Site icon IMLebanon

الأسباب الموجبة لمشروع قانون إلغاء المحاكم الخاصة واستبدالها بمحاكم متخصّصة

 

كتبت مرلين وهبة في صحيفة “الجمهورية”:

إخلاء سبيل ميشال سماحةفنيش: احترموا حكم القضاء ولا تمارسوا هذا الترهيب الشعار بعد الإفراج عن سماحة: قرار المحكمة لم يكن منتظراًقطع الطريق أمام منزل ريفي المزيدانطلاقاً من أنّ بلاد العالم لا تقبل بمثول الانسان المدني امام المحاكم العسكرية لأنه عار على حقوق الانسان، ومن أنّ التراتبية العسكرية لا تتلاءَم مع حيادية القاضي واستقلاليته، وانطلاقاً من أنّ قانون الإرهاب الذي وُضِع في 11/1/1985 ونصّ على أنّه بمجرد أن يقتنيَ شخص متفجّرات بهدف تنفيذ عمليات ارهابية فهو فعلٌ جرميّ، كلّ هذه الأسباب وغيرها… دفعَت مجموعة من القضاة الأكفّاء إلى إعداد مشروع قانون ينص على إلغاء المحاكم الخاصة واستبدالها بمحاكم متخصّصة تُعنى بمحاكمة جرائم الإرهاب.في السياق، كشف لنا المستشار القانوني لوزير العدل اشرف ريفي القاضي محمد صعب الموجبات التي دعت الى إعداده والعمل عليه منذ أشهر، علماً أنّه من أبرز القضاة الذين ساهموا في إعداده.

فقال لـ«الجمهورية»: «وضَعنا اللمسات الأخيرة على القانون منذ فترة بسيطة، أمّا المدة التي استغرقها تحضيره فتبقى قليلة نسبةً لأهميّته، لكنّنا عَقدنا جلسات مكثفة لإنهائه». وأوضَح أنّ «الفكرة الاساسية له تقوم على أنّ الدول المتقدمة لم تعُد تعتمد نهائياً على المحاكم العسكرية إلّا من إطار ضيّق جداً يقتصر على محاكمة العسكريين في القضايا المسلكية العسكرية.

 

وتَعتبر الدول الاكثر تقدّماً أنّ مثول المدنيين امام المحكمة العسكرية يشكّل خرقاً فاضحاً لحقوق الانسان بكلّ المعايير العالمية، لافتاً الى أنّ غالبية الدول التي شهدَت ثورات كانت أولى مطالب التغيير فيها والتي تصبّ في اتّجاه الديموقراطية وكبح الظلم، إلغاء المحاكم العسكرية او تحديد صلاحياتها وهذا الامر حصل بعد الثورة في مصر، معتبرين أنّ هذا هو الإنجاز الاهمّ الذي يمكن أن يتحقّق.

وعلى رغم أنه لم يتحقّق حتى الآن لكنّهم لا يزالون يعملون لتحقيقه، فيما تمكّنوا في المغرب من إقراره بعدما رضخَت حكومتها منذ فترة لإلغاء المحاكم العسكرية واعتبَروه الإنجازَ الأهمّ على مستوى الارتقاء بالعدل الى مصافي الدول المتقدمة.

أمّا بالنسبة إلينا فإنّ الأسباب الموجبة لهذا المشروع هي:

1 – بدأنا العمل بهذا المشروع قبل صدور حكم سماحة، عندما تسلّم الوزير أشرف ريفي وزارة العدل، وذلك لأهميته وأحقّيته، وليس من أجل سماحة فقط. واعتبَرنا هذا المشروع من أولويات مشاريعنا. وهذه ليست المرّة الأولى التي يُطرح فيها هكذا مشروع، إذ إنّ أطرافاً أخرى قد قدمت مشاريع مشابهة.

 

أمّا الفَرق بين مشروعنا وبين أيّ مشروع آخر، فهو أنّ مشاريع القوانين الاخرى كانت تعمل على تقليص صلاحيات المحكمة العسكرية التي تلغي المحاكم الاستثنائية وإعادة الاختصاص الى القضاء العادي العدلي المرتبط بمحكمة الجنايات (مخدّرات، قتل…). أمّا نحن فنعمل على خطوة متقدّمة اكثر، إذ ألغَينا محكمة استثنائية ووضَعنا مكانَها محكمة متخصّصة.

 

وبالتالي العبارة الأصحّ هي «إلغاء المحاكم الخاصة واستبدالها بالمحاكم المتخصصة». وعندما ألغي اليوم محكمة استثنائية، مثل المحكمة العسكرية التي يحكم فيها ضبّاط فهذا أمر يخالف المنطق الذي يقول إنّ كلّ شيء يتخلّله أحكام من الضروري ان يصدر من القضاة.

وحتى المجلس العدلي المؤلف من نخبة من أرفع قضاة لبنان، كونه محكمة استثنائية ولا يعتمد إلّا درجة واحدة من درجات المحاكمة، فهو يناقض المبدأ الاساسي الذي هو التقاضي على درجتين ويُعتبر ملغى في المشروع الذي قدّمناه.

