مارسيل محمد
تعمل الحكومة اللبنانية على حل أزمة النفايات بكل الطرق الممكنة. فقد تم اقتراح إعادة فتح مطمر الناعمة لفترة مؤقتة بهدف استيعاب كمية النفايات المنتشرة في الشوارع، وأحياناً أخرى طرح اللجوء الى تركيب محارق علمية، أو الطمر في أماكن انتشار الكسارات والمقالع في الجرود، وصولاً الى خيار الترحيل. وتأتي هذه الخيارات في إطار عملية إدارة الأزمة ومعالجتها. لكن الحكومة تطرح دائماً وجهة نظر علمية لا مجال للشك فيها وتسوقها على انها خياراتها التي تعمل عليها لكن الممارسة الحقيقية للحكومة لا تكون وفق النظرة العلمية. الطروحات التي عرضتها الحكومة اصطدمت بصعوبات التطبيق جراء تعقيدات التركيبة الإدارية للمؤسسات الحكومية والدستورية، ومنها الحكومة نفسها التي فقدت ثقة المواطن وأفقدته ثقته بمؤسسات الدولة بشكل عام. ووصل الأمر الى حد رفض المواطنين لأي من خيارات الحل مهما كان علمياً. وهو ما عبّر عنه وزير الصناعة حسين الحاج حسن في كلمته في المؤتمر الوطني لمعالجة وادارة النفايات في لبنان، الذي عقد اليوم الثلاثاء في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية – الحدث. حيث أشار الحاج حسن الى ان “هناك الكثير من الالتباسات التي زرعت في عقول اللبنانيين حول ملف النفايات في لبنان”، مضيفاً ان “هناك الكثير من الناس لا يتحدثون بطريقة علمية خصوصا عندما يرفضون المحارق بالمطلق. حتى خيار الترحيل اعتبره البعض خيارا غير اخلاقي، والبعض الآخر يعتبر المطامر والمحارق خيارا غير بيئي، فما هو الحل اذا؟”. كان من المفترض على الوزير الحاج حسن أن يجيب بنفسه على سؤاله، كونه جزءاً من الحكومة التي فشلت في إدارة أزمة النفايات والكثير من أزمات البلد. فرفض الناس للحلول المقدمة ليس رفضاً للحلول بحد ذاتها، وإنما للمماطلة بحل الأزمة والتنقّل بين خيار وآخر وفق قواعد غير علمية. والدليل على ذلك، رمي النفايات في مكبات عشوائية تحت جنح الظلام في المناطق بالاضافة الى أزمة الأسعار المرتفعة التي ظهرت في المناقصات السابقة التي ألغيت تحت ضغط الحراك الشعبي. في السياق نفسه، يرى عدد من طلاب الجامعة اللبنانية ان ما يتساءل عنه الوزير هو بالتحديد ما يجب ان توضحه الحكومة. وحديث الوزير عن المحارق لا يمكن ان يُصدّق ما لم يسبق الحرق فرزٌ من المصدر. ويشير أحد طلاب هندسة الميكانيك في الجامعة اللبنانية مصطفى الأخضر، لـ”المدن”، الى ان هناك أزمة ثقة بين الدولة والمواطن، هي التي تجعلنا نرفض المحارق او المطامر او الترحيل، ومشكلة الثقة تسبق أزمة النفايات، فعلى سبيل المثال، هناك مشكلة النفايات الطبية التي تُرمى مع النفايات، وهذه مشكلة قديمة لم تجد لها الدولة حلاً، وهي اليوم تضاف الى أزمة النفايات وتصعّب عملية الفرز. اما اذا تم الحرق بوجود النفايات الطبية، فذلك سيؤدي الى نشر مواد سامة”، ويضيف الأخضر ان “الدولة دائماً تعطينا صورة جميلة عن الحلول التي تقدمها، وتريدنا أن ننام ونسكت عمّا يجري”. أزمة الثقة عبّر عنها رئيس الجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين من خلال دعوته الحكومة الى “اطلاع الرأي العام على حقيقة انعكاس ازمة النفايات على صحة المواطن وسلامته”، معتبراً خلال كلمته في المؤتمر ان “جلاء الحقيقة يبين الحقوق والمسؤوليات والواجبات المترتبة على الدولة وعلى المواطن وماهية العمل المطلوب لحماية الصحة العامة من هذه الأزمة”. ولتبيان تقصير الدولة في مجال معالجة أزمة النفايات، والتأكيد على موقف المواطنين الصحيح في عدم الثقة بالدولة وبحلولها، ذكّر السيد حسين بعدم معالجة الحكومة لملف مطمر الناعمة منذ العام 2010، حين ارتفع الصوت بعد إمتلاء المطمر في العام 2008، متسائلاً “لماذا لم يعمل بالحلول اللازمة، ولماذا بقيت الازمة تتفاعل حتى العام 2015 والى يومنا هذا”، داعياً الى “تفعيل وتحديد المسؤولية من الناحية القانونية”. المؤتمر يهدف الى إيجاد طرق علمية لمعالجة الأزمة، ولهذا الغرض، أقام المؤتمرون 4 جلسات عرضوا خلالها الأمور التقنية والمشاريع المقترحة للحل، وكيفية إدارة الملف بالطرق الصحيحة. لكن طبيعة المؤتمر العلمية لا تأخذ بالحسبان المعوقات الإدارية والسياسية، التي تشكل أساس أزمة النفايات وأساس أزمة الإدارة في كل القطاعات. ولأن الازمة الاساسية هي ازمة سياسية فذلك يعني ان المقترحات العلمية التي سيقدمها المؤتمر على شكل توصيات “بعد 10 أيام” على حد تعبير الحاج حسن، هي تكرار لنقاط معروفة مسبقاً وطرحها خبراء بيئيون منذ ما قبل الأزمة الحالية. اما مصير المقترحات، فهي “الحرق” السياسي، وقد أكد الحاج حسن ذلك عبر قوله لـ “المدن” ان “هذا المؤتمر هو مؤتمر علمي بحت”، والتساؤل عن أسباب عرقلة حل الأزمة “هو أمر سياسي”.