IMLebanon

“الاستحقاق العوني”: مناطق “تمرّدت” على التفاهمات

 

tayyar-4

 

 

كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:

يوم الأحد المقبل يشرّع العونيون صناديق الاقتراع الحزبية لأوكسيجين المنافسة الداخلية، كي «يفشوا خلقهم» ويمارسوا حقهم الانتخابي الموعودين به منذ أكثر من عشر سنوات، بعدما حرمتهم «تزكية رئاسة» حزب «التيار الوطني الحر» متعة المنافسة الديموقراطية والوقوف على خشبة الاختبار الاقتراعي كي يحددوا بتلك القصاصة الصغيرة مسارهم ومصيرهم.

سيفاخر البرتقاليون بأنهم أبناء هذه الثقافة وأنهم مؤهلون لممارستها بكل روح رياضية لا تعرّضهم للتشققات الداخلية أو المناكفات القاتلة. كما سيتسنى لهم أن يثبتوا، بالورقة والقلم، أنّ النظام النسبي قابل للتطبيق حتى على مستويات صغيرة (الأقضية على سبيل المثال) ولا يحتاج الى «رؤوس اينشتاين» لاحتساب نتائجه، كما يشكو منه البعض، وأنه الأكثر تأميناً للعدالة التمثيلية.

لا حاجة لرصد حراك العونيين الانتخابي وكيفية تفاعلهم مع هذا الاستحقاق، ليتأكد أنهم «مدمنو معارك» كما يقول عنهم الأصدقاء وعارفوهم. التقطوا الفرصة الذهبية التي منحها اياهم النظام الداخلي، كي يستعرضوا عضلاتهم وفنونهم الانتخابية: زيارات اقناع للناخبين، منشورات ورقية وبرامج انتخابية وجداول المقترعين تجول بين ايدي المرشحين وماكيناتهم الانتخابية، وكأنها معركة الحزبَين «الديموقراطي» و «الجمهوري» للوصول الى البيت الأبيض، على حد وصف أحد أصدقاء «التيار».

وفق النظام الداخلي، يفترض أن ينتخب كل حامل بطاقة برتقالية يوم الأحد المقبل ثلاثة أوراق في ثلاثة صناديق انتخابية لاختيار: هيئته المحلية أي تلك المسؤولة عن البلدة أو القرية، هيئة قضائه، ومجلس قضائه. وبين هؤلاء كلهم، العين على منسّقي الأقضية كونهم سيشكلون مجتمعين مع مسؤولي المهن الحرة ولجنة الطلاب ولجنة الانتشار (سينتخبون في مرحلة ثانية)، المجلس الوطني الذي يعتبر بمثابة برلمان الحزب، والذي سيتولى بدوره انتخاب المكتب السياسي.. ولهذا معركته الكبرى.

ورغم كل هذه «البهرجة» الانتخابية، فقد يصعب على متتبعي خطوات استحقاقها إلقاء القبض على سمة سياسية معينة اعتقد البعض لوهلة أنها ستصبغ الانتخابات المنتظرة منذ زمن. هكذا تحولت «معركة الإصطفافين» التي كانت تحكم الاستحقاق الرئاسي قبل تخديره (سلطة ومعارضة) الى بعض «المباريات المحلية» في الأقضية حيث تختلط الصورة في كثير من الأحيان بلوائح مطعّمة من الفريقين، وفي حال كان الفرز واضحاً تجنّبت الجهتان خوضها على أساس محوريّ السلطة والمعارضة. في المقابل أغلقت التفاهمات المحلية في العديد من الأقضية صناديق الاقتراع وتركت نافذة المنافسة في بعض القرى والبلدات فقط.

بالنتيجة، حصرت المعارك الجدية في عدد محدد من الأقضية، وحالت التزكية أو شبه التزكية دون قيام لوائح مضادة في العديد من البقع الانتخابية، خصوصاً وأنّ القيادة الحزبية بدت ميالة الى خيار التوافقات المناطقية، لاعتبارات عدة دفعت بها الى تمييل دفة التفاهم على حساب المعارك المحلية.

وبدا في كثير من المواقع أنّ جبران باسيل لا يحبّذ منطق «المواجهات» بين أبناء صفّه، لا سيما في بداية عهده الرئاسي، لعدم الوقوع في مستنقع الاشتباكات بين حاملي البطاقات وبالتالي الخصومات الداخلية، وهو الذي يفترض به أن يكون رئيساً لكل الحزبيين، من محبين وكارهين، وتقضي مصلحته بالتالي استيعاب الجميع خصوصاً هؤلاء المصنفين في خانة المعارضة. فسجّل له أنه بذل جهداً في الكثير من الأقضية لتجنيب الطامحين، وكانوا كثراً، صعوبة الوقوف على حلبة المواجهة.

في المقابل، يقول معارضوه إنّه فضّل سلوك خيار «الحياد البناء» لكونه أصلاً غير قادر على قيادة معركة منظمة في كل المناطق لإيصال «رجاله» الى المواقع القيادية، ولذا حاول قدر الإمكان اعتماد لغة الديبلوماسية والتفاهمات حتى لو انتهت الى فوز معارضين له.

وثمة رأي آخر يفيد أنّ القطبة المخفية التي تبرر منطق «التقية» الذي اعتمده «اللاعبون الكبار» في أول استحقاق حزبي يواجههم، في مكان آخر، وتحديداً في معركة المكتب السياسي المؤجلة الى مرحلة لاحقة بعد تشكيل المجلس الوطني. إذ أنّ القيادة أو المعارضة التي تمنّعت عن خوض معركة شاملة وواضحة كما كان متوقعاً منها، حاولتا الابتعاد قدر الامكان عن الأداء الحاد الذي يفرز الناس بين الاصطفافين فيكونون اما مع القيادة واما مع المعارضة، وساد منطق الأخذ والرد والمشاورات الايجابية.

ولهذا بدا كل نائب أو قيادي معني بمنطقته قبل غيرها، وحريص على أن لا يخرج الاستحقاق من تحت عباءته، فنجح مثلاً كل من ابراهيم كنعان والان عون في رعاية التفاهم في المتن وفي بعبدا لتحصل التزكية في القضاءين، مع الإشارة الى أنّ المتن هو الخزان الأكبر لـ «التيار الوطني الحر»، وسيحمل منسقه (هشام كنج) أكبر كم من الأصوات التمثيلية في المجلس الوطني (40 صوتا)، يليه منسقا كسروان وجبيل (38 صوتا). كما تمكن باسيل من رعاية التفاهم في البترون.

أما تلك الأقضية التي ستشهد معارك فهي: عكار (طوني عاصي وايمن عبدلله)، جبيل (طوني بو يونس وطارق صادق)، كسروان (جيلبير سلامة واندريه قزيلي)، عاليه (أسعد صوايا وبول نجم وباسكال انطون) وبعلبك – الهرمل (فادي جريج وعمار انطون)، الأشرفية (جورج تشاجيان وجو نخال)، جزين (السيدة كمال شرفان وأسعد الهندي)، وسقط الشوف من لائحة المعارك مع أنّ ثمة طعناً مقدماً لكسر قرار التزكية الذي صدّرته القيادة.

وبطبيعة الحال، فإن لمعركة الأشرفية نكهة خاصة كونها تحصل بين «رفيقيّ الدرب» نيكولا صحناوي وزياد عبس، وكونها تعبّر عن خيارين مختلفين، أي بين حزبي يمثّل القيادة بصفته نائباً للرئيس، وآخر مشاغب، وبين لائحة مناضلين قدامى وأخرى لحزبيين جدد بمعظمهم.