عزة الحاج حسن
تغيب عن سجّلات وزارة الطاقة والمياه وعن دفاتر الوزراء المتعاقبين عليها أي خطط استراتيجية لقطاع المحروقات في لبنان، رغم أهميته في حياة المستهلك وأثره المباشر في تحديد غالبية أسعار السلع الإستهلاكية. فالمحروقات لم تكن يوماً مجرّد سلعة عادية، ولطالما شكّلت أسعارها موضع تجاذب بين مستورديها ومستهلكيها وما بين الطرفين من مستفيدين من جباية أموالها، وتكاد تشكّل الرسوم والضرائب المفروضة على المحروقات أحد أهم المرافد المالية الى خزينة الدولة.
وانطلاقاً من ارتباط أسعار المحروقات في لبنان بأسعار النفط العالمية، فإنها تتغير صعوداً أو نزولاً بما يتناسب مع سعر برميل النفط، وإذا أخذنا البنزين مثالاً، فإن إيرادات الدولة من الضريبة على القيمة المضافة المفروضه على كل صفيحة بنزين تتراجع مع انخفاض سعر الأخيرة، في مقابل استقرار ايراداتها من الرسم الثابت المفروض على الصفيحة (4530 ليرة).
وفي حين بلغ سعر النفط ذروته في العام 2009 حين لامس 147 دولاراً للبرميل، سجّل متوسط سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان حينها 34 ألف ليرة، ولكن مع تراجع سعر برميل النفط عالمياً وبلوغه نحو 94 دولاراً مطلع العام 2011، لم يتراجع سعر صفيحة البنزين بل استمر بالإرتفاع حتى لامس 36 ألف ليرة (35900 ليرة) للصفيحة 98 أوكتان، وتشكّل هذه الأرقام خير دليل على غياب أي سياسة واضحة لقطاع المحروقات.
وإذا أخذنا أسعار العام 2009 مقياساً، حين بلغ سعر برميل النفط 147 دولاراً وسعر صفيحة البنزين محلياً 34 ألف ليرة، أي نحو 22.6 دولاراً، نلاحظ أن سعر صفيحة البنزين راهناً يفوق ما يفترض به أن يكون بناء على أن متوسط سعر برميل النفط اليوم هو 30 دولاراً، وهو ما يعني أن سعر الصفيحة يجب أن ينخفض دون مستوى 13 ألف ليرة (4.61 دولارات أو 6918 ليرة يضاف إليها رسم الدولة الثابت المفروض على كل صفيحة وهو 4530 ليرة يصبح سعر الصفيحة 11448 ليرة أي نحو 11500 ليرة يضاف إليها الضربية على القيمة المضافة 10% يصبح سعرها 12650 ليرة).
تراجع أسعار المحروقات لا يحقّق مصلحة المواطن بما يتوازى مع انخفاض سعر النفط عالمياً، وقد بات بات يشكّل ضغطاً على أصحاب الشركات المستوردة للنفط وأصحاب المحطات في لبنان الذين يتّجهون الى المطالبة بزيادة الجعالة، ويعتبرون وفق رئيس تجمع الشركات مارون شماس أن تراجع أسعار النفط يترك أثراً سلبياً على عمل الشركات المستوردة، ويقلّص هامش الأرباح التي تجنيها من المحروقات.
وعن احتمال التوجه الى تثبيت سعر صفيحة البنزين وفق ما يتم تداوله، يرى شماس في حديث لـ “المدن” أن “لا فائدة من تثبيت السعر إلا على خزينة الدولة. وبالنسبة الى الشركات فالحل يكون برفع الجعالة”. أما من وجهة نظر الشارع فيعكسها رئيس إتحاد نقابات جبل لبنان مارون الخولي، الذي يصف عملية تثبيت سعر البنزين في حال تمت بـ”الرسوم الإحتيالية”، ويعتبر في حديث لـ “المدن” أنه من غير المنطق أن تتجه الدولة اللبنانية في معالجة ملف المحروقات الى تثبيت السعر بشكل يخالف التوجهات الاقتصادية العالمية التي تتّجه الى تحفيز العجلة الإقتصادية عبر تشجيع الإستهلاك وليس العكس.
وإذ يؤكد الخولي رفض خطوة تثبيت سعر صفيحة البنزين “مهما حصل”، لا يتفق مع هذا الرأي رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، الذي يعتبر، في حديثه الى “المدن”، أن التثبيت يمكن أن يحصل في حال أوجدت الدولة حداً فاصلاً بين مصلحة المستهلك وحقه في الإستفادة من أسعار متدنية للمحروقات من جهة وبين الدولة وحقها في الحفاظ على ايرادات وافية من الرسوم على المحروقات من جهة اخرى.
في مقابل الآراء المختلفة تؤكد مصادر “المدن” توجه وزارة الطاقة الى بحث زيادة الرسوم على البنزين في مجلس الوزراء مع استبعاد تثبيت الأسعار، على أن يتم فرض الرسوم الجديدة قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري وقد تصل الى 5000 ليرة على الصفيحة الواحدة.