“مين بدو يشغلني ما في بإيدي مهنة؟”، يقول حسين (51 عاماً)، وهو متطوع في الدفاع المدني اللبناني منذ العام 1979، متزوج وله طفلان، ويعمل في معالجة الحروق لدى مركز تابع لتجمع الأطباء في برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية لبيروت. تعرض حسين للعديد من الإصابات أثناء أداء واجبه الإنساني، كان آخرها إصابتين في اليد اليمنى والرأس، خلال عدوان تموز 2006، اما تكاليف الإصابة، فكانت على نفقته.
قصص كثيرة مشابهة لقصة حسين في الدفاع المدني، جميعها لحالات تطوع خدمةً للحياة الإنسانية، في حين لم تمنح لهم حتى الضمانات الصحية. هذا ما جعل تثبيت عناصر الدفاع المدني وإنصافهم بإعطائهم بعض الحقوق الإجتماعية، قضية وطنية وإن اختلفت حولها الآراء، لاسيما بعد أن صادق مجلس النواب اللبناني في نيسان 2014، على اقتراح قانون تثبيت متطوعي الدفاع المدني عبر مباراة محصورة بالمتطوعين، لكن القانون لا يزال ينتظر إقراره في مجلس الوزراء لوضعه موضع التنفيذ. وقد خصصت لذلك ميزانية في وزارة المال.
هنا إنقسمت الآراء بين رأي مؤيد لأحقية تثبيت المتطوعين والأجراء والمتعاقدين، كمكافأة لمسيرتهم الإنقاذية، ورأي معارض بحجة الأعباء المالية الكبيرة التي ستنتج عن ذلك. وما بين الرأيين، تضيع حقوق المتطوعين الذين بدأوا اعتصامهم منذ 40 يوماً داخل خيم نصبت في ساحة الشهداء، بهدف الضغط باتجاه إقرار القانون. ولوّحوا بخطوات تصعيدية في حال إستمرت الحال على ما هي عليه، كان آخرها إعلان بعضهم نيته الإلتحاق بالهيئات الإغاثية في سوريا الإثنين، لكنهم تراجعوا بعد وصولهم إلى نقطة “المصنع” على الحدود اللبنانية السورية، نتيجة تلقيهم إتصالاً من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، يعدهم فيه بإدراج قانون التثبيت في الجلسة الحكومية المقبلة. علماً أن المتطوعين كانوا قد تلقوا وعوداً مشابهة من الوزير نفسه، لكنها لم تحقق. كما إلتقى المتطوعون بعض الفعاليات السياسية التي أقرت بأحقية تثبيتهم، لكن تلك اللقاءات لم تثمر.
يؤكد متطوعون أن رئيس الحكومة تمام سلام أشار أثناء اللقاءات التي جمعتهم به، إلى وجود جهة تعرقل إقرار القانون، دون تحديدها، الا ان مستشار وزير الداخلية، خليل جبارة، ينفي وجود أي عرقلة في ما يخص إقرار قانون التثبيت، ويقول في حديث لـ “المدن” أن قانون التثبيت هو “قانون حديث، يساهم في تطوير جهاز الدفاع المدني، من خلال منظومة متكاملة تبدأ بتنظيم مهام الدفاع المدني وتنتهي بتثبيت المتطوعين”، مشيراً إلى أن تأخير إقرار القانون، يعود لانقطاع جلسات مجلس الوزراء خلال الفترة السابقة”.
من جهة أخرى، يستند بعض المعارضين لقرار التثبيت إلى غياب نص قانوني في نظام الدفاع المدني، يجيز منح حق التوظيف للمتطوع بعد مرور فترة زمنية محددة. كما يبرر البعض أن صفة “التطوع” بذاتها تقوم على عمل إختياري ومن دون أي مقابل. ما يعني أن خيار الإلتحاق بصفوف الدفاع المدني كان بشكل إرادي، فلماذا يطالب المتطوعون اليوم بحقهم في التثبيت؟
بين خيار التثبيت أو عدمه، لا بد من التوقف قليلاً عند هيكلية الدفاع المدني وعديده، وقانون التثبيت نفسه، لمقاربة ما يتم الحديث عنه. فقد تأسس الدفاع المدني اللبناني، إثر إنتهاء الحرب العالمية الثانية، في العام 1945، وإنطلقت أعماله في أيار 1956 من غرفة وزارة الدفاع، إلى أن تحول إلى مديرية الدفاع المدني في العام 1959، ليتم إلحاقها بوزارة الداخلية بموجب القانون رقم 6/79 في العام 1979. وقد عهد إليه أعمال الإطفاء والإنقاذ والإسعاف وهي مهام ملازمة لحياة الناس اليومية كإخماد الحرائق ومكافحة الحوادث وإنقاذ الناس. وفي 8 أيار 2014 صدر القانون رقم 289، والذي تم بموجبه إعادة تنظيم هيكلية الدفاع المدني، وتثبيت الأجراء والمتعاقدين والمتطوعين.
آخر دورة للتوظيف في الدفاع المدني كانت في العام 1986، ومنذ ذلك الحين وعديد الدفاع المدني في إنخفاض. والأسباب تعود إلى بلوغ بعض الموظفين سن التقاعد أولاً، وإقدام البعض على الإستقالة ثانياً. فعلى سبيل المثال، في مركز حارة حريك موظف واحد أما البقية فهم متطوعون.
يشمل قانون التثبيت نحو 600 أجير ومتعاقد، إضافة إلى 2700 متطوع، يتوزعون على 220 مركزاً في محافظات لبنان الخمس. وللمفارقة، فإن المتعاقدين والأجراء هم موظفون يتقاضون راتباً أو أجراً مقابل قيامهم ببعض المهام، حتى في حال عدم تثبيتهم، ما يعني أنهم لن يتضرروا كثيراً من عدم التثبيت. فيما يُمنح المتطوعون مكافأة مالية تتراوح قيمتها بين 250 و400 ألف في السنة، وتحدد وفق تصنيف المتطوعين. بعد أن كانت تتراوح بين 50 و250 ألف ليرة سنوياً قبل عامين. فيما يعمل المتطوع ليومين كاملين، مقابل أربعة أيام إجازة، ما من شأنه أن ينعكس سلباً على حياة المتطوعين في حال عدم إقرار القانون.
ما يعني أن جهاز الدفاع المدني بكامله يقوم على عمل المتطوعين. وعليه، وإن كانت صفة التطوع تنفي حقهم في التثبيت، إلا أن نقص العديد يحتم إقرار هذا القانون، بما يضمن إستمرارية عمل هذا الجهاز. بالمقابل يمكن للمديرية فتح باب التطوع لأشخاص آخرين، واعتماد “سياسة” الصليب الأحمر، بالحصول على تعهد من المتطوع، بأنه سيبقى متطوعاً فقط، مع ضرورة منحهم الحق في التأمين الصحي وتعويض نهاية الخدمة، كي لا نكون أمام مشكلة مماثلة في المستقبل.