Site icon IMLebanon

عجوز أمام العسكرية… هل سيحين دور الأموات؟

 

كتبت لينا فخر الدين في “السفير”:

تكاد رجلا جوهرة أن تلتصقا بالأرض. تسحبهما ببطء من دون أن تتمكّن من رفعهما شبراً واحداً.. تجرّهما وهي تمسك بعكّازها الحديديّ وتتمتم في سرّها بكلماتٍ مبهمة. تشكر العسكريين الثلاثة الذين تكفّلوا بالإمساك بها.

وبعد جهدٍ جهيد، وصلت “الحاجّة” إلى.. قوس المحكمة العسكريّة متكئة على المنصّة. لم تقوَ على الوقوف أكثر وهي تسند نفسها على يد العسكريّ، فسارع عسكريّ رابع إلى وضع كرسي خشبي لتجلس عليه.

كان على العجوز التي تبلغ الـ82 عاماً أن تجيب عن سؤالين اثنين “ما في غيرن”، قال لها رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن خليل ابراهيم. لم تسمع. أعاد ابراهيم جملته. نظرت إلى محاميها محمود المير كي يشرح لها.

جوهرة ح. ليست شاهدة في المحكمة. ولم تأتِ بإرادتها، بل قامت القوى الأمنيّة بمداهمة منزلها، صباح أمس، بعد أن خابرت النائب العام المناوب في “العسكريّة” القاضي فادي عقيقي الذي أمر بتوقيفها لصدور مذكرة توقيف غيابيّة بحقها ومن دون علمها في 2013 على جرمٍ حصل في الـ2008، أي عندما كانت تبلغ 74عاماً.

إذاً، اتصال واحد حوّل عجوزاً تمشي وتسمع وتتكلّم بصعوبة، إلى موقوفة بتهمة “معاملة عناصر قوى الأمن بالشدّة” أثناء قيامهم بقمع مخالفة بناء يعود لجوهرة!

تبرّعت القوى الأمنيّة بإرسال دوريّة، وبشكل عاجل، إلى منزل جوهرة في برج البراجنة لتوقيفها.

ولكن لا بأس. فقد أبى عقيقي إلّا أن يتمّ سوقها من المخفر إلى “العسكريّة” في اليوم نفسه لكي يستمع إلى إفادتها وتركها بعد ذلك. ولو لم يُحالف المرأة الحظّ بأن يوم أمس كان موعداً للجلسات في “العسكريّة”، لكانت قد قضت ليلتها في أحد المخافر!

“يا ماما، وحياة الرسول أنا لا أؤذي أحداً، وخصوصاً أولاد الدولة”.. هكذا توجّهت “الحاجّة” إلى رئيس المحكمة. بوجه شاحب تملأه التجاعيد وصوت متهدّج، شرحت جوهرة أن الأمر يعود إلى خلافات على الإرث مع شقيقها أدى بها إلى هنا، وهي لم تبنِ بطريقة مخالفة بل إن منزلها مبنيّ منذ الستينيات، مضيفةً: “بجوز من الله هيك؟”.

الوقت الذي قضته جوهرة للإدلاء بإفادتها كان نفسه الذي قضته للوصول إلى مقعدها الأمامي، حيث أمر ابراهيم بإجلاسها، ثم طلب من العسكريين مرافقتها إلى الخارج ومغادرتها القاعة قبل صدور الحكم. جلّ ما كان يهمّ العجوز أن تسأل: “أهلي ناطريني برّا؟”.

وليلاً، حكمت “العسكريّة” على جوهرة بالبراءة بعد أن طلب لها مفوّض الحكومة المعاون القاضي كمال نصّار البراءة.

وأوضح المحامي المير أنّ هناك أكثر من 5 دعاوى مدنية وجزائيّة بين جوهرة وأشقائها بسبب الإرث.

بالأمس القريب، طفل في السادسة أمام “العسكرية”.. وأمس، عجوز في الثمانين! هل سيحين دور الأموات؟