يحار لبنان في التعامل مع قضية العقوبات المفروضة على “حزب الله” من قلب أميركا التي تقود حربا عالمية لتجفيف منابع تمويل الارهاب. فالإجراءات المترتبة على قرار الكونغرس خصّت الحزب اللبناني، أحد مكوّنات المجتمع المحلي، بعقوبات قاسية استهدفت قطع التواصل المصرفي مع أموال يُشتبه في وجهتها النهائية.
ليس خافيا على أحد أن موضوع الارهاب، سواء محليا او عالميا، يشكّل مادة دسمة للتداول في يوميات الاعلام او التواصل الاجتماعي. فكيف إن كان القرار الاميركي يمسّ وضعية حساسة تتيح هامش توسيع دوائر التحليل والتوقع، وخصوصا أن ما من رقيب او حسيب لما قد يقع في شباك شبكات التواصل التي تتيح حرية التعبير وبلا قيود.
إنشغل الاعلام المحلي أخيرا بقانون الكونغرس الاميركي الذي خصّص “حزب الله” بعقوبات واضحة وصريحة، مانعا أي تعامل مصرفي او مالي معه. وكان لا بدّ من أن يحدث تعقيب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ما يشبه زوبعة حين دعا مصارف لبنان إلى عدم إلتزام التطبيق، إلتزاما بسيادة لبنان… لكن، يبدو جليا، أن ما من خيار امام المصارف سوى الإلتزام بحذافير القانون تلبية لاتفاقات دولية عقدها في مجال مكافحة الارهاب والجريمة منذ العام 2002 تفاديا لدخوله نادي “الدول غير المتعاونة”، وما أعقبها من تعاميم متشددة من مصرف لبنان قبل أزمة اللبناني الكندي وبعدها.
ومنذ شهرين، تعكف الاوساط المصرفية على درس الموضوع، وهي تحار في التوفيق بين ما هو مُلزِم ولازم… وإذ تتفهم خصوصية الحزب وشرعية مشروعه، تتطلع في المقابل الى تفهّم لضرورة إلتزامها ما فرضه عليها “مجتمع الدولار” من أطر ضيقة لإنسياب حركة أموال مودعين ما زالوا يحافظون على منسوب مرتفع من الثقة يوّفر للمصارف متطلبات الحفاظ على ما حققته من سمعة وصدقية على مدى أعوام غلبت فيها سمة المحنة السياسية والصدمات الامنية والتباطؤ الاقتصادي.
تكثفت ولا تزال، لقاءات المصرفيين تحت كنف مصرف لبنان وجمعية المصارف، وستكون اليوم طبقا رئيسا في “اللقاء الشهري” الذي يعقد برئاسة الحاكم رياض سلامة… وبلغت أيضا أروقة المسؤولين بحثا عن “تسوية” تحفظ إنجازات الماضي وتكفل جبه إستحقاقات المستقبل. حمل المصرفيون الملف قبل ايام الى رئيس مجلس النواب نبيه بري بحثا عن مخرج يقي لبنان شرّ الخضات المصرفية كي لا يهلك ما تبقى من إقتصاد وطني. القرار إتُخذ برفع ملف التفاوض إلى المستوى الرسمي كي لا يقتصر على زيارات روتينية لمصارف لبنان إلى واشنطن. وكلّف الرئيس بري وزير المال علي حسن خليل زيارة وزارة الخزانة الاميركية، وقرّر إيفاد وفد نيابي إلى الكونغرس الاميركي في محاولة لتشذيب قرار العقوبات وتخفيف حدته، وتاليا تجنّب ما قد يخلفه من تداعيات لن تترك لبنان حتما في منأى آمن…
يزور وفد مصرفي واشنطن نهاية الشهر الجاري للغاية عينها… لكن الزيارة تأتي في “سياقٍ وقائي” تبذله جمعية المصارف منذ نحو عامين في اتجاه “اللوبي” الذي يصعّد المواقف الاميركية من مصارف لبنان. حتى ان رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه لن يكون في عداد الوفد تأكيدا على “روتينية” الزيارة التي حُملّت أكثر مما تهدف!
لبنان والعقوبات على “حزب الله”، ملف لا يقلق المصارف لانها تدرك خريطة الطريق. لكنه امتحان جديد لموقع في المجتمع المالي. فهل يمرّ القطوع ويتجاوزه لبنان بسلام؟