Site icon IMLebanon

الحريري ـ جعجع: الفرق بين العتمة والضوء

 

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

 

النتيجة الحتمية، وقد تكون المنطقية والطبيعية، للحدث الاستثنائي غير المسبوق، مساء امس في معراب، اجتماع مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية. لا يحتاج ما حدث الى مزيد من التكهن والتبرير: لا حرج على “حزب الله” كي يذهب الى انتخاب الرئيس لأن مَن رشحه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع هو مَن يتمسك الحزب بترشيحه اولا ودائما. ولا حرج على تيار “المستقبل” الذي قال مرارا انه يقترع لمَن يلتقي عليه المسيحيون.

ها هم ممثلو المسيحيين في البرلمان والشارع صار لديهم مرشح واحد معلن.

واقع الامر ان قوى “14 آذار” لم تعد تُحسد على ما اضحت عليه. صدمة تلو اخرى. مرة من داخلها واخرى من الخارج. بات يسعها القول ان مطرقة جعجع لا تقل ثقلا ووطأة، وايلاما حتى، عن مطرقة الرئيس سعد الحريري بعدما رشح النائب سليمان فرنجيه للرئاسة قبل شهرين بعيدا من تيار “المستقبل” اولا، ومن حلفائه في قوى “14 آذار” ولاسيما منهم مَن عدّه الحليف المسيحي الاقرب اليه رئيس حزب القوات اللبنانية ثانيا. في ليل باريس فعل الحريري ما كان قد فعله عام 2007 في ليل كليمنصو عندما اختار مَن سمّاه “المرشح التوافقي” قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان، من غير اخطار حلفائه المسيحيين قبل ان يسترضيهم في الغداة.

ما فعلته مطرقة جعجع مغاير تماما. لكنها ضربة صائبة في اليوم نفسه لاجتماع باريس قبل شهرين في التمام والكمال. في احتفالية علنية في معراب لم تشبه سوى اعلان جعجع ترشحه للرئاسة في نيسان 2014، شارك فيها اركان حزبه وانهاها بنخب الرجلين، تبنى ترشيح الرئيس ميشال عون للرئاسة، وقال بملء صوته انه مرشح القوات اللبنانية، بينما لا يزال الحريري يتنصل من ترشيح فرنجيه علناً، وترك لتياره التنقل من تفسير الى آخر: بدأ بترشيح، ثم صغر الى مبادرة، ثم تقلص الى مجرد افكار. بل يذكر كثيرون الايام القليلة التي تلت اجتماع باريس: نفاه فرنجيه، ثم ترجح بين نفيه وعدم تأكيده. بدورهم نواب تيار المستقبل انكروا معرفتهم بحصوله تارة وجزموا به طورا. اضحى اجتماع باريس مغامرة، كمَن يخجل من الاعلان عنه.

منذ ان رفض ترشيح نائب زغرتا سلّم جعجع بما رمت اليه مبادرة الرئيس السابق للحكومة، وهو خوض انتخابات الرئاسة بمرشح من قوى “8 آذار” فحسب. كان الحريري السبّاق الى اهمال ترشيح جعجع، فسارع الاخير الى عدم الاكتفاء بالتخلي عن هذا الترشيح، بل ذهب بدوره الى مرشح آخر في قوى “8 آذار” تكريسا لمعادلة الحريري. وعلى غرار حليفه السنّي الذي لم يجد فرنجيه حليفا لحزب الله وصديقا حميما لسوريا ورئيسها، لم يمسِ ترشيح جعجع لعون تكريسا لهيمنة دمشق او سلاح حزب الله او وضع ايران يدها على الاستحقاق الرئاسي ومن خلاله لبنان برمته. فاذا رئيس تكتل التغيير والاصلاح يحمل في يد «ورقة التفاهم» مع حزب الله، في يد اخرى ورقة “اعلان النيات” مع القوات اللبنانية.

بالتأكيد ما حصل البارحة في معراب يعني ــــ اول مَن يقتضي ان يعني ــــ الحريري بالذات. بيد ان المهم في ما فعله جعجع انه نقل الاستحقاق الرئاسي، للمرة الاولى منذ الشغور، من الملعب المسيحي، والماروني تحديداً، الى الملعبين السنّي والشيعي على السواء. بالتأكيد ليسا ملعبا واحدا، ولا يتقاسمان هنا حسابات سياسية مشتركة. وليس لديهما تاليا خصم مشترك سواء كان عون او جعجع. افضت مبادرة الحريري بترشيح فرنجيه ــــ اذ توخت تغيير قواعد لعبة الاستحقاق ـــــ الى شرخ مزدوج: في قوى 14 آذار بتسمية خصمها، وفي قوى “8 آذار” بزرع الشقاق بين شريكي تكتل التغيير والاصلاح. فاذا القواعد الجديدة للعبة من معراب البارحة تكمن في سبل التوفيق بين ما يتمسك به حزب الله، وما يرفضه تيار المستقبل.

ما حدث في معراب غير مسبوق في تاريخ الثنائية المسيحية، بل المارونية، المتنافسة والمتنافرة على مر عقودها حتى الامس القريب. للمرة الاولى تسمي ثنائية مسيحية مرشحا واحدا للرئاسة: نافس بشارة الخوري ترشيح اميل اده عام 1936، ثم نافس اده ترشيح الخوري عام 1943، كذلك من بعدهما كميل شمعون وحميد فرنجيه عام 1952، ثم اشتباك شمعون مع فؤاد شهاب عام 1958، ثم تسابق زعماء “الحلف الثلاثي” على الترشح عام 1970 من غير ان يتخلى احدهم للآخر، وصولا الى ابواب الحرب اللبنانية. ليس الموارنة مَن اختاروا سليمان فرنجيه الجد لانتخابات 1970، بل بوانتاج الكاثوليكي جوزف سكاف مع كتلتي الشيعي كامل الاسعد والسني صائب سلام.

ما حصل في معراب، وقد لا ينبىء بالضرورة بان انتخاب الرئيس غدا ما دام المطلوب اولا حضور 86 نائبا، هو ان ثمة مرشحا انحنى لمرشح ليقول له انه يمشي وراءه.

مغزى سابقة جعجع ــــ ولعله يذكر ان حميد فرنجيه انسحب لكميل شمعون في انتخابات 1952 بعد احتساب الاصوات ــــ انه يدعو الحليف السني والخصم الشيعي الى امتحان الشراكة.