Site icon IMLebanon

تحديات سياسية واقتصادية تواجه المصارف العربية

baraka
عقد الرئيس التنفيذي لمجموعة “البركة” المصرفية والرئيس السابق لاتحاد المصارف العربية عدنان يوسف مؤتمرا صحافيا في فندق “فينيسيا”، تناول فيه التطورات في المنطقة وآثارها على الاقتصاد والقطاع المصرفي العربي.

وعرض يوسف خمسة محاور رئيسية، أولها ما يخص أداء الاقتصاديات العربية، فقال: “بلغ حجم الناتج المحلي الاجمالي الاسمي لمجمل الدول العربية حوالي 2.8 تريليون دولار في نهاية سنة 2014، ومن المتوقع أن ينخفض إلى حوالي 2.4 تريليون دولار في نهاية العام 2015، لكنه يتحسن قليلا خلال العام الحالي إلى 2.5 تريليون دولار. وقد شهد الاقتصاد العربي تراجعا بانخفاض متوسط نمو الناتج المحلي الحقيقي خلال العام 2014 إلى 1.3%. ومن المرتقب أن تسجل المنطقة العربية متوسط نمو حوالي 3% عام 2015 و4.1% عام 2016. مع الاشارة إلى التفاوت الكبير في أداء الدول العربية بسبب عوامل عدة من أهمها التراجع الكبير في أسعار النفط، والذي مثل نعمة لبعض الاقتصاديات العربية، فيما مثل مشكلة جدية لاقتصاديات عربية أخرى، كذلك التطورات الأمنية والسياسية”.

أضاف: “وفيما يخص اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي، وبسبب تراجع الايرادات النفطية يتوقع تراجع نمو الناتج المحلي للتعاون الخليجي من 3.7% عام 2013 إلى 3.3% عام 2014، ومن المتوقع ان ينخفض إلى 3.1% عام 2015 ويتحسن قليلا مجددا 3.4 % عام 2016. أما الحساب الجاري، وفي ظل فرضيات أسعار النفط الحالية، يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع الايرادات النفطية المتوقعة في العام 2015 بحوالي 287 مليار دولار وهو ما يعادل 21% من الناتج المحلي الاجمالي. وفيما يخص المحور الثاني وهو المصارف العربية، فإننا نرى أن القطاع المصرفي العربي حقق أداء جيدا خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2015، ونتوقع ان يكون هذا الأداء قد استمر طول العام الماضي”.

وأشار الى أن “متوسط نسبة نمو موجودات القطاع المصرفي العربي بلغ حتى نهاية سبتمبر 2015 حوالي 7%، وتخطت الموجودات المجمعة للمصارف العربية عتبة 3.3 تريليونات دولار، اي ما يوازي 135% من حجم الاقتصاد العربي مقابل 3.05 تريليونات دولار في نهاية 2014. كما تخطت الودائع المجمعة للقطاع المصرفي العربي مبلغ 2.1 تريليون دولار، فيما فاقت قروضه مبلغ 1.7 تريليون دولار مع نهاية شهر سبتمبر 2015. ويدير قطاعان مصرفيان عربيان حاليا موجودات تزيد عن نصف تريليون دولار وهما الامارات والسعودية يضاف إليهما ثلاثة قطاعات تدير موجودات تزيد عن ربع تريليون دولار وهي مصر وقطر والعراق”.

ولفت الى أن “معظم القطاعات المصرفية العربية حققت نسب نمو جيدة في الموجودات خلال الفصول الثلاثة الاولى من العام الحالي. فعلى سبيل المثال زادت أصول القطاع المصرفي الاماراتي بنسبة 5.1%، والسعودي بنسبة 4.3%، والعماني بنسبة 12.6%، والقطري بنسبة 6.3%، والمصري بنسبة 11.6%، والأردني بنسبة 5.5% والسوداني 6.3%. وحققت المصارف العربية المزيد من التطور على الصعيد العالمي خلال العام 2015، حيث أدرج 83 مصرفا عربيا في قائمة أكبر 1000 مصرف في العالم بحسب الشريحة الاولى لرأس المال (Tier 1). وقد بلغت الميزانية المجمعة لهذه المصارف حوالي 2.24 تريليون دولار ومجموع الشريحة الاولى لرأس المال 248 مليار دولار. وضمت القائمة 19 مصرفا اماراتيا و12 مصرفا سعوديا و9 مصارف لكل من قطر ولبنان والبحرين، 8 مصارف كويتية، 5 مصارف في كل من مصر وسلطنة عمان، 4 مصارف مغربية، مصرفين أردنيين ومصرف واحد في ليبيا”.

