عن مؤتمر الرياض، باعتباره وفد المعارضة السورية النهائي، وأغلقت أبواب النقاش في هذا الملف، ووضعته بيد المنسق العام للهيئة رياض حجاب الذي يقوم بجولة أوروبية لتسويق وفده، وتكريسه مفاوضاً وحيداً.
وتقول مصادر ديبلوماسية إن الأميركيين سيحاولون تعديل الوفد «السعودي» وفرض تمثيل كردي متكافئ يعكس الخريطة السياسية السورية، والتحالف الذي باتت تقيمه واشنطن مع «وحدات حماية الشعب» الكردية في الشمال السوري.
وكان السعوديون، تحت ضغط تركي، قد دفعوا «الائتلافيين» إلى وصم «حزب الاتحاد الديموقراطي» بالإرهاب، وإقصائه مع «قوات سوريا الديموقراطية»، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري من أي حضور في جنيف. وكان الأميركيون قد دفعوا حلفاءهم الأكراد إلى الإعلان على لسان المتحدث العسكري باسمهم طلال سلو انتهاء العملية العسكرية غرب الفرات، بعد سيطرتهم على سد تشرين، لطمأنة الأتراك أنهم لن يذهبوا بعيداً في اختراق ممر جرابلس ـ منبج ـ الباب، وتحقيق الوصلة الأخيرة بين كانتوني الحسكة في الشرق وعين العرب وعفرين في الغرب، ورسم كيان كردي في سوريا. ومن المنتظر أن تسهل هذه الخطوة الأميركية دمج الأكراد في وفد المعارضة السورية، إذ أن إقصاء الحليف الكردي عن العملية السياسية بعد كل ذلك لن يكون مقبولاً أميركياً، وهي نقطة التقاء أميركية ـ روسية، كما لن يكون مقبولاً لدى الأكراد إقصاءهم من حضور جنيف مرة ثالثة، وتمثيلهم بمجموعات قريبة من الأتراك والسعودية.
إلا أن مصير اجتماع جنيف بات معلقاً أكثر من أي وقت مضى على الموقف الروسي، الذي لم يجر تحديده علنا حتى الآن، كما لم يعرب الروس عن موقف علني واضح من انفراد مجموعة مؤتمر الرياض، السعودية ـ التركية، بالوفد التفاوضي. ويملك الروس في جنيف اليوم وغداً أرضية قانونية للمناورة، لاستعادة المبادرة من السعوديين، وتوسيع قاعدة تمثيل المعارضة السورية، وتغيير الوفد المعارض، وفرض توازنات في التمثيل تنهي احتكار الرياض وأنقرة للصوت السوري المعارض، وتفتح الباب أمام مجموعات أكثر استقلالاً، واقرب إلى القاهرة وموسكو. إذ ينص القرار 2254 على مرجعيات تفاوضية سورية متعددة هي الرياض وموسكو ولجنة القاهرة.
كما أن مرجعية فيينا تخول دي ميستورا تشكيل الوفد، إلا انه لا يملك الشجاعة السياسية الكافية لاستخدام صلاحياته، ومواجهة الأميركيين والسعوديين، وتسمية معارضين من خارج المظلة الأميركية ـ السعودية. وقد يضطر دي ميستورا في الأيام المقبلة لإنقاذ «جنيف 3» إلى اتخاذ المزيد من المبادرات لتنفيذ الوعود التي قطعها في دمشق وطهران، بأن يعمد إلى تغيير الوفد المطروح، وضمّ أسماء أخرى إليه من أجنحة المعارضة الداخلية والخارجية، وعدم الاكتفاء باللائحة التي قدمها «الائتلافيون»، شرط أن يحظى بتفاهم روسي ـ أميركي. ولن يكون بوسع الوسيط الدولي إلا الذهاب نحو تغيير الوفد خصوصا إذا ما طلب الروس ذلك منه.
ومن المنتظر أن ينضم إلى الاجتماعات مع الديبلوماسيين الأميركيين والروس والبريطانيين في جنيف، وفد من «مجلس سوريا الديموقراطية»، يتقدمه رئيسه المعارض هيثم مناع. ويطمح الوفد السوري إلى تقاسم التمثيل مناصفة مع «الائتلافيين»، والتشاور على ورقة مشتركة لا تكون ورقة الرياض. ويبدو اقتراح ضم أسماء إلى الوفد «الائتلافي» كهيثم مناع أو رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» صالح مسلم محمد، أو الأمين العام في «جبهة التغيير والتحرير» قدري جميل، اقتراحاً غير كاف لحل معضلة التمثيل المعارض. إذ أن ضم الأسماء من دون التفاهم على وجهة تفاوضية، لن يحل المشكل. إذ لم يتوقف «الائتلافيون» عن مهاجمة القرار 2254 الذي يعد خريطة الطريق إلى الحل، ولا عن انتقاد الروس، الراعي الأساسي إلى جانب الأميركيين للعملية، كما لم يتوقفوا عن فرض شروط مسبقة، تتعلق بالعملية الانتقالية. كما أن الآلية التفاوضية التي وضعها «الائتلافيون» بإيلاء القرار التفاوضي إلى هيئة عليا مقرها الرياض، لن يكون مقبولا لأنه يلغي كليا هامش الاستقلالية لأي طرف يقبل بالضم، وليس بتغيير الوفد وقواعد التمثيل، والمرجعيات.