في عام 1908، نشر فرانسيس ماكدونالد كونفورد، الباحث المختص في الدراسات الكلاسيكية في جامعة كامبريدج، كتيبا بعنوان “مايكروكوزموجرافيا أكاديميكا”، وهو دليل ساخر للمماحكات السياسية في الجامعة.
الكتيب المفعم بالحيوية، الذي وُضع عنوانه باليونانية، تحت عبارة تعني “دراسة العالم الأكاديمي الصغير”، أعلن نفسه دليلا لأصحاب الطموح في العشرينيات من العمر.
في هذا الكتيب، وصف كورنفورد قاعدة التقاعس عن العمل المعروفة باسم السابقة الخطرة: “ينبغي ألا تقوم بعمل لا شك أنه صحيح الآن خوفا من أنك أنت، أو خلفك الخجول مثلك، لا تجد في نفسك الشجاعة للقيام بما هو صحيح في بعض الحالات في المستقبل”.
بعد ذلك قال إنه في كل إجراء عام غير معتاد “سواء كان خطأ، أو إذا كان ذلك صحيحا، أن يشكل سابقة خطرة. ويترتب على ذلك أنه يجب عدم القيام بأي شيء لأول مرة أصلا”.
“السابقة الخطرة” تنسجم مع مبدأ كورنفورد الآخر: الإسفين. “يجب ألا تتصرف بعدل الآن خوفا من رفع سقف التوقعات، التي ستفيد بأنك سوف تتصرف بشكل أكثر عدلا في المستقبل – وهي توقعات تخشى أنك لن تجد في نفسك الشجاعة لتحقيقها”.
عندما أعاد كورنفورد طبع كتيبه بعد 15 عاما، كانت تجربته في الحرب العالمية الأولى قد أظهرت له الأهمية الأوسع لملاحظاته. الكتيب لا يزال قيد التداول في أوساط الجامعة – الزملاء الجدد على هذا العمل لا يصدقون عندما يسمعون أنه كُتب قبل أكثر من قرن من الزمان.
خصائص الفشل المؤسسي تعتبر خالدة. هناك أوجه شبه مذهلة بين مشورة كورنفورد والوثيقة الأحدث قليلا، التي عادت إلى الظهور أخيرا. “الدليل البسيط للتخريب الميداني” – الذي وضعه في الحرب العالمية الثانية مكتب الخدمات الاستراتيجية الأمريكي، وهو الجهاز السابق على وكالة الاستخبارات المركزية – صمم لتوضيح كيف يمكن للمخربين في الأراضي المحتلة، مقابل خطر ضئيل لأنفسهم، أن يسببوا الأذى للمنظمات.
الإسفين والسابقة الخطرة يتردد صداهما في نشرة مكتب الخدمات الاستراتيجية: “يجب مراعاة الحذر: كن عقلانيا وحث زملاءك المجتمعين ليكونوا عقلانيين، وتجنب التسرع الذي قد يؤدي إلى مواقف محرجة أو صعوبات في وقت لاحق”.
توقع كورنفورد الممارسات التنظيمية الحديثة: “كلما كان بإمكانك ابتكار المزيد من القواعد، تكون هناك حاجة أقل لإضاعة الوقت حول الحيرة بين الصواب والخطأ. أفضل مجموعات من القواعد هي تلك التي تحظر الإجراءات المهمة، ولكن البريئة تماما”.
وكتب يقول إن ميزة هذه الأنظمة هي أنها، حيث إنه لا علاقة لها بالصواب والخطأ، تساعد على “حجب هذه الاعتبارات المزعجة في حالات أخرى، وتريح العقل من كل معنى للالتزام تجاه المجتمع”.
في سياق مماثل، مكتب الخدمات الاستراتيجية يحث المخربين على “الإصرار على فعل كل شيء من خلال القنوات. لا تسمح بالطرق المختصرة الواجب اتخاذها لتسريع اتخاذ القرارات.. كن قلقا بشأن مدى ملاءمة أي قرار. اطرح مسألة ما إذا كان هذا الإجراء كما يتم تصوره يقع ضمن اختصاص المجموعة، أو ما إذا كان يمكن أن يتعارض مع سياسة بعض القادة في أعلى المستويات” أو كما أشار كورنفورد للأمر بشكل مناسب: “قضايا الإجراءات ستقدم لكم أسبابا كثيرة لإضاعة الوقت”.
رياضة أخرى لإضاعة الوقت هي “صيد الفواصل”. وكما كتب، ابدأ بفاصلة، و”ستتوقف المجموعة بتمامها، وتأخذ في توجيه الانتقادات بلا توقف وبصوت مرتفع، خاصة إذا كان لديهم تدريب أدبي”.
كذلك حث مكتب الخدمات الاستراتيجية القراء على استجماع الأرواح المتحذلقة. وقدم العملاء النصيحة التالية: “عليك التدقيق في كل صغيرة وكبيرة حول التعبيرات الدقيقة للاتصالات، ومحاضر الاجتماعات، والقرارات.
عليك الرجوع إلى المسائل المقررة في الاجتماع الأخير، ومحاولة إعادة فتح مسألة الجدوى من ذلك القرار السابق”، مضيفاً أنه يجب أن تثار أسئلة غير ذات صلة في كثير من الأحيان. “عندما يكون ذلك ممكنا، يجب إحالة جميع الأمور للجان لمزيد من الدراسة والنظر’. حاول أن تجعل حجم اللجان أكبر عددا بقدر الإمكان – ليس أقل من خمس إطلاقا”. بالنسة لكورنفورد، الغرض من هذه الإجراءات هو تقليل “الشعور الخطير” بالإحساس بالمسؤولية عن طريق عدم السماح أبدا لأي شخص بأن يتصرف دون استشارة ما لا يقل عن 20 شخصا آخرين، من الذين ينظرون إليهم بعين الشك الذي له ما يبرره.
هذه الملاحظة تدخل في صلب الموضوع. الممارسة الواسعة للسلطة دون مسؤولية، وفي كثير من الأحيان باسم الديمقراطية أو المشاركة، هي في أحسن الأحوال وصفة للشلل التنظيمي، وفي أسوأ الأحوال آلية للتخريب الفعلي، مثل إحلال قواعد إجرائية لحكم الفرد.
في هذا الوقت من السنة، تذكر أن مكتب الخدمات الاستراتيجية يحث المخربين كما يلي: “عليك إلقاء الخطب. والحديث بشكل متكرر ما أمكن وبشكل مطول. وتوضيح نقاطك عن طريق الحكايات الطويلة وروايات التجارب الشخصية”.
وكما يوضح كورنفورد: “سيسمح لك بأن تستمر حتى يصوت جميع من هم في الغرفة معك، في وقت أقرب مما يسمعون فيه صوتك دقيقة أخرى. ثم عليك أن تتقدم بطلب التأجيل”.
لقد كنا جميعا هناك حتى وقت قريب وسمعنا ذلك: آن أوان التأجيل بسبب عيد الميلاد.