جوني كاسيدي
“الشاي يشبه المرأة الجميلة”، هذا ما يقوله رجل الأعمال البريطاني من أصل هندي نيرمال سيذيا. ويضيف: “تعمق في صفات الشاي، ولا تتوقف عند المظاهر”.
لم يفقد رجل الأعمال البريطاني من أصل هندي نيرمال سيذيا، الذي عمل في مجال تجارة الشاي لأكثر من 50 عاماً، شغفه بشرب الشاي. ومازال يتعامل مع تناول الشاي بشكل جدي رغم بلوغه السبعينيات من عمره، ويقول: “الشاي عقيدة، وموسيقى؛ إنه الحياة”.
بدأت علاقة سيذيا، مؤسس العلامة التجارية “Newby Teas”، بالشاي في لندن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. لكنه بدأ عمله من باب رغبته في الاستمتاع بحياته، وهو ابن أحد رجال الأعمال الهنود من الجيل الثالث.
ويستذكر أيام الصبا فيقول: “لقد كنت متمرداً. كنت أرى الأولاد يدخنون في لندن، ورغبت في أن أدخن مثلهم. التدخين والشرب والفتيات، بدت كلها أمورا جذابة بالنسبة لي رغم أنني كنت في الثالثة عشرة من العمر.”
وقتها أخبر سيذيا والده بأنه لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، “كان ذلك أمراً مملاً بالنسبة لي. لم أرغب في التقدم للامتحانات، ورغبت في شيء أكثر إثارة”.
وقد سنحت له الفرصة في أحد الأيام ليقابل شخصا عمل في شركة لاستيراد وتوزيع الشاي، وقادته تلك الفرصة إلى أن يصبح متذوقاً مبتدئاً لإحدى أكبر شركات التجارة في الشاي في لندن، وهو الأمر الذي يعتقد أنه توفيق إلهي.
ويقول في هذا الصدد: “كان ذلك بداية ابتسام الحظ لي، أظنه توفيق إلهي”. شخص أعرفه شاهدني أدخن خارج مكاتب الشركة، ورأى أن لدي إمكانات معينة، وقدمني لصاحب العمل”.
بلا مال
تلك الصدفة التي حدثت في أحد شوارع لندن أواخر الخمسينيات كانت بداية لحكاية عشق مع الشاي امتدت مع السيد سيذيا مدى الحياة.
بدأ بعدها في العمل مع أكبر شركات استيراد الشاي في جمهورية أيرلندا كمشتر في الهند، وكلف بشراء الشاي من المزادات في كولكاتا التي كانت تعرف في الماضي بكالكوتا. وشعر والده بالسرور من انخراط ابنه في تجارة الشاي، وشجعه على الاستمرار.
وهكذا بدأ سيذيا الشاب عمله الخاص به بتشجيع من والده، وأطلق على شركته اسم “سيذيا تي استيتس” والتي يقوم عملها على شراء الشاي من موطن العائلة في كولكاتا وبيعه لتجار الشاي في كل من المملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا.
لقد استحوذ شراء الشاي على كل حياته، واشترى السيد سيذيا مزرعة شاي في ولاية آسام شمال شرقي الهند. ويقول عن ذلك: “لم أكن أمتلك شيئاً من المال، واعتدت على النوم في شرفة أحد المباني في حديقة الشاي وأحتسي الشاي هناك. وأخذت أفكر في المميزات التفصيلية لكل نوع من الشاي التي تجعله متميزاً في الطعم عن الأنواع الأخرى.
ويتابع: “يبدو أن لدي موهبة في تذوق الشاي، وكان بوسعي التمييز بين أنواع الشاي حسب المنطقة التي يزرع فيها في الهند وفي أماكن أخرى في العالم، وهو أمر أثار إعجاب المشترين الذين قابلتهم”.
دعم الزوجة
وبعد نجاحه في مجال تجارة الشاي، اتخذت حياة السيد سيذيا مساراً مختلفاً عام 1965 عندما أسس شركته الخاصة لتجارة نسيج الجوت (أو الخيش)، وهو ألياف نباتية تستعمل في صناعة الحبال والحقائب.
ويقول عن ذلك: “كان عمي يدير النشاط التجاري للعائلة، لكنني لم أر أنه كان ناجحاً في ذلك. وقدرت أن بإمكاني أن أفعل أفضل منه. ذهبت إلى والدي الذي أعجب بفكرة أن بامكاني أن أكون أكثر نجاحاً من أخيه. وكان بريق عينيه يطالبني بأن أجعل هذا العمل ناجحاً، وهو ما قمت به فعلاً”.
وباتت هذه الشركة الجديدة، “إن سيذيا غروب”، الشغل الشاغل للسيد سيذيا، وعلى مر السنوات توسعت تجارته لتشمل عدة مجالات أخرى، بما فيها البنوك والعقارات. ورغم ذلك استمر عشقه للشاي. وبعد مرور عدة عقود، عاد الشاي ليطرق بابه من جديد.
ويقول عن تلك الفترة: “أراد ابن أخي أن يبدأ العمل في مجال تجارة الشاي عام 2000. كانوا يعلمون أنني ما زلت أقيم علاقات مع رجال الأعمال المشتغلين بالشاي، لذلك طلب مساعدتي، وهو أمر فعلته من أجله عن طيب خاطر”.
وهكذا بات السيد سيذيا شريكاً في تأسيس شركة Newby Teas. لكن تلك الشركة تعثرت في سنواتها الأولى، وخسرت أموالاً كثيرة. وكان السيد سيذيا على وشك أن يترك العمل بها، لكن زوجته الراحلة شيترا ديفي سيذيا أقنعته بألا يفعل.
ويقول في هذا الإطار: “قالت لي شيئاً واحداً. إن كان بإمكان أحد أن ينتشل الشركة من تعثرها فهو أنت. لقد كانت على حق. فبدعمها وتشجيعها كان بإمكاني القيام بأي شيء. لقد كانت الصخرة التي أتعلق بها وتمنعني من السقوط”.
وهكذا تفرغ السيد سيذيا لذلك العمل وانتشله من التعثر والخسارة. واليوم تبلغ عائدات الشركة 15 مليون دولار في العام الواحد. وبينما يعد الشاي الذي تنتجه الشركة للبيع في المملكة المتحدة، إلا أن روسيا تعتبر سوقه الأكبر، وهي في طور التوسع في الولايات المتحدة كذلك.
بلا حليب
يقول سيذيا إنه يقوم بتعليم الناس فن وثقافة شرب الشاي، ويجد صعوبة في التفكير في الأنواع الرخيصة من الشاي التي يشربها كثير من الناس. لكنه يعترف أن أسعار الشاي الذي تبيعه شركته، والذي يبلغ سعر الكيس الواحد منه نحو نصف دولار، مقارنة بسعر أقل بكثير للكيس من الأنواع العادية، يراها البعض غالية الثمن.
ويقول سيذيا: “بغض النظر عن نوع الشاي الذي تشربه، لا ينبغي أن تضيف إليه شيئاً آخر.”
ويتابع: “لا ينبغي أن يضاف للشاي السكر أو الحليب، أو ماء الورد أو أي شيء آخر. الطعم الخفي للشاي ينبغي أن يكون واضحاً. ويضيف: “أنت لا تلتهم الشاي، أنت ترتشفه. ينبغي أن تشربه على مهل لكي تستمتع بمذاقه. كوب جيد من الشاي يشبه رحلة إلى السماء. إنه مصدر للمتعة والسعادة”.