Site icon IMLebanon

سيناريوهات ما بعد ترشيح جعجع لعون في السياسة والرئاسة!

 

نطبق على يوم ١٨ يناير ٢٠١٦ في معراب مواصفات «اليوم التاريخي»، رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع يعلن رسميا تبني القوات ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، يقدم حيث لا يجرؤ الآخرون ويعلن قرارا سياسيا يمكن أن يعد واحدا من أصعب القرارات في حياته، الشكل لم يقل أهمية عن المضمون، فقد جرى هذا الإعلان في أجواء احتفالية، لا يمكن التقليل من شأن ما حدث، ولا مبالغة في القول إن ما بعد ١٨ يناير ليس مثل ما قبله، أقله على الساحة المسيحية، فترشيح جعجع لعون أعاد خلط الأوراق الرئاسية وقلب المشهد السياسي وأوجد واقعا مسيحيا جديدا، ما حصل أشبه باهتزاز سياسي عنيف ستكون له ارتداداته وانعكاساته على المستويين السياسي والرئاسي:

أولاً: على المستوى السياسي

١- العنوان الرئيسي و«الرسمي» للحدث السياسي في معراب كان ترشيح عون، ولكن العنوان الفعلي والوجه الآخر كان تكريس المصالحة بين العونيين والقواتيين وإقفال نهائي لصفحة الصراع المرير الذي طال لعقود وطويت صفحاته على مراحل، هذا الصراع انطلق في سبتمبر ١٩٨٨ في ظل فراغ رئاسي وأقفل في يناير ٢٠١٦ في ظل فراغ رئاسي أيضا، مع فارق أن «الرئاسة» فرقت آنذاك بين جعجع وعون، وأن الرئاسة تجمع الآن بينهما، ويمكن القول إن احتفال معراب كان احتفالا بالاتفاق السياسي والمصالحة المنجزة أكثر مما كان احتفالا بالرئاسة الآتية وغير المضمونة حتى الآن.

٢- هذا التلاقي بين جعجع وعون يحصل على أساس اتفاق سياسي، بدأ بورقة النوايا المعلنة واستكمل بورقة التفاهمات غير المعلنة، وبالتالي فإنه يقف على أرض سياسية صلبة وثابتة ويؤسس لمرحلة جديدة على الساحة المسيحية عنوانها «ثنائية عون جعجع» التي تستحوذ على أكثرية مسيحية واضحة ولكن ليست حاسمة، في الشكل تشبه الثنائية المسيحية المستجدة ثنائية شيعية مزمنة، ولكن في المضمون لا تصح المقارنة وتظهر اختلافات كثيرة تجعل أن الاقتداء بالنموذج الشيعي غير ممكن «مسيحيا» لسببين على الأقل: الأول أن أمل وحزب الله تجمعهما «استراتيجية واحدة» مع اختلافات في التكتيكات والوسائل، فيما القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لا تجمعهما استراتيجية واحدة، وحتى الآن مازال كل منهما ملتزما بتحالفه وفريقه ومشروعه، وأما السبب الثاني فهو اختلاف واقع الحال بين الساحة الشيعية حيث يسيطر حزب الله وحركة أمل بشكل شبه تام ويحتكران قرارها وتمثيلها ويمنعان أي تدخل «خارجي» من قوى وطوائف أخرى في شؤونها، والساحة المسيحية التي تتميز بالتعددية ويصعب اختزالها بثنائية واحتكار قرارها وتمثيلها ومنع تدخل الآخرين في شؤونها.

٣- المشهد السياسي المستمر منذ عشر سنوات باصطفافه الحاد وانقسامه العمودي بين فريقي ٨ و١٤ آذار لن يبقى على حاله، فالتطورات الرئاسية كانت كافية لإحداث تغيير ملموس وجذري في هذا المشهد، وفي قواعد اللعبة التي تحولت من اصطفاف طائفي الى اصطفاف سياسي، وصارت تدور من الآن فصاعدا بين ثلاثة لاعبين كبار: «الشيعي» و«السني» و«المسيحي»، فإذا كان تحالف ١٤ آذار يعني عمليا وبشكل أساسي تحالف الحريري جعجع، فإن هذا التحالف أصيب بانتكاسة قوية وحصل فيه افتراق كبير عند محطة رئاسة الجمهورية، وحيث مضى كل واحد في سبيله ووفق ما تقتضيه مصلحته، وإذا كان تحالف ٨ آذار يعني عمليا وبشكل أساسي تحالف حزب الله مع عون، فإن هذا التحالف يتعرض لاهتزازات متتالية كان آخرها الإعلان الرسمي عن ترشيح عون من معراب، مع ما يعنيه ذلك من انعطافة سياسية من جانب عون، ولم يكن ليقوم بها لو كان واثقا تماما من حزب الله إن لم يكن برغبته في إيصاله للرئاسة، فعلى الأقل في قدرته على تحقيق ذلك.

وفي اختصار، فإن تطورات الأسابيع الماضية كانت نتيجتها أن تحالف ١٤ آذار أصيب بعطب في «ركيزته المسيحية» مع حصول الشرخ بين القوات والكتائب (إضافة الى المستقلين) الذي يغذيه «المستقبل»، وأن تحالف ٨ آذار أصيب أيضا بعطب مماثل في ركيزته المسيحية مع تفجر خلاف فرنجية عون الذي خرج عن سيطرة حزب الله.

