كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
في سابقةٍ قلَّ نظيرُها، إنْ لم نقُل عَدُم نظيرُها، سَرقت محكمة التمييز العسكرية اللحظة الحامية سياسياً وأمنياً واجتماعياً و”ولّعَت” مشاعر اللبنانيين بخبَرٍ نزلَ كالصاعقة على الأحرار منهم، وأفرجَت بلمحِ البصر عن ميشال سماحة لتؤجّجَ النار في قلوب الوطنيين الصادقين المصِرّين على الصمود والبقاء في هذا الوطن الضحية… فاختاروا المواجهة.السياسيون الأحرار رفعوا سقف مواجهتهم، ولا سيّما الأقطاب الذين اعتبَروا القرار تشريعاً للجريمة. الرئيس سعد الحريري لعنَها، رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تَوعّدها، النائب وليد جنبلاط أدانها، وزير العدل أشرف ريفي نعاها، وزير الداخلية نهاد المشنوق هدّدها، والنائب مروان حمادة تبرأ منها…
وفي وقتٍ أعلنَت المنظمات الطالبية في “14 آذار” المواجهة ميدانياً على وقعِ قطعِ الطرق في كورنيش المزرعة وقصقص وخلدة ومناطق عدة، آثرَت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين التعبير عن سخطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودانت محكمة التمييز العسكرية وقرارَها بأقسى العبارات وأشنعِها ولم تبالِ بالعواقب، إذ حسب قولِ أحدهم: “كيفَ لا ومَن اعترف جهاراً بنيتِه تفجيرَنا أصبح حرّاً طليقاً بينَنا وبثقة يُنبئ اللبنانيين بأنّه سيعود… إلى العمل السياسي!”.
وقد زادت غضبَ اللبنانيين إطلالةُ سماحة الواثقة من منزله في الأشرفية قادماً من سجن الريحانية ومتخَفّياً بسيارة داكنة، لتنفرجَ أساريره أمام عدسات المصوّرين، ويتحدّث بثقة غيرَ آبِه بقرار المحكمة التي منَعته من التصريح أمام الإعلام، إلّا أنّه صَرّح وندّد ووعَد بالعودة إلى العمل السياسي.
فكيف طغى قرار محكمة التمييز العسكرية على غليان المشهد العام؟ وهل كان يحقّ لها إصدار هكذا حُكم باسم العدل وباسم الشعب اللبناني، فتُباغِته بقرار صاعق يخلي سبيل سماحة الذي أدانه معظمُ الشعب اللبناني الذي تلقّى عيدية في السَنة الجديدة، هدية مضافة توّجت رزمة نفاياته فوَقف أمامها مذهولاً وعاجزاً عن ترحيلهم و… ترحيلها.
وفي أوّل تعليق للنائب مروان حمادة على إطلاق سماحة، قال لـ”الجمهورية”: “منذ زمن قطعتُ الأمل بالقضاء اللبناني، ولولا ذلك لما لجأنا في معركة قانونية ودولية شرسة إلى فرضِ محكمة دولية للتحقيق والحكم في قضايا الاغتيالات التي ارتكبَها حلفاء ميشال سماحة”.
أمّا مفتي الشمال مالك الشعّار فقال لـ”الجمهورية” إنّه يتمنّى “أن يتّخذ القضاء دورَه في كلّ الأمور وألّا يَصدر حكم إلّا من القضاة، وأحترم أيّ حكمٍ يَصدر من القضاء اللبناني فقط”، متمنّياً أن يأخذ القضاء دورَه بكلّ أبعاده من دون أن يتأثر بأيّ أمر سياسي.
وفي سؤالنا عمّا إذا كان خائفاً بعدما أصبح سماحة حرّاً، أكّد أنّه “دائماً يتوكّل على الله”، آملاً أن يعمّ الأمن والسلام في هذا الوطن، مفضّلاً عدمَ التعليق أكثر بالقول: “الإشارة تغني عن الإيضاح”.
بدورها توضح مصادر قانونية أنّ هذا القرار صادر عن المحكمة العسكرية التي تُعتبر من المحاكم الاستثنائية، والتي هي بحاجة ملِحّة إلى التعديل في قوانينها، في وقتٍ يؤكّد القرار الخَللَ الكبير الذي يتحكّم بالمؤسسات الأمنية، وهذا الحكم يستدعي إعادة النظر في قوانين الأحكام العسكرية في لبنان ولا سيّما بعد مشاريع قوانين عدة طرِحت منها مشروع القانون الذي قدّمته “القوات اللبنانية”، بالإضافة إلى قوانين اخرى قُدّمت، تطالب بإلغاء المحكمة العسكرية.
ومن هنا ترى المصادرُ أنّ هذه المحكمة لا يجب أن تتولّى من الآن فصاعداً الملفات الحسّاسة التي لها علاقة بالأمن القومي اللبناني.
وفي السياق علّقَ رئيس “حركة التغيير” إيلي محفوظ على الحكم بالقول: إنّ الذي يضع كفالة بمئة وخمسين مليون ليرة وكأنّه في قرارةِ نفسِه يَشعر بالذنب وهو يبرّر هذا الشعور بالذنب برَفع قيمة الكفالة المالية، مقابل قرار إخلاء السبيل”، مضيفاً: “حتى لو رَفعت المحكمة قيمة الكفالة إلى 500 مليون فالمشَغّل الأساسي لميشال سماحة الذي يُجنّد أساساً عملاء يَدفع لهم ثمنَ المتفجّرات، من السهل عليه دفعُ مئة ألف دولار وهو ثمن زهيد بالنسبة إليه”.
وعلى رغم التحرّك الذي تدعو إليه المنظمات الطالبية في “14 آذار” يبقى السؤال الذي يقضّ مضاجعَ الأوفياء والأحرار في لبنان: هل ستستكين روحُ الشهيد وسام الحسن بعد هذا القرار أم سيَلفظ أنفاسَه الأخيرة من القبر مجدّداً وهو ينعي العدل الذي استشهد لأجل احيائه؟