كتبت رولا حداد
بعد قرار محكمة التمييز العسكرية إخلاء سبيل الوزير السابق المحكوم ميشال سماحة بكفالة مالية قدرها 150 مليون ليرة، على أن تستمر محاكمته، اتخذت المواجهة السياسية منحى بين انتقاد قرار المحكمة والسعي الى تعديل القوانين المتعلقة بصلاحيات المحكمة العسكرية، والتي والحق يُقال إن مثيلات هذه المحكمة لم تعد موجودة إلا في الدول الأكثر تخلفاً في العالم.
لكن، وبصدق، فإنّ الإشكالية الحقيقية في ما جرى لا يكمن في طبيعة الحكم الصادر عن محكمة التمييز العسكرية، وذلك رغم كل الاجتهادات القانونية بين من يدافع عن قرار المحكمة انطلاقاً من بنود تؤكد إمكان إطلاق المحكوم ليتابع حضور محاكمته وهو حرّ، لأنه قضى فترة حكمه الأول، وبين من يعتبر أن ميشال سماحة يشكل خطراً على المجتمع لأن جريمته تتعلق بنقل متفجرات والتخطيط والتحضير لتفجيرات تستهدف عموم اللبنانيين، وبالتالي فإن المواد القانونية تضمن للمحكمة في هذه الحال إبقاءه موقوفاً في انتظار صدور الحكم النهائي.
الإشكالية الحقيقية لا تكمن في القانون ومواده واجتهاداته، ولا في كون الأحكام عادلة أو مجحفة، فهذا ما يحصل دائماً في المحاكم عبر التاريخ… وجُلّ من لا يُخطئ.
الإشكالية الحقيقية تكمن في أن قسماً من اللبنانيين، وهو تحديداً القسم الذي يلتفّ حول “حزب الله” ويتحالف معه، يعتبر أن ميشال سماحة “بطل” وأنه على حق في ما كان يخطط له ويفعله!
الإشكالية الكبرى أن فئة من اللبنانيين تعتبر أن سعي سماحة لقتل عشرات اللبنانيين بمتفجرات نقلها شخصياً في سيارته الخاصة تشكل عملاً “بطولياً” للدفاع عن نظام بشار الأسد.
الإشكالية الخطيرة أن فئة من اللبنانيين لم تخجل من أن تدافع عن مجرم إرهابي تمت توثيق جريمته بالصوت والصورة واعترافاته الشخصية!
والإشكالية غير المقبولة أن ثمة نواباً في مجلس النواب اللبناني، ورؤساء كتل نيابية، دافعوا عن إطلاق سراح ميشال سماحة، وقسما منهم كان اعتبر منذ اليوم الأول أن ملفه سياسي ومفبرك رغم كل الأدلة بالصوت والصورة والمتفجرات التي تمّ ضبطها معه!
لا مشكلة في الخلاف حول قرار قضائي. كل قرار قضائي يحكم لمصلحة فريق ضد فريق ثاني، وبالتالي فإنّ الفريق الذي لم يأتِ الحكم لصالحه سيعتبر أن الحكم جائر. لكن المشكلة الخطرة تكمن في أن يعتبر لبنانيون أن قتل لبنانيين آخرين يختلفون معهم بالرأي أمر مشروع وعمل “بطولي”!
من تابع مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات والأيام التي أعقبت إطلاق سراح ميشال سماحة، أدرك أن ليس ثمة ما يجمع اللبنانيين في العمق، وأنهم مقسومون على الأقل الى فريقين إن لم يكن أكثر…
ويحدثوننا عن كتاب تاريخ موحّد! أي تاريخ نتفق عليه إن لم نكن نتفق على الحاضر، وعلى الالتزام بالقوانين، وعلى مفاهيم الحرية وحقوق الانسان، وعلى عدم جواز القبول بقتل مواطنين ومسؤولين روحيين وسياسيين وتفجيرهم فقط لأنهم يختلفون مع غيرهم في السياسة؟!
أي وطن يمكن بناؤه مع فريق سياسي وشعبي لا مشكلة لديه في قتل مواطنيه تنفيذاً لأجندات إقليمية دفاعاً عن نظام مجرم؟!
هنا تكمن كل المشكلة. أما المشكلة الأكبر فتكمن في أن بعضاً من الفريق – الضحية في لبنان لا يجد أي مشكلة في الاتفاق مع الفريق – الجلاّد ليأتي منه برئيس للجمهورية، فيسلّم له مصيره بفرح عظيم!