IMLebanon

“إعلان النيات” بين الرابية ومعراب.. إلى “الأفعال”

geagea aoun

 

كتبت ملاك غقيل في صحيفة “السفير”:

منذ منتصف تشرين الثاني الماضي، تاريخ انعقاد اللقاء الباريسي بين سليمان فرنجية وسعد الحريري، تسلّح ميشال عون بصمت مطبق. اعتكف كلّيا عن الظهور على منبر الرابية بعد اجتماعات «تكتل التغيير والاصلاح». قاطع الشاشات حتّى «البرتقالية»، تاركاً لنوابه ووزرائه هامشا محدودا في التعبير عن تداعيات المفاجأة الحريرية ـ السعودية واندفاع فرنجية الواضح حيالها!

ميشال عون مستمرّ في سياسة الصمت حتى إشعار آخر. يترك للمخيّلات ان «تشتغل» في مآل المبادرة الرئاسية وترشيح سمير جعجع له وشروطه لإعادة تفعيل الحكومة ومصير علاقته مع الرئيس نبيه بري وحليفه سليمان فرنجية… لكنه مرتاح الى حدّ الارتياب من جانب كل من التقاه مؤخراً.

ما سرّ هذا الهدوء غير المفهوم لدى المرشح رقم واحد لرئاسة الجمهورية؟

صحيح ان «حيطان» العالم الافتراضي كشفت المستور وما يقال فعليا في الغرف المغلقة، إلا ان كل من كان يلتقي عون شخصيا كان «يسحب» منه كلاما يرتقي الى مستوى القناعات وليس «بيع الكلام»: «من أسمى الطموحات لأي سياسي ماروني هي رئاسة الجمهورية. فرنجية شاب طموح وذكي وحقه محفوظ في العمل على الوصول الى قصر بعبدا. عندما التقيته باركت خطوته وقلت له الله يوفقك، وفي الوقت نفسه ذكّرته بأنني لا أزال مرشّحا طبيعيا وثابتا للرئاسة والخطة ب ليست موجودة في قاموسي».

«الجنرال» لا يزال عند كلامه، يبارك ويتفهّم، حتى حين يصل اليه ما يتم تداوله عن حصول لقاء ثان بين فرنجية والحريري. الرابية، وفي وقت قياسي، تخطّت خضّة البيت الداخلي بإعلان فرنجية أنه «مرشّح أكثر من أي وقت مضى» وتظهيره عناوين خطاب القسم ومعايرته لزعيم أكبر تكتل مسيحي بأنه ذهب الى الحريري قبل عامين «طالبا للرئاسة، بعكسه هو»!

عمليا، همّ عون في مكان آخر تماما. بين تشرين الثاني وكانون الثاني انقلب المشهد رأسا على عقب. صرنا أمام معادلة كان يستحيل بعد العام 2005 أن تخطر على بال أحد حتّى بالاحلام والتنظير السياسي. في مقابل ترشيح سعد الحريري لفرنجية، يتحضّر سمير جعجع لدعم ترشيح ميشال عون للرئاسة. النتيجة غير مألوفة على سمع كل أرباب عهود ما بعد الطائف: حليفا السعودية يخوضان منازلة شرسة لتبني ترشيح حليفيّ سوريا لرئاسة الجمهورية!

وإذا كان البعض وجد تبريرات غبّ الطلب تكشف «أسرار» الاندفاعة السعودية تجاه فرنجية، ومنها التسريع في عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة وتعويمه سياسيا من ضمن سلّة مكاسب مسبقة تأتي قبل التسوية الشاملة في المنطقة من اليمن الى سوريا، فإن المتابعين لمسار التقارب القواتي ـ العوني المتسارع والواعد بمفاجأة رئاسية من العيار الثقيل يجزمون بأن مفاعيل التفاهم المسيحي الثنائي تتجاوز بكثير مفاعيل مبادرة سوّيت على عجل من أجل «تسوية أوضاع» رئيس حكومة سابق صار الوقت يلعب ضده والتطوّرات الاقليمية تأكل يوميا من «رصيد» عودته…

دخلت الرئاسة مجدّدا نفق التأجيل. هذا ما يدركه ميشال عون، لكن الأهمّ قناعته وإدراكه بأن إعلان سمير جعجع تأييده لترشيحه الى رئاسة الجمهورية لا يعني أبدا حيازته بطاقة المرور الى قصر بعبدا، لكن مسيحيا يكمن كل الموضوع.

