ووصل هذا الإستياء إلى مستوى لوّحت فيه هذه الدول بفرض عقوبات على لبنان، ما يعني أنّ الشق الاقتصادي هو الذي سيدفع الثمن الكبير خصوصاً أنّ المملكة العربية السعودية قد فتحت حرباً واسعة مع إيران وذلك على جميع الأصعدة وتعتبر أنّ لبنان يعيش في فلك هذه الأخيرة. وإذا ما أخذنا فرضية العقوبات الإقتصادية على لبنان، يبقى السؤال عن قيمة الخسارة التي سيتكبّدها لبنان نتيجة هذه العقوبات؟
التبادل التجاري
يبلغ حجم التبادل التجاري بين لبنان ودول الخليج العربي (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المُتحدة، سلطنة عُمان، قطر والبحرين) 2 مليار دولار أميركي (أرقام العام 2014). وتحتلّ المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى في الشراكة التجارية مع لبنان الذي يستورد 2.03%، من مجمل إستيراده البالغ 20.49 مليار د.أ، من المملكة العربية السعودية ويُصدّر إلى المملكة 11.39% من مجمل تصديره البالغ 3.3 مليارات دولار.
وتأتي الإمارات العربية المُتحدة في المرتبة الثانية حيث يستورد لبنان 1.82 % من مجمل إستيراده منها ويُصدّر 9.66% من مُجمل تصديره. أما قطر، فتحتلّ المرتبة الثالثة مع إستيراد لبنان لـ 0.12% وتصدير 2.82%، ثمّ رابعاً الكويت مع 1.23% تصدير إلى لبنان وإستيراد 2.22% من لبنان، البحرين 0.08% تصدير إلى لبنان و1.01% إستيراد من لبنان. وفي المرتبة الأخيرة تأتي سلطنة عُمان مع تصدير 0.11% إلى لبنان وإستيراد 0.68% من لبنان.
وبالتالي يبلغ حجم إستيراد لبنان من دول الخليج 1.1 مليار دولار وحجم التصدير 0.92 مليار دولار إلى هذه الدول. ما يعني أنه وفي حال تمّ فرض عقوبات على لبنان، فإنه سيخسر بحدود المليار دولار من البضائع التي يُصدّرها إلى الخليج بحكم أنّ الإستيراد يُمكن إستبداله بسهولة مع دول مثل الصين وغيرها.
القطاعات المتضرّرة
يُصدّر لبنان إلى دول الخليج العربي المعدات الكهربائية والإلكترونية، الخضروات والفواكه والجوز وغيرها من المستحضرات الغذائية، الآلات، غلايات الماء، الكتب المطبوعة، الصحف، الصور، الأثاث، الإضاءة، العلامات، المباني الجاهزة، الأحذية، الجراميق وأجزاءها، الكاكاو ومحضرات الكاكاو، اللؤلؤ والأحجار الكريمة، المعادن، العملات، الزيوت الأساسية، العطور ومستحضرات التجميل، النحاس ومصنوعاته، الخضار الصالحة للأكل، جذور، درنات، المشروبات والمشروبات الروحية والخل…
وهذا يعني أنه في حال فرض عقوبات من قبل دول الخليج العربي، فإنّ قطاع الصناعات التحويلية والقطاع الزراعي سيتضرّران بشكل كبير وهما اللذان يُشكلان أكثر من 10% من الناتج المحلّي الإجمالي أيْ 4.7 مليارات دولار أميركي.
ولا يُمكن بالطبع القول إنّ هذا ما سيخسره لبنان نتيجة هذه العقوبات من ناحية أنّ التصدير إلى الدول العربية هو بحدود المليار دولار أميركي، كما أنّ مدى العقوبات غير مُحدّد وبالتالي فإنها ستكون تدريجية إلى حدّ أنها قد تصل إلى 1مليار د.أ.
التحاويل المالية من المغتربين اللبنانيين في الخليج
تبلغ قمية تحاويل المغتربين اللبنانيين إلى لبنان 7.5 مليارات دولار أميركي (2015). هذه التحاويل تتوزّع بحسب البلدان على الشكل التالي (World Bank, international Organization for Migration): الولايات المُتحدة الأميركية (21%)، أوستراليا (14.5%)، كندا (13.5%)، ألمانيا (9.8%)، السعودية (8%)، فرنسا (6.5%)، السويد (4%)، الدنمارك (2.5%)، بريطانيا (2.5 %)، البرازيل (2.5 %).
وتُشكل الدول العربية مُجتمعة 13% من مُجمل تحاويل المغتربين اللبنانيين إلى لبنان أيْ 975 مليون دولار أميركي. ما يعني أنّ لبنان قد يخسر مليار دولار في حال تمّ صرف كلّ العمال اللبنانين من الدول العربية أو تمّ حظر التحاويل إلى لبنان عبر عقوبات على مصرف لبنان (أسوء السيناريوهات).
خيارات لبنان
إنّ حجم الخسارة على لبنان في حال تمّ فرض عقوبات عليه (السيناريو السيّئ) هو مليارا دولار أميركي سنوياً آتية من وقف التصدير إلى هذه الدول ووقف التحاويل المالية من المغتربين اللبنانيين في هذه الدول. بالطبع يجب حساب حجم الإستثمارات الخليجية في لبنان والتي هي في أدنى مستوياتها وبالتالي، فإنّ وجودها تحكمه ضرورات إستراتيجية أكثر منها إقتصادية ما يعني أنها خارج الحسابات الاقتصادية.
على صعيد الناتج المحلّي الإجمالي، يُشكل المليارا دولار 4.26% من الناتج المحلي الإجمالي. أيْ أنه على لبنان وضع خطة لإستيعاب هذه الخسارة والتي قد تكون عبر المعاهدات التي وقّعها مع دول المركوسور كذلك مع روسيا ولما لا إيران. فدول المركوسور وحدها كفيلة بإستيعاب الإنتاج اللبناني كما عبّر عنه سفراء هذه الدول في لبنان ومجالس رجال الأعمال الثنائية.
وهذا الأمر يجب العمل عليه إبتداءً من الأن إذ لا يجب إنتظار حلول الكارثة لإيجاد مخرج لها. حيث يتوجّب على الحكومة اللبنانية وعلى مجالس رجال الأعمال الثنائية أن تقوما بمساعدة القطاع الصناعي والزراعي على إيجاد مشترين في أسواق بلدان المركوسور وفي روسيا.