كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
مصادر أمنية لبنانية مسؤولة تُعلّق على التسريبات الإعلامية أخيراً عن إمكان حصول اغتيال سياسي من النوع الكبير في لبنان، بإجابة تُبرز المعطيات الآتية:أوّلاً- هناك نوعان من المعلومات التي تَرِد إلى الأجهزة من مصادرها الداخلية أو الخارجية: الأوّل يأتي على شكل تقدير موقف للوضع السياسي وتطوّرات سياسية مرتبطة بأطراف معيّنة تشكّل خطراً على لبنان. ويتضمّن النوع الثاني معلومات مادّية ومعطيات بالأسماء والأماكن عن خلايا معيّنة تستعدّ لتنفيذ عمليات إرهابية…
وبالنسبة إلى ما يُشاع عن توقّع حدوث اغتيال سياسي كبير في لبنان، تقول المصادر عينُها إنّها تملك معلومات تنتمي إلى الصنف الأوّل؛ أي أنّها تستند على تقدير موقف للوضع السياسي اللبناني الداخلي وعلى أوضاع تحصل خارجه وداخل بيئات الإرهابيين.
لا يعني ما تَقدّم أنّه يمكن الاستخفاف بهذه المعلومات أو برَصانتها، على رغم أنّها تقدير موقف سياسي، وليست معلومات مادّية فيها تحديد لأسماء معيّنة وخلايا تريد تنفيذ هذه الجرائم.
وفي مثل هذه الحالة يجب النظر إلى مصادر هذه المعلومات لتحديد ما إذا كان وراء تسريبها غايات سياسية مثل تخويف السياسيين، أو حضّهم على إعطاء أولوية في قراراتهم في هذه المرحلة باتّجاه معيّن، أم أنّ غايتها فعلاً الحِرص على أمن البلد وتنبيه المستويات الأمنية والسياسية فيه إلى ضرورة رفع درجات اليقظة في وجه احتمالات معينة متوقّعة أو مرشّحة الحدوث.
وبالانسياق وراء متابعة المعلومات المتوافرة والمحذِّرة من وقوع اغتيال سياسي كبير، والمبنية معطياتُها على «تقدير موقف»، يتّضِح بحسب محافل ديبلوماسية متابعة للوضع الأمني في لبنان (وليس مصادر أمنية لبنانية)، أنّ هناك غير سيناريو إرهابي متداوَل قد يحدث في لبنان، بينها حصول اغتيالات سياسية. والشخصيات المرشّحة لأن تطاولَها هذه الاعتداءات محدّدة بأسماء عدّة، بعضُها يُحتمل اغتياله لأنّ استهدافه سهل من الناحية الأمنية، كون الحماية الأمنية التي تحيط به هشّة أو أقلّه ليست محكَمة.
والغاية من استهداف هذا النوع من الشخصيات هو خلقُ مناخ تحريضي وصِدامي في الشارع اللبناني واغتيال مسار التهدئة الناتج في جزء منه عن حوارات عين التينة بين «المستقبل» و«حزب الله».
أمّا الجزء الثاني من الأسماء المرشّحة للاستهداف، فيضمّ خصوصاً شخصية سياسية رسمية يؤدّي اغتيالها إلى نقل الفراغ السياسي الجزئي والمقنع الراهن في البلد إلى فراغ شامل. ومع التحفّظ عن ذِكر اسمِ هذه الشخصية، تقول معلومة ديبلوماسية إنّ إحدى الدول العربية أبلغَت منذ شهرين هذه الشخصية بوجوب اتّخاذ أقصى درجات الحيطة خلال تنقّلاتها لأنّه يتوقع استهدافها بغرضِ إغراق لبنان في فراغ دستوري ومؤسساتي شامل.
ثانياً – بمتابعة مسار التقدير الأوّلي المنسوب إلى مصادر أمنية لبنانية مسؤولة عن وجود معلومات مادّية موثقة بالأسماء والجهات التي تريد تنفيذ اغتيال سياسي كبير في لبنان، تؤكّد المصادر عدمَ وجود معطيات مادّية، بل تقدير سياسي يَستند إلى متابعة أجواء مختلفة على صِلة باحتمالات الواقع الأمني اللبناني. وتضيف أنّ لبنان يشبِه رجلاً مريضاً، وعليه يمكن توقّع تعرّضِه لانتكاسات، سواءٌ كبيرة أو صغيرة.
ولكن وفقَ المعلومات المادية التي تَملكها هذه الأجهزة فإنّ أكبرَ جهة معرّضة لأعمال إرهابية ضدّها في هذه المرحلة هي مؤسّسة الجيش اللبناني نفسه، وذلك على مستوى كلّ عناصره.
