Site icon IMLebanon

ميشال سماحة كما روى زاهي البستاني

 

كتب ايلي الحاج في صحيفة “النهار”:

رغب بشير الجميّل بالحاح في معرفة مصدر كان يعلم بأنه يزوّد الأمن العام معلومات دقيقة عما يحصل ويُقال في الاجتماعات التي تنعقد في البيت المركزي لحزب الكتائب.

عندما صار زاهي البستاني في الموقع المتقدم بين فريق معاونيه الذي أشرف على عملية ايصاله الى رئاسة الجمهورية والتخطيط لما بعدها، سأله بشير الجميّل أن يلبي طلبين. الأول أن يحضر اجتماعاً للمكتب السياسي الكتائبي ليتعرف المسؤولون الحزبيون، مجرد تعرف، الى هذه الشخصية اللاحزبية التي صارت في الموقع الأول عند الرئيس العتيد. الثاني أن يخبره باسم المُخبر الذي أرهقه التفتيش عنه مدى سنوات. كان جواب زاهي: “بالنسبة الى الطلب الأول كلا، لن أحضر اجتماعاً في الصيفي. بالنسبة الى الطلب الثاني، أنا لا أكشف مصادري”.

اغتيل بشير الجميّل ولم يعرف من هو مصدر الأمن العام لدى قيادة الكتائب. وكان زاهي البستاني المبتسم غالباً، كتوماً جداً ومستودع أسرار عظمى للجمهورية لا يخبر شيئاً عما يعرف. لكنه بعد تقاعده كان يكشف أمام حلقة ضيقة ممن يثق بهم، بعضاً من مفاصل ومحطات من حرب لبنان. أما السرد الطويل للأحداث وما رافقها ففي جعبة زميل صحافي سجله في باريس، كما في جعبة أحد أفراد عائلته المباشرين. سيكون هذا الأرشيف المسموع يوماً عند تحوله مكتوباً ذا دويّ، بمثابة كشف أسرار الحكومات وأجهزة معلوماتها في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وسواها بعد مرور الوقت الكافي، والذي يختلف بين دولة ودولة.

لم يخبر زاهي البستاني صديقه بشير الجميّل بأن ميشال سماحة كان يكتب اليه دورياً عما يجري في بيت الكتائب، والأرجح لم يكن ليرغب في كشف ذلك، ليس اليوم. لكن ما يبيح اخراج المعلومة الى الضوء مصلحة لـ”قضية لبنان” كما كان يسميها البستاني ورفاقه. كما أن سماحة نفسه لم يرتدع عن تعلقه، ليس بالأمن العام وحده بل بأجهزة أمن متعددة، لبنانية وغير لبنانية، وان كانت قمة صعوده في عهد رفيقه الذي أعلن انفصاله عنه، اللواء جميل السيد، بعد خروجه الملتبس والصاخب من السجن بقرار من محكمة التمييز العسكرية. كان ميشال سماحة مخبراً من أول شبابه، أيام ترأس مصلحة الطلاب في حزب الكتائب، زمن اعتمد الحزب قراراً بأن يكون رئيس هذه المصلحة عضواً حكماً في المكتب السياسي. من سخرية القدر أن يوقع به أو يكشفه مُخبر أصغر بعد عقود.

غير المال، الذي كان لا يتجاوز مصروف الجيب العادي لشاب يقيم في بيروت، ما الذي يجذب حزبياً يتسلق المسؤوليات الطالبية والسياسية الى العمل مع جهاز أمني على حساب مصلحة حزبه؟ السؤال يصير أكثر وجاهة باسترجاع وقائع تبيّن أن الشاب الطموح الذي يهوى السياسة والصحافة والاعلام والتعامل مع أجهزة الأمن تنقّل بين هذه الأجهزة مراراً من غير أن يتوقف عند تناقض سياساتها، والاختلافات بين حقبة وحقبة وبين عهد وعهد ودولة ودولة. بعد الكتائب التي أسس فيها جهاز الأمن قبل ايلي حبيقة انتقل للعمل مع حبيقة في جهاز أمن “القوات اللبنانية” أيام الميليشيا، وكان الطابخ الأساسي لـ”الاتفاق الثلاثي”، وبعدما أطاح سمير جعجع هذا الاتفاق بالقوة وبالتحالف مع أمين الجميّل أيام رئاسته قبل ثلاثين عاماً في 15 كانون الثاني 1986 دخل سماحة دائرة العمل مع الأمن السوري في ظل حافظ وبشار الأسد على التوالي. ومن هناك أطل على “المقاومة” وانتسب اليها حدّ البكاء لدى ذكر اسم السيد حسن نصرالله أمامه.

قضية ميشال سماحة الى أين بعد عودته الى منزله وعائلته؟ تبدو متجهة بالأكثر الى فتح ملف القضاء برمته في لبنان، أكان عسكرياً أم أمنياً. لعلّ رأي وزير عدل سابق هو شارل رزق يفيد بدقة هنا في التحديد: “الدولة، أي دولة، تقوم على توازن ثلاث سلطات، الاشتراعية أي البرلمان، التنفيذية أي الحكومة. لكن البرلمان عاجز عن انتخاب رئيس ريثما تأتيه تعليمات من الخارج، والحكومة عاجزة عن التخلص من النفايات ريثما يتفق الوزراء على تقاسم عمولات. وتريدون قضاءً؟”.