وفيما يخص المصارف الخليجية، وهو موضوع المحور الثالث، فذكر أن “التوقعات تشير إلى نمو مجموع اصولها بنحو 10% لتناهز 1.8 تريليون دولار ومجموع حقوق الملكية 259 مليار دولار خلال العام 2015”.

وقال يوسف: “نحن نرى أن التراجع في اسعار النفط لم يشكل أي مشكلة نظامية بالنسبة للقطاع المصرفي في دول مجلس التعاون حتى الآن، حيث استمر في تحقيق نسب نمو ايجابية. إن أحد الاسباب الرئيسية لهذا الامر هو استمرار حكومات دول مجلس التعاون في ضخ السيولة في الاسواق من الاحتياطيات المالية واستمرارها في تمويل المشاريع الاستثمارية ومشاريع البنية التحتية ما شكل مصدرا اساسيا للسيولة للقطاع الخاص، وبالتالي استمرار حركة الإيداع في المصارف”.

أضاف: “المحور الرابع هو نظرتنا لأسواق النفط خلال العام 2016، حيث تشير التوقعات إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية خلال العام الحالي، بعدما تراجع من 66 دولارا للبرميل إلى أقل من 38 دولارا خلال عام 2015. وتتوقع معظم المصادر بما فيها منظمة الاوبك ان هذا التحسن سيكون مدعوما بتباطؤ الإمدادات مع خروج منتجين من السوق، كذلك مواصلة تحسن أداء الاقتصاد الأميركي وبعده الاقتصاديات الأوروبية ومن ثم الاقتصاديات الناشئة ومن بينها الصين والهند، فضلا عن تراجع الاستثمار العالمي في صناعة النفط. وتؤكد هذه التوقعات دراسة لبنك “سوسيتي جنرال” حيث تشير إلى عودة التوازن بين عوامل العرض والطلب في بداية النصف الاول من العام 2016 لكي يرتفع سعر البرميل ليصل إلى 50 دولارا للبرميل الخام برنت في النصف الأول من العام الحالي، ثم إلى 55 دولارا للبرميل في الربع الثالث، و60 دولارا في الربع الرابع. كما لا ننسى ان تحسن قيمة الدولار الذي ترتبط به العملات الخليجية يعني إن قيمة هذه العملات سوف ترتفع أيضا، وبالتالي سوف ترتفع قيمة إيراداتها الفعلية من النفط بنفس النسبة مما ينعكس إيجابا على الحساب الجاري لهذه الدول”.

وتابع: “المحور الخامس والأخير هو توقعات العام 2016، ونحن نرى ان التراجع المتوقع في النمو الاقتصادي للمنطقة العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص والتي تمثل إيراداتها النفطية أهم مصدر للسيولة في أسواقها، سوف يؤدي على المدى المتوسط إلى آثار ملموسة على أداء المصارف العربية. لكن معظم سيناريوهات أسعار النفط للعام 2016 كما ذكرنا تتوقع عودته للتحسن خلال العام 2016. كما ان معظم الدول العربية بما في ذلك دول الخليج تبنت نهجا يحافظ على الانفاق على مشاريع البنية التحتية والخدمات وتركزت بنود ترشيد النفقات على برامج الدعم المعمم والنفقات الاستهلاكية. لذلك، فإن ذلك يخلق بيئة أكثر ملاءمة للمصارف العربية وخاصة الخليجية، لكن يظل تحدي انخفاض السيولة في الأسواق قائما وله آثاره على المصارف تتمثل في التراجع في نسب نمو الودائع والسيولة المتوفرة، وبالتالي استمرار التراجع في الائتمان المقدم إلى الاقتصاد خصوصا مع ضغوط زيادة الاستدانة الحكومية من البنوك وكذلك استجابة بعض المصارف المركزية العربية لرفع سعر الفائدة الأميركية باتخاذ خطوات مماثلة”.