ثانياً: على المستوى الرئاسي

١- ترشيح جعجع الرسمي

لـ «عون» بعد ترشيح الحريري غير الرسمي لـ «فرنجية» كرس واقعا بأن معركة رئاسة الجمهورية باتت محصورة بين مرشحي ٨ آذار، عون وفرنجية، وهذا الواقع يعني أن حزب الله هو «الرابح والمستفيد الأول» من هذا المنحى الرئاسي بعدما حصل على إقرار وتسليم من أبرز قوتين في ١٤ آذار بأن الرئيس المقبل سيكون من ٨ آذار وحليفا لحزب الله.

٢- جعجع «ضرب ضربته» واضعا الجميع أمام واقع جديد، ما أدى الى «حشر» كل الأطراف بنسب متفاوتة ولكن ليس الى تغيير مواقفهم، وهكذا فإن:

٭ فرنجية محرج باتفاق عون جعجع الذي يعطي الأول أرجحية مسيحية واضحة، ومع ذلك فإنه مستمر في ترشيحه ولن يتراجع.

٭ الحريري محرج باتفاق مسيحي ينزع من يده امتياز ترشيح الرئيس الجديد، ومع ذلك فإنه ليس مقيدا ولا ملزما بهذا الاتفاق وهو مستمر في دعم فرنجية.

٭ حزب الله محرج في أن مرشحه الأول (عون) يصبح مرشحا خصمه الأول (جعجع)، وفي أن معراب تصبح ممرا الى قصر بعبدا، ومع ذلك فإنه لا يتخلى عن تأييده لعون حتى إشعار آخر.

٭ البطريرك الراعي محرج باتفاق مسيحي يلتف على مبادرة الحريري التي يراها جدية ويلتف على ترشيح فرنجية الذي يرى فرصه بالنجاح أفضل من فرص عون، ولذلك فإن الراعي الذي يبارك مبادرة جعجع مازال مؤيدا لمبادرة الحريري.

٣- ثمة ثلاثة سيناريوهات مطروحة قيد التداول بالنسبة للاستحقاق الرئاسي بعدما كشف كل الأطراف أوراقهم:

٭ السيناريو الأول هو انتخاب عون رئيسا للجمهورية في جلسة ٨ فبراير المقبل، وهذا ما يتطلع إليه عون ويراهن على حصوله.

أصحاب هذا التوقع السائد في بعض أوساط ١٤ آذار (من غير القوات) يعتبرون أن حزب الله الذي لا يناور بتأييده لعون لن يتأخر في التقاط هذا التطور، وهذه اللحظة السانحة لإيصال مرشحه، وسيعمل على إقناع بري الذي يؤثر موقفه على جنبلاط ليجد الحريري نفسه في هذه الحال مضطرا للالتحاق بالركب الرئاسي والانضمام الى حليفيه (بري وجنبلاط) اللذين ساهما معه في «مبادرة ترشيح فرنجية».

٭ السنياريو الثاني هو الذهاب الى جلسة انتخاب يتواجه فيها عون وفرنجية في معركة متكافئة ودقيقة تبدو حظوظ فرنجية في الفوز متوافرة إذا انحاز الرئيس بري إليه، ذلك أن فرنجية متقدم في «معركة الأصوات» والأول في الميزان النيابي، فيما عون هو المتقدم والأول في ميزان القوى السياسي والطائفي العام بفعل تأييد أبرز قوتين شيعية ومسيحية له، ولكن حجم هاتين القوتين نيابيا ليست مطابقة لحجمها الواقعي على الأرض.

٭ السيناريو الثالث هو عدم انعقاد جلسة انتخاب واستمرار الشغور الرئاسي لفترة إضافية، ويحصل ذلك في حالتين: إذا قرر المستقبل (ومعه جنبلاط) مقاطعة جلسة الانتخاب فيما لو تأكد له أن عون سيكون رئيسا، أو إذا قرر حزب الله عدم الذهاب الى جلسة الانتخاب إلا بمرشح واحد من ٨ آذار، أو قرر عدم الذهاب تضامنا مع عون إذا ارتأى عدم الذهاب الى جلسة مفاجآت لا يكون فيها فوزه مضمونا.

٤- خلاصة الأمر أن اتفاق «عون- جعجع» أخرج كرة الرئاسة من الملعب المسيحي وأبطل الذريعة والمقولة التي تقول «ليتفق المسيحيون أولا»، والآن استقرت هذه الكرة في ملعبي المستقبل وحزب الله اللذين يملكان قرار التحكم بالاستحقاق الرئاسي وما سيئول إليه: هل يأخذان بالاعتبار الاتفاق المسيحي ويعملان في اتجاه تحويله الى توافق وطني؟! أم يكون التوافق السني الشيعي على الرئيس الجديد نواة هذا التوافق الوطني؟! ما يمكن قوله اليوم إن ترشيح جعجع لعون يعني تعزيز فرص عون في الرئاسة ولا يعني انتخابه رئيسا، ولكن هذا الترشيح كاف حاليا لقطع الطريق على فرنجية، وأن جعجع نجح في أن ينتقل عبر هذه المبادرة النوعية من حال محاصر وخاسر ورئيس لم يشارك في صنعه الى وضعية الرابح في الحالين: إذا لم ينتخب عون قطف ثمار المبادرة مسيحيا، وإذا انتخب عون يكون ساهم في صنع وإيصال الرئيس الجديد ويقطف ثمار ذلك سياسيا.