سلام طرابلسي
تكمن إحدى أهم نتائج اكتشاف النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية، بربط هذا الاكتشاف بقطاعات إنتاجية أخرى، يمكنها المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة التي يتوق اليها اللبنانيون منذ زمن بعيد. إلاّ أن هذا الملف عالق بسبب الخلافات السياسية التي تُجمّد إقرار مرسومي النفط والغاز المتعلقان بتحديد الرقع البحرية ودفتر الشروط واتفاق الاستكشاف والإنتاج.
وبرغم أهمية المخزون اللبناني، الا انه “لا يمكن إعطاء معلومات دقيقة عن حجم مخزون النفط والغاز”، وفقا للخبير النفطي ربيع ياغي الذي أوضح لـ”المدن” أنه “من المفترض أن يكون حجم المخزون في لبنان مواز للمخزون المكتشف في “إسرائيل” أي بحدود 30-32 تريليون قدم مكعب، وهذا رقم تقديري ولا يثبت إلاّ بعد عملية التنقيب والاستكشاف والاكتشاف”.
اما الاسعار فتتفاوت بين بلد وآخر، ويقول ياغي ان “الاسعار تحسب بناء على “الكالوري” من نوع “بي تي يو”، ومليون “بي تي يو” في اليابان سعره 15 دولار، في حين يبلغ سعره في الولايات المتحدة 3 دولارات”. ويخلص الى أن “الاسعار تحدد وفقا للموقع الجغرافي، والجهة الذي سيذهب إليها الغاز”.
لكن للوصول الى إستغلال المخزون اللبناني بطريقة صحيحة ومفيدة للبنان، على السلطة “تحريك ملف النفط والغاز”، وذلك وفقا لرئيس لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه محمد قباني، الذي رأى في حديث لـ”المدن” أن الحل يكمن بإجتماع “اللجنة الوزارية المختصة بهذا الملف، والتي يرأسها رئيس الحكومة تمام سلام، وأن تُقِرّ المراسيم”. وبنظره فإن “الخلافات السياسية تؤخر إقرار المراسيم”.
الخلافات المتراكمة جرّت قباني للحديث عن منظومة الفساد التي تحكم كل ما له علاقة بالحكومة. واعتبر قباني انه “لم يعد يجوز الإكتفاء بالكلام النظري عن ثقافة الفساد، ومن الضروري الانتقال الى الكلام المباشر”. هذا “الكلام” مطلوب، في جميع الأحوال، لكن المستغرب هو التوقيت المتأخر للحديث عن الفساد، وتحديداً في قطاع النفط والغاز. لكن ما هو مستغرب أكثر، هو إطلالة قباني على ملف الفساد في قطاع النفط والغاز، من باب “دفاتر السوق”، مشيراً الى ان هناك فساداً في هذا القطاع، وانه سيلتقي وزير العدل أشرف ريفي “الأسبوع المقبل، لتسليمه ملف يتعلق بمسألأة محددة”، أي بقضية الفساد في هذا القطاع. وامتنع قباني عن إعلان أسماء الفاسدين، لأنه، وفق ما يقوله لـ “المدن”،”لا جدوى من إعلان إسم او إسمين، وهناك مئات الفاسدين”، لكنه أكد ان “معالجة الفساد بحاجة الى وقت، وسنبدأ بالملفات الأخرى خطوة خطوة”.
الحديث عن الفساد يستدعي حُكماً الحديث عن التفتيش المركزي، بوصفه الجهة الرقابية التي يفترض بها متابعة هذه القضايا في مؤسسات الدولة. لكن التفتيش يُخبر عن حاله من خلال إعلان المفتش العام المالي صلاح الدنف لمجموعة “بدنا نحاسب”، أن “هيئة التفتيش لم تجتمع منذ 11 شهرا”، وعليه كيف ستحقق وتحول ملفات الفساد الى القضاء وهي لم تلتئم أصلا منذ مدة؟، بالتالي كيف ستتم الرقابة والمحاسبة والمساءلة؟.
عموماً، سواء أطلّ قباني على ملف الفساد في إدارة النفط والغاز من بابه الواسع، أو غمز من شباك دفاتر السوق، الا ان ما صرّح به يعتبر بمثابة إخبار للنيابة العامة المالية أو القضائية (حسب نوع الجرم). وشهادته كافية لتتحرك النيابة العامة وفقا، بحسب ما أوضح الخبير القانوني نزار صاغية، في حديث لـ”المدن”، شارحا أن “كتم المعلومات يُشكّل جرما، وطالما أن قباني لم يتطرق الى أسماء أو أشخاص فعلى النيابة العامة استدعاءه والاستماع اليه للحصول على المعطيات المتوافرة لديه، لأن من واجبها صون النظام العام في البلد، ومحاولة وقف الجرائم الحاصلة”.
ما هو واضح حتى الآن، هو غياب دور الاجهزة الرقابية والقضائية في ملفات مليئة بتشابك المصالح السياسية، كملف النفط والغاز. ومن يريد التصويب على ذلك من السياسيين، لا يملك الجرأة على التصويب المباشر وعلى تسمية الأشياء بمسمياتها. وأقصى ما يمكن فعله، هو التلويح بخيوط أزمة أو فساد، وكأن الأمر لم يصل بعد الى حد نخر جسم الدولة.
إذن، دفاتر السوق باتت مدخلاً للحديث عن فساد في قطاع مستجد، ويمثل في الوقت عينه رافعة الإقتصاد اللبناني. وإذا كان الفساد في قطاع النفط يُعالج بمكافحة الفساد في قطاع السير، فهل ينفع قانون السير في إدارة قطاع النفط، وتسيير مرفق يدر ملايين وربما مليارات الدولارات؟.