كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”: “سوف اتابع عملي السياسي بشكل طبيعي وإخلاء سبيلي حقي القانوني”. لم تصدر هذه الجملة عن سجين سياسي تم الإفراج عنه بعد انقضاء فترة محكوميته، ولا عن رجل ينتمي الى مؤسسات الدولة اختلس اموالا عائدة لها قبل أن تظهر براءته. بل صدرت عن رجل مخابراتي امني، ضُبط بالصوت والصورة وهو يوزّع مهام الاغتيال والتفجير في اكثر من منطقة وتحديدا بهدف ايقاع فتنة مذهبية خصوصاً وأن النيّة كانت معقودة على استهداف رجال دين وسياسيين ينتمون إلى جهة سياسية واحدة ومذهب ديني محدد.
أمس قررت محكمة التمييز العسكرية اطلاق سراح المجرم ميشال سماحة الرجل الثاني في هرمية عصابة يقودها اللواء في تركيبة النظام السوري الأمنية المجرمة علي المملوك، حيث كان يقل بنفسه المتفجرات في صندوق سيارته من سوريا الى لبنان قبل ان تُلقي شعبة “المعلومات” القبض عليه في العام 2012 حيث قضى في السجن فترة محكومية لم تتجاوز الثلاث سنوات وستة اشهر علماً أن الجرم بحد ذاته الذي ارتكبه هذا الإرهابي لصالح نظام لا يكن سوى العداء والقتل للبنان وممارسة الإرهاب بحق أبنائه، يجب ألا تقل عن عشر سنوات.
لم تذهب الفترة التي أمضاها سماحة في سجنه هدراً او سُدى من دون أن يتعلّم خلالها أصول توجيه الإتهامات العشوائية والتفنّن في لغة التخوين واستبدال إتهام الآخرين بالعمالة لإسرائيل بـ”الداعشية” موضة الحلف “الممانع” الجديدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، هل خرج سماحة من سجنه من دون العودة اليه، أم ان مصيره سيبقى معلقا الى حين ان تُعلن محكمة التمييز العسكرية قرارها النهائي وهو إما بالموافقة على إخلاء السبيل بشكل كامل، وإما بمضاعفة الحكم؟.
المحامي فؤاد شبقلو يُشير في هذا الصدد إلى أنه “وخلافاً للهيجان الحاصل بين اللبنانيين على خلفيّة إخلاء السبيل، فإن قاضي التمييز قد طبق القانون خلافا، وذلك لسبب قانوني أن مدة المحكومية استنفدت بالتوقيت وبمدته، لأن سنة الحكم هي تسعة أشهر وليست اثني عشر شهرا، ولذلك فأن مدة الحكم البدائي انقضت”، لافتاً إلى أنه “كان على المحكمة إما ان تخلي سبيله بحكم القانون، أو إنتظار تعيين جلسة لمحكمة التمييز ذات طبيعة مستعجلة لمحاكمته ونقض الحكم أو التطبيق، وعلى هذا الاساس يُمكن إعادة ادخاله الى السجن اذا كان حكم التمييز أشد من حكم البداية”.
ولفت إلى أن “حكم التمييز ما زال مفتوحا وعلى المحكمة العسكرية أن تُسرّع في المحاكمة وأن تُعيّن جلسة للمرافعة وتبادل اختتام المحاكمة التمييزية إذا طالت مدتها وترك الدعوة للحكم”، مؤكداً أن “مفوض الحكومة ميّز الحكم والدعوى اليوم هي أمام محكمة التمييز، ولا نستطيع إلا أن نسلك الدرب القانوني، وهذا الطريق هو إنتظار انعقاد محكمة التمييز بالسرعة التي تأخذها جلسات المحكمة العسكرية. إذا نحن بإنتظار انعقاد محكمة التمييز بأقصى سرعة لإنهاء المحاكمة التمييزية وأخذها للحكم”.
وعمّا إذا كان الحكم الصادر بحق سماحة كافياً للجرم الذي ارتكبه، شدد شبقلو على أن “الحكم البدائي الذي صدر عن المحكمة العسكرية كان مخففا وقد تساهل القضاء كثيرا في ما خص مدة العقوبة، فجريمة من هذا النوع كان يُفترض أن لا تقل محكوميتها عن عشرة أعوام”، مضيفاً: “ولكن أمام فترة الحكم أو التوقيف، استنفد الحكم البدائي مدته فلم يعد يستطيع القاضي إبقاءه قيد التوقيف لا من خلال مذكرة توقيف ولا في حكم العقوبة، ولذلك كان اخلاء السبيل وفق القانون”.
وعلى الرغم من توقعه تسريع البت تمييزاً في هذه الدعوة، إلا أنه أنكر معرفته مصير الحكم الذي سوف يصدر في هذا المجال، فبرأيه “أن المطلعين على الملف هم أدرى إذا كان يستأهل عقوبة مشددة اكثر ام تصديق الحكم”، مؤكداً أن “محكمة التمييز لا علاقة لها بحكم البداية وهي لم تدلِ برأيها في الدعوى ولذلك فلنثق بكل القضاء وفي الوقت المناسب نطلق مواقف التصويب والتصحيح واستدراك الحكم المجحف”.
في إختلاف الأحكام الصادرة بين محكمة الجنايات الجزائية وتلك التي تصدر عن المحكمة العسكرية الدائمة، يقول المحامي ماجد فيّاض “عندما تطلب النيابة العامة النقض في قضايا الجنايات، فإن المحكوم عليه يبقى موقوفا بحكم هذا النقض إلى أن تُقرّر محكمة التمييز تخلية سبيله. أما امام المحكمة العسكرية، فانه عند إنتهاء فترة المحكوم بها الشخص المعني، إذا كانت النيابة العامة العسكرية قد قدمت طلب نقد بحقه على اساس الادانة، فإن المحكمة تكون ملزمة بتخلية فترة محكوميته مع إنتهاء الفترة المقررة إلّا اذا أصدرت محكمة التمييز العسكرية قرارا بإبقائه موقوفا”.
وفي حين رفض بعض رجال القانون التعليق على مسألة إستحقاق سماحة الفترة التي حُكم عليه بها من عدم استحقاقه خصوصاً لناحية نوعية الجرم الذي ارتكبه، يشرح فيّاض الآتي: “الجرم الذي كان مسنداً اليه كان جرما يتألف من عدة جرائم بعضها تصل عقوبته الى حد الإعدام، وإعادة المحاكمة اليوم أمام محكمة التمييز العسكرية على الرغم من تخلية السبيل عملاً بالمادة 75 من قانون القضاء العسكري، يجعل بإمكان محكمة التمييز العسكرية أن ترفع العقوبة التي حكم بها أمام المحكمة العسكرية الدائمة من جديد إلى ما هو أقصى مما حُكم به”، مشيراً إلى أنه “يمكن إستبقاء العقوبة على ما هي عليه ولكن يتوجب انتظار الحكم النهائي عند صدوره مُبرماً عن محكمة التمييز العسكرية”.
لا صك براءة لسماحة حتّى ولو تم الركون في نهاية المطاف إلى الحكم المُخفّف الذي أصدرته المحكمة العسكرية. يقول فيّاض “هو مُخلّى سبيله لقاء كفالة ضامنة تبلغ 150 مليون ليرة لبنانية، وهذا يعني انه ما زال في المعنى العام في حالة استمرار المحاكمة وأنه على ذمة التحقيق، ولمصلحة التحقيق تم إتخاذ تدابير احترازية كسحب جواز سفره ومنعه من التحدث إلى الإعلام”.