كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
يستعدّ لبنان لتقديم ورقة مطالب جديدة الى مؤتمر لندن للنازحين السوريين، وسط عدم ارتفاع الآمال في استجابة الدول المانحة الى المطالب اللبنانية التي تحمل في طيّاتها لغماً لم يتنبه إليه أحد.بعدما شعر الأوروبيّون بحجم الخطر الذي خلّفه النزوح السوري، تحرّكوا في اتجاه الشرق وزار قياديّوهم لبنان، خصوصاً أنّ ثاني أكبر موجة هجرة سورية الى أراضيهم حصلت من الموانئ اللبنانية.
وقد نشطت في الأشهر الماضية تجارة نقل النازحين بطريقة غير شرعية، حيث استغلّ التجّار مأساة الحرب من جهة ورغبة النازحين في حياة كريمة في أوروبا من جهة ثانية، وعملوا على خط البحر اللبناني- أوروبا ناقلين أعداداً من المواطنين عبر تركيا بطريقة غير شرعية، مع ما حملته هذه الرحلات من مخاطر.
وعلى رغم أنّ القارّة العجوز طلبت أعداداً من النازحين نظراً لحاجتها الى تجديد شبابها وتشغيل معاملها بعدما شاخت وباتت نسبة الوفيات في بعض البلدان توازي وتتفوّق على نسبة الولادات، إلّا أنها استشعرت بالخطر لناحية الأعمال الارهابية التي تُهددها، وكان أبرزها التفجيرات التي هزّت باريس، والخوف من تغيير وجه أوروبا المسيحي، مع تعالي الأصوات المحذّرة من هذا الخطر على الهويّة وخصوصاً في فرنسا والنروج.
وفي خضمّ كل هذه المعطيات، تستكمل العاصمة البريطانيّة لندن تحضيراتها لتنظيم مؤتمر الدول المستضيفة للنازحين، ومن المقرر أن ينعقد في 4 شباط المقبل بمشاركة رئيس وزرائها ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء النرويجي ينس ستولتنبيرغ وعدد من الزعماء الأوروبيين وممثلين عن الدول المستضيفة للنازحين في الشرق ومن ضمنها لبنان.
وفي هذا الإطار، سيتمثّل لبنان في المؤتمر برئيس الحكومة تمام سلام، وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب، في حين سيغيب عنه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس المتخصّص في هذا الملف.
وقد وضع لبنان لمساته الأخيرة وتعديلاته على ورقته التي سيرفعها الى الدول المانحة، وتتضمن الورقة، إضافة الى المطالب التي رفعها سابقاً الى مؤتمري برلين والكويت، بنوداً جديدة لعلّ أبرزها وأخطرها المطالبة بإنشاء مشاريع واستثمارات من أجل خلق فرص عمل للنازحين السوريين بما لا يتعارض مع القوانين اللبنانية. ويأتي الطلب اللبناني بعد صدور قرار العودة الطوعية للنازحين الى بلادهم عن مجلس الامن الدولي.
وتكمن خطورة المطلب اللبناني، فيما لو لاقى استجابة، في أنّ هذه المشاريع التنموية والإستثمارات الإقتصادية ستحتاج الى يد عاملة ستكون بالتأكيد من النازحين لأنها خلقت من أجلهم، وبذلك حتى لو هدأت الحرب السورية، لن يعود هذا النازح الى بلاده، لأنّ لقمة عيشه باتت مؤمنة في لبنان وهو أساساً مخيّر بالعودة وليس مجبراً، ولم يكن يعيش «نعيماً» في بلده أيام السلم، لذلك لن يعود الى سوريا وسيصبح وضعه مثل اللبناني الذي يهاجر للعمل الى بلدان معينة ولا يفكّر بالعودة الى وطنه.
امّا الخطورة الثانية في هذا المطلب، فتتمثّل في أنّ الدولة اللبنانية العاجزة عن تلبية حاجات مواطنيها وعن التخطيط ووضع موازنة عامة والتي تهمل مناطق الأطراف مثل عكّار وبعلبك والهرمل، باتت ترسم سياساتها وفق حاجات النزوح القسري، وتتعاطى كأنّ هذا العامل أصبح ثابتاً في خططها المستقبليّة وأمراً واقعاً، في حين يجب أن يكون مطلب إعادة النازحين إلى بلادهم، هو الأولوية.
أمّا العامل الذي يدعو الى القلق الإضافي، فيتمثّل في أنّه وبعدما غزا السوريّون سوق العمل اللبناني بطريقة غير شرعية وسط امتعاض لبناني، هناك اتجاه لشرعنة عملهم، برعاية دولية، ما يعتبر توطيناً مبطّناً من الصعب أن يتخلّص لبنان منه لاحقاً.
تحاول الدولة اللبنانيّة من خلال مطلب تنفيذ مشاريع واستثمارات لتوفير فرَص عمل للنازحين، تأمين الإكتفاء الذاتي لهم بدل اتّكالهم على الدولة العاجزة أصلاً والتي لا تصلها المساعدات الكافية، لكنّ هذا الامر يسرّع اندماج النازحين في المجتمع اللبناني ويجعل وجودهم أمراً واقعاً وجزءاً من الحركة الإقتصاديّة للبلد، لذلك يجب أن يتركّز الاهتمام على عودتهم الى بلادهم أو أقله تحمّل المجتمعين العربي والدولي مسؤولياته في هذا الشأن.
في وقت يجب الاستجابة سريعاً لبقية المطالب التي يرفعها لبنان الى مؤتمر لندن، وعلى رأسها تأمين البنى التحتية التي يحتاجها لبنان، لكنّ الأساس يبقى إيقاف الحرب السورية وعودة النازحين الى بلادهم.