ولفت يوسف إلى أن “بعض التحليلات تشير إلى أن بعض المصارف المركزية الخليجية قد تعمد إلى ضخ سيولة بشكل مباشر للمصارف لتعويض التراجع في السيولة المتأتية من الأسواق”، مشددا على أنه “رغم تلك التوقعات فإن القواعد الرأسمالية للمصارف في دول مجلس التعاون سوف تحافظ على متانتها، ولن تتأثر بالأوضاع الاقتصادية. وتؤكد ذلك وكالة موديز للتصنيف الائتماني، حيث ترى أن الإنفاق العام سيواصل دعمه لبنوك دول مجلس التعاون الخليجي، مما يتيح بقاء المرونة في الاداء لعام 2016، إلا أن السيولة ستستمر في التقلص. وأشارت الى أن النظرة المستقبلية للقطاع المصرفي الخليجي لعام 2016 تتسم بالاستقرار. وعلى الرغم من موجة التراجع التي تسبب بها انخفاض أسعار النفط، إلا أنه من المتوقع ان تسود بنوك دول مجلس التعاون الخليجي بيئة عمل داعمة وعلى نطاق واسع في عام 2016 بسبب التزام الحكومات بسياسات الانفاق التي تعني بمواجهةالتقلبات الدورية”.

وذكر أن “وكالة موديز توقعت أن ينمو الائتمان بنسبة تتراوح ما بين 4 إلى 10% في الوقت الذي تتسبب فيه القروض الجديدة للحكومة من البنوك المحلية بتعرض القطاع الخاص للتراجعات، وهو ما يساعد على دعم الربحية والهوامش، أما الإيرادات الأساسية فستبقى قوية، وهي مدفوعة بالوساطة المصرفية مع الاعتماد الضئيل على المشتقات الائتمانية”.

وقال: “أما بالنسبة إلى ان القطاعات المصرفية العربية غير الخليجية، خاصة في كل من لبنان والأردن ومصر والمغرب وفلسطين، فنتوقع أنها لن تواجه مخاطر جدية خلال عام 2016 بسبب تأقلمها مع الأوضاع السياسية المضطربة واعتمادها استراتيجيات محافظة وتنويع محافظها الائتمانية، بالإضافة إلى الجهود الرقابية الكبيرة لتعزيز الاستقرار ومنها على سبيل المثال الاجراءات المتعددة التي اعتمدها البنك المركزي المصري لوقف التلاعب بسعر صرف الجنيه ومكافحة السوق السوداء وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي. وعلى الرغم من انكشاف بعضها على الديون السيادية بشكل كبير كحالة لبنان مثلا، فلن يؤثر هذا الأمر على وضعيتها على المدى القصير والمتوسط بالحد الأدنى، بسبب الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي النسبي الذي تتمتع به حاليا”.

أضاف: “نختتم هذه الكلمة بالتأكيد أن الفترة المقبلة سوف تكون مليئة بالتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والمصرفية، وعلى الحكومات العربية أن تمد يدها للمصارف العربية من أجل التعاون والتنسيق بشكل أوثق لمواجهة هذه التحديات، خاصة أن المصارف العربية تمتلك إمكانيات وموارد كبيرة تؤهلها للعب دور أكبر في مواجهة تلك التحديات على ان تبادر الحكومات العربية الى فتح كافة قنوات الحوار والتنسيق والتعاون مع المصارف العربية بهدف التوصل إلى طريق مشترك وموحد تتمكن فيه من أداء دورها على الوجه الأفضل لمواجهة تلك التحديات”.

وعن الوضع الاقتصادي اللبناني، قال: “لدينا ثقة بأن الحكومة اللبنانية ستؤدي الديون المتوجبة عليها، وسيكون لبنان بإذن الله دولة مصدرة للبترول قريبا”.