وأضاف صعب: ظاهرياً يبدو أنّ القانون يستهدف المحكمة العسكرية، لكنّ الحقيقة أنه يستهدف ايّ نموذج استثنائي، لأنّ الاستثناء موجود ليكون موقّتاً ولمرحلة معينة ولظروف طارئة. لذلك يجب أن يلغَيا معاً، من دون أن نرجعَهما الى القضاء العادي إنّما وضعنا ضمن هذه الهيكلية محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب والقضايا الكبرى على غرار الدول المتقدمة التي صنّفت بعض الجرائم الارهابية ضمن الجرائم الكبرى التي لا تقل خطورة عن الإرهاب مثل الإتجار بالبشر، الإتجار بالأسلحة والذخائر، تبييض الأموال… الى قضاة متخصصين نظراً لخطورتها».

ولفت إلى أنّ «مشروعنا يلغي عمل المجلس العدلي، ويقلّص صلاحيات المحكمة العسكرية لتبقى محصورة بالمخالفات المسلكية للعسكريين، (فرار من الخدمة…) فتكون المحكمة المنوي إنشاؤها بديلاً عن هذه المحاكم الاستثنائية والتي تتألف كلّها من قضاة متخصصين وتتم المحاكمة فيها على درجتين ويدخل في إطار المحكمة ليس فقط في قضايا الارهاب إنّما في القضايا الكبرى ايضاً، ومن ضمنها جريمة الإتجار بالبشر التي ترفع من مستوى القضاء في لبنان امام المجتمع الدولي الذي صنّف جريمة الإتجار بالبشر في خانة الجرائم الكبرى عالمياً مع المخدّرات وتجارة الأسلحة.

 

ومِن المتوقع أن توضَع تجارة البشر مستقبلاً في الخانة الاولى بين الثلاثة. وبالنسبة إلينا هيكلية المحكمة قائمة على مبدأ التقاضي على درجتين، وبَعد محكمة الجنايات هناك محكمة عليا، وليس قاضياً واحداً يأخذ القرار فقط.

أمّا بالنسبة الى حكم سماحة، فإنّنا لا نقول اليوم إنّنا نريد الإتيان بقضاة متخصصين لأنّ الذين نظروا في قضية سماحة أو سواه في المحكمة العسكرية ليسوا متخصّصين، بل الفرق أنّ المحكمة المتخصصة لا تنظر فقط الى هذه القضايا، وسيكون القضاة جميعهم متخصّصين.

2 – المحكمة العسكرية التي أخلت سبيل سماحة، أخلته بإجماع جميع القضاة، لكن عملياً كان هناك قاضٍ واحد والبقيّة هم ضبّاط، يُطلق عليهم تسمية قضاة لأنّهم ضبّاط في المحكمة العسكرية، وهذه المحكمة تتبع مباشرةً لوزارة الدفاع، والضبّاط يخضعون لا إرادياً لأوامر أو لمونة أو لتوصيات الاعلى منهم، هم يقولون إنّهم يتحرّرون من الإمرة العسكرية، إنّما مَن يصدق أنّ الضابط يمكنه التحرّر من هذه الإمرة؟!

ويشير صعب إلى أنّ التراتبية العسكرية لا تتلاءَم مع حيادية القاضي واستقلاليته عند اتّخاذ قراره، فكيف يمكن تصوّر ضابط بصورة قاضي حين ينزل عن القوس، يجب عليه ان يعود ضابطاً ويتلقّى أوامر الأعلى منه رتبةً.

ولفتَ صعب إلى أنّ هذا المشروع سيقدم الى مجلس الوزراء، لا سيّما أنّ لبنان وقّعَ اتفاقات الامم المتحدة لمناهضة التعذيب وصون حقوق الانسان وفي جامعة الدول العربية… كلّ ذلك تحت معيار انّ بلاد العالم، لا تقبل بمثول الانسان المدني امام المحاكم العسكرية لأنه عار على حقوق الانسان.

امّا النقطة المهمة التي اشار اليها صعب فهي قانون الاسلحة الحالي الذي ينص على أنّه إذا ضبط مع ايّ شخص رتل من الاسلحة تكون العقوبة جنحة!! أمّا في مشروع القانون الجديد فقد عدّلناها ووضعناها ضمن اتفاق المحكمة المتخصّصة في قضايا الارهاب وفي اطار الجناية وليس الجنحة، التي تصل عقوبتها الى الاشغال الشاقة المؤبّدة، باستثناء الحالات الفردية (حمل السلاح الفردي من دون ترخيص).

ويقول صعب انّه على رغم أنّ حكمَ سماحة اعتُبر جناية، لكنّ الخطأ الكبير الذي تخَلّل الحكم أنّهم اعتبروا أنّها «محاولة» لم تصل الى نتيجة، في وقتٍ تنصّ المادة 5 من قانون الإرهاب الذي وُضِع في 11/1/1985 أنّه بمجرد أن يقتنيَ شخص متفجّرات بهدف تنفيذ عمليات ارهابية فهو فعلٌ جرميّ تام وينضوي ضمن فئة الجرائم الشكلية التي تعتبر فيها الجريمة تامة بمجرّد حصول الفعل المادة أي الاقتناء وتوافر نية القيام بعمل إرهابي ودون الحاجة إلى وقوع أي نتيجة جرمية علماً أن هذه الجريمة يعاقب عليها القانون بالأشغال الشاقة المؤبدة.

وقد اعتبَروا في المحكمة العسكرية الدائمة خلافاً للنص انّ سماحة كان في طورِ المحاولة لكي يستفيد من الأسباب التخفيفية وهذه هي واحدة من الأسباب التي أدت إلى نقض الحكم، من هنا يستغرب الرأي العام الحقوقي قرار محكمة التمييز بإخلاء السبيل.