بهذا الترشيح سيكون المسيحيون أمام مشهد انقلابي مغاير، ليس فقط لحقبة الاقتتال المسيحي العسكري والسياسي ثم ختم الجرح بـ «إعلان النيات» التي وضعت حدا لصراع عمره ربع قرن، بل تسلّحهم من الآن وصاعدا بما يشبه «براءة ذمّة» من تهمة لاحقتهم والتصقت بأدائهم ومسيرتهم بشقّ الصفّ المسيحي وشطر المسيحيين بين محورين ومعسكرين… سيكون المسيحيون أمام سلّة من التفاهمات المسيحية الرئاسية و «توابعها» تتجاوز مفاعيل «النيات» الى «الافعال» وتختصر بجملة واحدة: جبهة رئاسية مسيحية واحدة ممهورة بتوقيع عون وجعجع. فريق مسيحي قادر على وقف مشاريع الاستفراد التي تحاك خلف ظهر المسيحيين. وأهم من كل هذا، إقرار سمير جعجع بأن عون هو مرشّح المسيحيين الى الرئاسة.

من زار الرابية مؤخرا خرج بانطباع يرتقي الى مستوى خطة عمل المرحلة المقبلة: ليس هدف ميشال عون الرئاسة في الوقت الحالي. تفاهم الثنائي المسيحي هو معبر إلزامي لما هو أهمّ من قصر بعبدا. تقارب كهذا يفترض ان يقود الى رؤية مشتركة لقانون انتخابي يبصم عليه المسيحيون. تجرى الانتخابات على أساسه ثم يعود لهذا المجلس ان ينتخب رئيس الجمهورية إنطلاقا من «خيار المسيحيين أولا». ولا بأس من ان تنتج هذه الانتخابات كتلة مسيحية وازنة عونية ـ قواتية لا شركاء «طفيليين» فيها، تكون شريكة أساسية على طاولة القرار مع الكتلتين السنّية والشيعية..

كل ذلك، وميشال عون بحكم المتيقّن والعارف بأنها اللحظة التاريخية الوحيدة التي اتيحت للبنانيين بأن «يصنعوا» رئيسهم بيديهم من دون اي تدخلات خارجية. المشكلة فقط ان ثمّة فريقا لم يستوعب بعد هذه «الهدية»، لا بل يرفضها مع الشكر!

على جبهة الحكومة، كما على جبهة الرئاسة. عون هو العقدة والحلّ. صحيح ان لا مؤشّرات لمواجهة متجدّدة مباشرة مع قائد الجيش على خلفية التمديد له لمرّتين متتاليتين، إلا ان شروط عون لإعادة تفعيل الحكومة على حالها: التعيينات الامنية والعسكرية على رأسها قيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي مع رفض الفصل بين الممدّد لهم وبين المواقع الشاغرة، والتمسّك بالآلية الحكومية المتفق عليها. العقدة الاساسية تكمن عمليا في الشرط الاول.

لكن ثمّة من أوصل كلاما صريحا الى الرابية مفاده: بعد ان دخلت الرئاسة مجددا في ثلاجة الانتظار، اصبح السكوت عن تفعيل الحكومة بمثابة جرم يرتكب بحق الدولة والمواطنين. هناك قضايا حياتية يفترض تمريرها ولا خلاف سياسيا عليها. إذا انتخب رئيس قريبا ستحلّ المشكلة بحيث سيليه تعيين قائد جيش وكافة التعيينات. أما في حال العكس ففي 30 ايلول المقبل سينتهي مفعول تأجيل تسريح العماد جان قهوجي، وفي التاريخ نفسه ينتهي مفعول التمديد لرئيس الاركان اللواء سلمان، وقبلهما تنتهي الولاية الممدّدة لامين عام المجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير في 21 آب من العام الحالي. وبالتالي بداية من آب سيفتح الباب مجددا على مصراعيه بشأن التمديد للقادة الامنيين وستكون مناسبة لحسم الموضوع، خصوصا ان اللواء سلمان وبعكس قائد الجيش الذي لا يزال لديه (بعد 30 ايلول) سنة واحدة في الخدمة العسكرية (تجيز تأجيل تسريحه) فإن اللواء سلمان مع تجاوز هذا التاريخ يكون قد استنفد كل سنوات خدمته في السلك العسكري مما يفرض حتما تعيين بديل له.