كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
يبدو أن العمالة والإجرام في قاموس “حزب الله” وممارساته، يخضعان لمنطق الشتاء والصيف تحت سقف واحد وبالتالي تحوّلا إلى وجهتي نظر بحيث يُمكن أن يُصبح الشخص في الأولى “مقاوماً” وفي الثانية مظلوماً. وحكاية الحزب مع العملية الحسابية هذه، ليست وليدة الأمس، إنما تعود للعام 2000 يوم تحوّل العديد من العملاء لإسرائيل إلى مقاومين وأصحاب مراكز قرار في البلديات وغيرها.
بعد إعلان تخلية سبيل المجرم ميشال سماحة أمس الأوّل، وبعد صدور ردود فعل عفوية من معظم اللبنانيين مستنكرة هذا الإخلاء، انبرى قائد “فيلق” الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ليُدافع عن خروج ناقل المتفجرات بالقول “إن التصريحات الصاخبة والمبرمجة التي تعترض اليوم على قرار إخلاء سبيل سماحة، ليست إلا تعبيراً عن النكد والكيدية والإستنسابية التي ما انفك فريق المصرحين اليوم يمارسها في السلطة وفي التعاطي مع القضاء والإدارة والمال العام من دون أن يرف له جفن لأصوات المعترضين على الظلم والفساد والهدر وسوء الاستخدام للنفوذ والحكم”.
جعل “حزب الله” من المحكمة العسكرية “مزحة” أو طرفة يتداولها اللبنانيون في أحاديثهم اليومية بعدما ثبّت الاستنسابية في أحكامها التي أصبحت تُطبق على قاعدة، هذا ابن ست، وذاك ابن جارية. فبعد مهزلة الأحكام التي كانت طُبقت على عدد غير قليل من العملاء الذين تعاونوا لسنوات طويلة مع العدو الإسرائيلي ونكّلوا بأهل الجنوب ثم خرجوا بعد أشهر بكفالات مالية، ها هو الحزب يجعل من القضاء العسكري مجدداً، أضحوكة وألعوبة بيده بعد فضيحة خروج سماحة الذي كان قد اعترف قبل ثلاث سنوات بالصوت والصورة بالإتيان بمتفجرات من دمشق لتنفيذ عمليات اغتيال في لبنان تستهدف خصوصاً رجال دين سنّة، الأمر الذي يُشكّل دليلاً آخر على هيمنة هذا الحزب على القرار العسكري والسياسي والأمني والقضائي في لبنان.
“حزب الله” الذي أصبح يُهيمن بشكل لا لبس فيه على معظم مؤسسات الدولة منها الأمنية والعسكرية، لم يكترث منذ أن حلّ على أرض لبنان للمخاطر والتحديات التي تتهدد لبنان واللبنانيين من جرّاء ممارساته المتفلتة من الضوابط القانونية والأخلاقية، وآخرها تدخلاته وممارساته الفاضحة التي ضغط من خلالهما للإفراج عن حليفه المجرم. وفي هذا السياق تؤكد مصادر قضائية لـ”المستقبل” أن “خطوة إطلاق سماحة غير المحسوبة لجهة نتائجها العكسية السلبية، حتماً ستزيد من حالة الاحتقان الطائفي في لبنان، لا سيما وأن القضاء العسكري أصبح مُتهماً وبالأدلة الملموسة وذلك من خلال الأحكام التي تصدر عنه، يكيل بمكيالين إزاء فئة محددة من اللبنانيين”.
“الوضع الذي هو عليه اليوم القضاء العسكري في لبنان، لم يعد مقبولاً الاستمرار به”، تؤكد المصادر نفسها، ولذلك هي تعتبر أنه “بات من الضروري تغييره وإرساء منظومة قضائية تكرس فعلياً مفهوم العدالة، بعيداً عن أي ضغوط أو مزايدات سياسية لا سيما تلك التي يعتمدها “حزب الله” منذ العام 2000”، مضيفة: “لطالما أثار القضاء العسكري اللبناني جدلاً كبيراً، بسبب قراراته، التي عادة ما تنتصر لمقربين من النظام السوري والحزب، حتى في وجود كم من الاثباتات التي لا تقبل الدحض، وهناك العديد من الأمثلة في هذا الإطار أقلها في ما يتعلق بقضية العميل فايز كرم الذي اعترف بتخابره مع العدو الإسرائيلي إلا أن المحكمة العسكرية ارتأت سجنه مدة عامين فقط”.
تعليق وزير العدل اللواء أشرف ريفي على تخلية سبيل المجرم سماحة بالقول “مرة جديدة، أجد نفسي مضطراً لأن أنعى المحكمة العسكرية. مرة جديدة، أجد نفسي مضطراً لأن أنعى للشعب اللبناني هذه المنظومة القضائية الاستثنائية بكافة درجاتها”، تُضيف عليه المصادر القضائية نفسها بأن “هفوات القضاء العسكري اللبناني المستمرة تضفي مزيداً من عدم الثقة لدى المواطن اللبناني في نزاهة أجهزة الدولة ومؤسساتها”.