“شركة المسابقة” لإجراء إمتحانات البكالوريا اللبنانية القسم الثاني. حتى اللحظة، يبقى إسم هذه الشركة من نسج الخيال، لكن فكرتها حقيقة، حيث تعمل السلطة اللبنانية، وتحديداً بعض المتنفذين في وزارة التربية على تحضير البنية التحتية لمشروع خصخصة الإمتحانات الرسمية ووضعها حيز التنفيذ بشكل رسمي. وهي التي بدأت بذلك “منذ حوالي 7 سنوات”، عبر تلزيم شركة خاصة “إدارة بنك أسئلة الإمتحانات الرسمية” بواسطة جهاز خاص من الموظفين، وفق ما تقوله لـ”المدن” عضو التيار النقابي المستقل، بهية بعلبكي. لكن مدير عام وزارة التربية فادي يرق، ينفي في حديث لـ “المدن” وجود مثل هذه المؤسسة، ويؤكد ان “وزارة التربية هي التي تستلم إدارة الإمتحانات الرسمية”.
وتتوالى الخطوات بإتجاه الخصخصة، عبر تفعيل دور المؤسسات التربوية الخاصة على حساب التعليم الرسمي، حيث تسكت وزارة التربية عن محاولات تغلغل إتحاد المؤسسات التربوية (يمثل الإرساليات وأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة) في عمق مسيرة الشهادة الرسمية، “منذ حوالي 4 سنوات، عن طريق الجولات على مراكز الإمتحانات”، لإعطاء طابع الإهتمام بالشهادة والطلاب، في محاولة لحجز مكانٍ دائم في “كادر” صورة الشهادة الرسمية، ليصبح كلامهم وقرارهم مع الوقت، مؤثراً في مسيرة هذه الشهادة. وفي هذا الإطار، لا يمكن تجاهل إعلان القطاع الخاص إستعداده لإجراء وتصحيح المسابقات يوم أعلن الأساتذة في هيئة التنسيق النقابية مقاطعة تصحيح الإمتحانات للعام الدراسي 2013 – 2014.
خصخصة الشهادة الرسمية تسير على طريقها الصحيح من خلال دعم وزارة التربية لجملة من الخطوات التي يستفيد منها القطاع الخاص. وتعتبر الإفادات التي أعطاها وزير التربية الياس بو صعب لطلاب الشهادة الرسمية في العام 2014 إحدى الطرق التي تؤدي الى الخصخصة عبر ضرب قيمة الشهادة الرسمية، ويأتي التشكيك بنتائج الإمتحانات في العام الماضي، ودعوة الأساتذة الى إعادة التصحيح، في السياق نفسه. وترى بعلبكي ان “الأساتذة رفضوا إعادة التصحيح لأن التشكيك بالنتائج يعني التشكيك بالأساتذة وبمستواهم”.
ويشكّل إنتشار البكالوريا الأجنبية بين المدارس الخاصة، درباً من دروب التضييق على الشهادة الرسمية، وتقوية القطاع الخاص. فتمكين الطالب اللبناني الذي يعيش على الأراضي اللبنانية من اجراء بكالوريا أجنبية هو إنتقاص من قيمة الشهادة اللبنانية، خاصة وانه “لا يوجد معاملة بالمثل مع الدول الأجنبية”، كما تشير بعلبكي. وعموماً، فإنه “لا مشكلة بوجود البكالوريا الأجنبية”، لكن من المفترض، برأي نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض، “إلزام الطالب اللبناني – ما لم يكن قادماً من الخارج – بتقديم بكالوريا لبنانية، على ان يبقى تقديم البكالوريا الأجنبية اختيارياً، لا ان يكون اجراء الأجنبية على حساب الوطنية”.
يوسّع محفوض مروحة حديثه لـ”المدن” عن الشهادة الرسمية، ويشير الى ان تعزيز دور الشهادة الرسمية “يؤثر على أقساط المدارس الخاصة. لأن تقوية الشهادة الرسمية يأتي ايضاً من خلال تعزيز المدرسة الرسمية، الأمر الذي يؤدي الى إعادة ثقة الناس بالقطاع الرسمي ويخلق منافسة مع القطاع الخاص، فتنخفض أقساط القطاع الخاص. لكن عندما تضرب الدولة القطاع الرسمي سترتفع اقساط القطاع الخاص بسبب ارتفاع الطلب عليه”. وينتقد محفوض كلام بو صعب حول أهمية القطاع الخاص، لأن هذا القطاع بات “فاشلاً بسبب سياسة الدولة تجاهه، إذ ان 75% من قطاع التعليم بات خاصاً. فعن أي قطاع رسمي يتحدث الوزير، في ظل نظام تحاصص وزارة التربية ونظام التعاقد الوظيفي؟”. وبرغم تراجع التعليم الرسمي، يعتبر محفوض ان الشهادة الرسمية، “وفي أتعس الأحوال، أفضل من الخاصة. وإذا كان هناك ملاحظات وثغرات في التعليم الرسمي، على وزارة التربية سد الثغرات وليس ضرب الشهادة الرسمية”.
الحديث عن خصخصة الشهادة الرسمية لم يدخل حيز التنفيذ بعد، لكن المشروع يسير تحت الطاولة بتسهيل من كل القوى السياسية التي تملك وتدير أغلب المؤسسات الخاصة. الخصخصة واردة في أي لحظة، مدعومة بشماعة العولمة والإنفتاح على المناهج الغربية وطرق التعليم العالمية التي تصل الى حد تشجيع التطبيع مع إسرائيل تحت شعار السلام والتسامح، وهو ما تدّرسه اليوم بعض المدارس اللبنانية الخاصة، وبعلم وزارة التربية. علماً أنّ هناك نقاشاً دولياً حول خطر خصخصة التعليم، ولدعم وجهة النظر هذه، يمكن ملاحظة كيفية إهتمام دول العالم الأول بالتعليم الرسمي أكثر من الخاص.
لنفترض أن الخصخصة هي الحل لفساد الإدارة في القطاع الرسمي، فهل وزارة التربية قادرة على ضبط الاستغلال في القطاع الخاص؟ او قادرة على تعزيز مكانة الأستاذ في هذا التعليم؟ الإجابة يظهرها واقع الأساتذة في القطاع الخاص، حيث يعاني من تدني الرواتب والخدمات، ومن انعدام الأمن الوظيفي. اما في حال الإشارة الى دخول القطاع الخاص ميدان التعليم التقني المتطور، او ما يعرف بالتعليم التفاعلي، فإن ذلك يرتب ضغطاً أكبر على التعليم الخاص نفسه وعلى وزارة التربية، لأن تدريب الأستاذ على التعليم التفاعلي يتطلب تأمين سلة متكاملة من الشروط، أهمها الشروط المادية والنفسية، وصولاً الى إخضاعه لدورات تدريبية على التقنيات الجديدة، والتي يفترض ان تكون مدفوعة ومحسوبة ضمن ملف عمله وتعويضاته. علماً ان هذا الطرح موجود منذ العام 1996، ومطروح من قبل اساتذة التعليم الرسمي، لكن وزارة التربية تتجاهل الأمر حتى الآن.