سلوى بعلبكي
لطالما اتفقت آراء اللبنانيين والسيّاح العرب والأجانب على أن بيروت تعتبر من أغلى مدن العالم. لا يمكن الاستهانة بهذه الآراء، خصوصاً انها تأتي مدعومة بإحصاءات وتقارير عالمية، كان آخرها التقرير الذي أصدره موقع “نامبيو” للإحصاءات وحلّت فيه مدينة بيروت في المركز الثاني لأغلى عاصمة عربية (بعد الدوحة – قطر)، مع تسجيلها نتيجة 66,37 في مؤشر اسعارها الاستهلاكية، بما يعني أن الاسعار في العاصمة اللبنانية هي ادنى بـ 33,63 % من أسعار مدينة نيويورك.
يصنف موقع “نامبيو” مدن العالم، استناداً الى مؤشر أسعار الإستهلاك لدى كل منها عند مقارنته بمؤشر أسعار نيويورك، إضافة إلى نشره إحصاءات عن أربعة مؤشرات أخرى: مؤشر أسعار الإيجار، مؤشر أسعار السلع Groceries، مؤشر أسعار المطاعم، ومؤشر القدرة الشرائية المحلية في المدن التي شملها الإحصاء. وفي هذا السياق، سجلت بيروت نتيجة 42,84 في مؤشر أسعار الإيجار، و49,10 في مؤشر أسعار السلع، و65,42 في مؤشر القدرة الشرائية، الامر الذي نفاه اكثر من مرجع اقتصادي.
لا يستغرب رئيس جمعية المستهلك زهير برو النتائج التي أوردها الموقع، وذلك في ظل عدم وجود قانون للمنافسة وسيطرة الاحتكار على الاقتصاد من كل جوانبه، توازياً مع سيطرة تحالف سياسي تجاري على هذه الاحتكارات. وفي ظل هذا الواقع، لا يرى برو أملاً في انخفاض الاسعار حتى وان انخفض سعر برميل النفط الى 10 دولارات، وكذلك سعر الأورو الى أدنى مستوياته. وإذ لفت الى أن ثمة 20 قطاعاً اقتصادياً في لبنان محتكرة من اصحاب المصالح، أشار الى أن هناك 3 دول عربية ( لبنان والعراق والسودان) لا تملك قانوناً للمنافسة وتعتبر في طليعة الدول التي تشجع على الاحتكار. وأكد أن لبنان سيبقى من أغلى الدول في العالم إذا لم يسنّ قانون للمنافسة، ولم تشكل هيئة مستقلة غير خاضعة للتجار والمزارعين، معتبراً انه في حال عدم توافر الارادة السياسية لتحقيق كل هذه الأمور، فإن الوضع سيبقى على حاله. وبرأي برو أن الاقتصاد المحتكر سيبقى مكبّلاً، لافتاً في هذا السياق الى تجربة تونس التي عززت المنافسة في قطاعاتها مما ادى الى انتعاش اقتصادها.
وإذا كان رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس لم يعط رأياً واضحاً بالنسبة الى تصنيف بيروت كثاني أغلى مدينة عربية، إلاّ أنه طمأن الى أن الصورة ستتبدل في العالم العربي مع رفع الدعم عن سعر المحروقات وبعض المواد الاساسية كونها تدخل في تركيبة الاسعار لعدد كبير من السلع، بالتزامن مع بدء العمل قريباً بمجموعة من الرسوم والضرائب غير المباشرة التي سترفع بنية الاستهلاك في الخليج العربي.
ولكنه اعتبر أن المؤشرات منطقية حيال التراجع الحاد لكلفة السلع طبقاً لما اكدته جمعية التجار قبل اعوام، ويتماشى مع المنحى الانحداري لسلة الاستهلاك كما تحتسبها ادارة الاحصاء المركزي (-4% خلال 2015). ولاحظ أن التدني في تكاليف الاستهلاك بدأ عام 2013 أي ما قبل بداية انهيار النفط عالميا، ومرد ذلك الى انخفاض الطلب الاستهلاكي من السيّاح المنكفئين عن زيارة لبنان، ومن المقيمين بسبب التباطؤ الاقتصادي والشحّ في المداخيل. وقد انخفض مؤشر اسعار السلع الاساسية بواقع 10 نقاط مئوية رغم الطلب المستجد من اللاجئين السوريين عليها. أما مؤشر الاستهلاك العام، فانخفض بنسبة بلغت 13 نقطة مئوية كونه يشمل سلعاً اخرى لا سيما الكماليات التي سجلت أداء سيئاً حيال الطلب المتهاوي عليها خلال الاعوام المنصرمة. توازياً، بقي مؤشر اسعار الايجارات مستقراً بسبب الديناميّة الخاصة بسوق العقارات (عرض وطلب)، والضياع المستجد في قطاع الايجارات. اما الخبر السار الذي استنتجه شماس من التقرير، فهو ارتفاع مؤشر القدرة الشرائية بنسبة كبيرة تجاوزت الـ 23 نقطة مئوية، وذلك لسببين اساسيين: تراجع اسعار الاستهلاك من جهة ومفاعيل التصحيح الأخير من جهة أخرى.
المطاعم: الاسعار لم تتبدل منذ 3 اعوام!
المطبخ اللبناني هو من اهم نقاط الجذب السياحية التي يتسم بها لبنان، ولكن ذلك لا يبرر الاسعار المرتفعة في المطاعم، والتي سجلت ثاني أعلى مؤشر (68,66) بين العواصم العربية. إلا أن رئيس نقابة اصحاب المطاعم طوني الرامي لم يقتنع بهذه النتيجة لأسباب عدة، منها ان الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تمر فيها البلاد لا تسمح للمطاعم برفع اسعارها. كما أن زيادة عددها أدت الى تغذية المنافسة في ما بينها، فالزبون الذي يجد نفسه مغبوناً في مطعم ما فإنه لن يعود اليه مرة أخرى. واكد أن المطاعم تلبّي متطلبات الزبون ووضعه المادي، إذ يمكنه أن يجد وجبة من 10 دولارات الى 100 دولار. ولكي يدحض ما يقال عن انها ترفع اسعارها، اشار الرامي الى أن وزارة السياحة باشرت قبل 3 أعوام تنفيذ تدبير جديد يفرض على صاحب المطعم الذي يود أن يرفع اسعاره، بأن يقدم الى الوزارة لائحة بالاسعار المعدّلة لتصديقها، وهذا ما لم يحصل خلال هذه الفترة. من هنا يستغرب الرامي اعتبار مطاعم بيروت بين الاغلى عالمياً، مشيراً الى أن اسعار المطاعم في دبي أغلى من بيروت بخمسة أضعاف، فيما الاسعار في الاردن أغلى من بيروت بضعفين.
أما بالنسبة إلى تطور أسعار الإستهلاك في لبنان، فتبيّن وفقاً للموقع أن “مؤشر الأسعار الإستهلاكية في مدينة بيروت تراجع خلال الأعوام القليلة المنصرمة من 79,27 في مؤشر كلفة المعيشة لعام 2013 الى 73,62 في مؤشر 2014، و69,86 في مؤشر 2015، و66,37 في مؤشر 2016”.
إضافة الى ذلك، تراجع كل من مؤشر أسعار السلع Groceries Index، ومؤشر أسعار المطاعم في بيروت خلال الفترة الممتدة بين عامي 2013 و2016، في حين تحسّن مؤشر “أسعار الإيجار” و”القدرة الشرائية المحلية” في مؤشر كلفة المعيشة لسنة 2016 بعد وتيرة التراجع التي شهدها في الأعوام السابقة.