كذلك فإنّ التوقعات المتوسطة الأجل ضعيفة نتيجة لضعف الانتاجية وشيخوخة السكان والآثار التي ترتبت عن الازمة المالية العالمية- وإذا تطلّعنا الى الخريطة العالمية والتوقعات للعام ٢٠١٦ نرى أنّ الولايات المتحدة تتصدّر القائمة بنسبة ٢،٨ بالمئة تتبعها المملكة المتحدة بينما نرى الاسواق الناشئة والدول في طور النموّ في وضعية لا بأس بها ويساعد في ذلك النموّ المرجو في الصين والهند وغيرها من الدول الآسيوية- وتبقى المخاطر كبيرة لا سيما أنّ تغيّرات هامة يمكن أن تعطل الانتعاش العالمي وأهمها وحسب تقرير World Economic Outlook:
١- انخفاض أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى على الرغم من استفادة مستوردي هذه السلع ما يعني تعقيد التوقعات بالنسبة للمصدّرين لا سيما روسيا وڤنزويلا ونيجيريا.
٢- تقلّب الاسواق المالية ما قد يعني انعكاساً في اتجاه تدفقات رأس المال في الاقتصادات الناشئة.
٣- تباطؤ الاقتصاد الصيني بنسب كبيرة.
٤- زيادة سعر صرف الدولار ما يشكل مخاطر متزايدة في ميزانية الاقتصادات الناشئة حيث ديون الشركات الأجنبية قد ازدادت بدرجة كبيرة على مدى السنوات القليلة الماضية.
٥- زيادة التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا والشرق الاوسط وبعض أنحاء افريقيا ما يؤثر سلباً في الثقة.
هذه الامور مجتمعة تشكل عائقاً هاماً أمام النموّ الاقتصادي العالمي وترخي بظلالها على العديد من الدول وقد تكون وحسب التقديرات عائقاً امام الاقتصاد الاميركي في هكذا بيئة ووسط مؤشرات متراجعة لا سيما للشركات الاميركية المتواجدة في الصين كذلك التباطؤ في الصين والذي هو مصدر قلق عميق لأنّ عدداً من الاقتصادات تعتمد بصورة متزايدة على الصادرات الى الصين من أجل نموّ الناتج المحلي.
كذلك، وحسب صندوق النقد الدولي تعتبر الصين مصدراً شكّل ٣٥ بالمئة من النموّ العالمي للسنوات الخمس الماضية ودائماً حسب الصندوق من المتوقع أن تشكل الصين ٣٠ في المئة من النموّ في العام ٢٠٢٠.
لذلك وفي خضمّ هكذا توقّعات مبنيّة على جملة أمور لها من الأهمية ما يجعل الدول تسعى جاهدة من أجل رفع مستوى الانتاجية الفعلية وتتطلّب مجموعة إصلاحات هيكلية في مختلف الاقتصادات الناشئة منها والمتقدّمة على السواء، وجب القول إنّ اولويات السياسة العامة تبقى جملة إصلاحات في بيئة معقّدة ومع بلدان تواجه صعوبات سياسية واقتصادية.
فالاقتصادات المتقدّمة ما تزال بحاجة الى سياسات نقدية تسهيلية لاحتواء مخاطر القطاع المالي كذلك عليها اعتماد الحوافز الضريبية، مثل المانيا، لتعزيز الاستثمارات العامة- كذلك الاسواق الناشئة والتي تواجه تبايناً كبيراً عبر البلدان وحسب ظروف الاقتصاد الكلّي ومراعاة صدمات اسعار السلع الاساسية وانخفاض قيمة العملة وغيرها من الامور التي تجعلها عرضة لتقلبات قد تكون في بعض الاحيان مصيرية.
لذلك لا بدّ لهذه الدول من تنويع اقتصاداتها وإجراء إصلاحات هيكلية لزيادة الإنتاجية وتنويع قواعدها التصديرية- وهنا بالتحديد واقع الدول المصدرة للنفط والتي تعتمد في ايراداتها على أسعاره ما يعني مخاطر تراجع في النموّ وتجميد استثمارات وغيرها من الامور التي تتأثر من تراجع اسعاره. هذا ورفع البنك الدولي من قلقه بصفة خاصة إزاء حال فتور أداء الاقتصادات الناشئة هذه.
هكذا قد يكون الانتعاش من الكساد الذي حلّ بالاقتصاد العالمي نتيحة الأزمة المالية عام ٢٠٠٨ مخيّباً للآمال وإن كان مجرد توقعات شأنها شأن جميع هكذا عمليات أيْ محاطة ودائماً بسحابة من عدم اليقين- ويبقى القول إنه وحسب العديد من الاقتصاديين لا سيما كارمن رينهارت التي أعربت عن قلقها من وضعية الأسواق الناشئة واعتبرت أنّ زيادة اسعار الفوائد قد تؤدّي الى تدفّقات رأس المال بشكل اكبر ممّا هو متوقّع وعموماً ما يكفي لإثارة ازمة لهذه الدول.
لكن وعلى رغم كلّ شيء إنها تواجه مشكلات خطيرة ولأسباب اخرى الأمر الذي يشكل تفاقماً في اضطرابات الأسواق المالية وعلى سبيل المثال روسيا مع انخفاض اسعار النفط الخام والبرازيل بسبب الازمة السياسية الداخلية وڤنزويلا التي تشكو من هاتين المشكلتين في آن معاً.
هذه هي الصورة العامة منذ الأزمة المالية- الدول الغنية تشهد نمواً بطيئاً وغير مكتمل وبشكل متفاوت لا سيما إذا ما قارنّا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من ناحية وباقي اوروبا من ناحية اخرى والاقتصادات الناشئة والتي شهدت وتيرة نموّ منذ العام ٢٠١٠، تُعتبر وبشكل نسبي أسرع من الدول الغنية.
ولكنّ هذه المجموعة تواجه وحسب البنك الدولي صعوبة تصحيح وضعف في الأداء طال أمده مع العلم أنّ صندوق النقد الدولي يتوقع لهذه الاقتصادات نموّاً متزايداً قد يصل الى ٤،٥ بالمئة.
تبقى هذه الأمور توقعات إنما وفي المدى القريب والمتوسط ترخي بظلالها على الاقتصاد العالمي لا سيما أنّ أسباب التباطؤ موجودة وحلولها قد تأتي انما يلزمها وقت وظروف سياسية ملائمة كما يلزمها تغييرات هيكلية في الأداء الإقتصادي للعديد من دولها الغنيّة منها والناشئة.