وتكشف هذه المصادر، ضمن هذه الجزئية، أنّ تجسيدات هذه النظرية تنَفّذها حاليّاً كلّ مِن «جبهة النصرة» و»داعش»، خصوصاً في بلدة عرسال. فهاتان الجماعتان الإرهابيتان انتقلتا أخيراً إلى حرب ضد الدولة اللبنانية في عرسال، ويقود تنفيذ هذه الخطة من جانب «داعش» مسؤولها العسكري في البلدة الملقّب «أبو الفوز» الذي أعطى أوامر لجماعته داخل البلدة بتصفية أيّ مواطن عرسالي يُشتبه بتعاونه مع أيّ جهاز أمني لبناني. وبالفعل نفّذَت مجموعة تصفيات بحقّ لبنانيين عرساليين كان آخرهم شخص من آل الحجيري ومؤهّل في فرع المعلومات.
وتؤكّد معلومات أمنية أنّ «داعش» أبلغَت مخاتير البلدة أنّهم سيواجهون الموت إذا اشتبهت بأنّ لهم أيّ صلة بالدولة اللبنانية وبأيّ جهاز أمني فيها ولو حتى كان مخفر درك.
وفي الوقت نفسه، تصعّد «داعش» انطلاقاً من عرسال عمليات استهداف تحرّكات آليات الجيش اللبناني في تلك المنطقة، حيث تنصبُ كمينَين بالمفخّخات بمعدّل كلّ أسبوع. ويعيش أهالي عرسال هذه الفترة حالاً من الخوف من أن يُصدر «أبو الفوز» في أيّ لحظة أمرَ إعدام بحقّ أيّ مِن مواطنيها بتهمة التعامل مع الدولة اللبنانية.
إلى ذلك تتعاظم معاناة أهالي عرسال حاليّاً نتيجة تزامُن عمليات التصفيات بتهمة العلاقة مع الدولة، مع حرب انتقام ضروس تدور في عرسال هذه الفترة بين «داعش» و«النصرة». فعلى رغم أنّ الأخيرة هي أكثر عدداً، لكنّ «داعش» تنجَح في تأكيد حضورها القوي داخل البلدة من خلال المبالغة في ارتكاب الجرائم وترهيب المناخ العرسالي العام.
وتأتي الحرب بين هذين الطرفين في عرسال وجرودها كاستتباع للحرب الدائرة بينهما داخل سوريا، والمتّسِمة بالتصفيات المتبادلة، وذلك في كلّ المناطق التي يتشاركان الحضور فيها، وخصوصاً في مخيّم اليرموك للّاجئين الفلسطينيين القريب من دمشق.
وأخيراً حاوَلت «النصرة» «اغتيالَ «أبو الفوز» في عرسال ردّاً على سلسلة اغتيالات «داعش» لرموزها في البلدة وفي سوريا، لكنّ الأخير نجا من انفجار اعترضَ سيارته، وتسَبّب بقطع يدِه وفقَ بعض المعلومات.
ثالثاً – ضمن البانوراما التي تعرضها مصادر مسؤولة في الأجهزة الأمنية اللبنانية للواقع الأمني الراهن في لبنان وتحدّياته الملِحّة، تؤشّر إلى خطورة نوع آخر من النشاط الإرهابي المستشري والمتمثّل في انتشار العصابات الإجرامية الخطرة التي تُمارس أعمال الإتجار بالمخدرات والسلاح والخطف مقابل فدية ماليّة.
وترى أجهزة الأمن اللبنانية أنّ هذا النشاط الإجرامي ينتمي أيضاً للإرهاب، نظراً لعوامل عدة، منها أنّه يستغلّ الشَلل الموجود على مستوى انتظام عمل الدولة ويحاول توظيفَه في خدمة إنشاء حالة من «الجريمة المنظمة «، وأيضاً لأنّ بيئاته تقصدها الجماعات التكفيرية لتتبادلَ معها الخدمات، وأخيراً وليس آخراً لأنّ زعماء هذه العصابات يحتاجون لأيّ جهات تعمل خارج القانون من أجل التنسيق معها في تسيير أعمالها ونشاطاتها التي عادةً ما تكون عابرة للدوَل المحيطة.
وبدأت مخابرات الجيش أخيراً، توازياً مع حربها ضد الإرهاب التكفيري، بشنّ حرب ممنهَجة على عصابات الإجرام الآخذة في التحوّل جزءاً من عالم الجريمة المنظمة.
وتمثّلَت آخرُ الوقائع المتّصلة بالحرب على هذه الجبهة بالمهمّة التي نَفّذها الجيش اللبناني أمس في حي الشراونة في بعلبك والتي استهدفَت، بحسب معلومات «الجمهورية»، القبضَ على أخطر زعيم عصابة في لبنان «ع. دوري». ولكنّ الأخير نجَح في الإفلات من اعتقاله، حيث هرب من المنطقة عبر صعوده في باص لنقلِ التلاميذ.
وكانت مخابرات الجيش قبضَت أخيراً على زعيم عصابة آخر ويُدعى «ح. جعفر» وهو خاطفُ كلّ مِن إيلي الحاج موسى والمحامي سامر كامل. واللافت أنّ حمزة اختارَ أن يختبئ في منطقة المربع الأمني التابعة لقصر عين التينة. وحينما قُبضَ عليه كان نائماً في سيارته التي تركَ محرّكاتها تعمل!